أعلنت حركة النهضة الإسلامية أنها لن تدعم أيا من المرشحين في الانتخابات الرئاسية، وتركت لأنصارها "حرية الاختيار".

ويأتي هذا القرار ليزيد من حدة الخلافات الداخلية التي تهز الحزب الإخواني في تونس، وهي خلافات بدأت بشكل لافت بعد أن خسر الحزب في الانتخابات التشريعية التي دارت يوم 26 أكتوبر الماضي.

وأكد فتحي العيادي، رئيس مجلس شورى النهضة، في مؤتمر صحافي إثر انتهاء اجتماع المجلس أن حركة النهضة تدعو أبناءها وناخبيها إلى “المشاركة بكثافة وفاعلية في الانتخابات الرئاسية وإلى اختيار الشخصية التي يرونها مناسبة لقيادة هذا المسار الديمقراطي”.

وقال مراقبون إن حركة النهضة أقرت عمليا، وليس أدبيا فقط، بهزيمتها من خلال انسحابها من دعم أي مرشح للرئاسة، معتمدة أسلوب النعامة، كما وصفه بعض الغاضبين من داخلها، لافتين إلى أنها تجنبت بهذا الموقف خسارة جديدة قد تكون قاصمة للظهر بعد هزيمة الانتخابات التشريعية.

ومنذ صدور القرار شن غاضبون من أبناء النهضة هجوما كبيرا على مكتبها التنفيذي وخاصة على رئيس الحركة راشد الغنوشي الذي اتهموه بتطويع قرار الحزب لإملاءات خارجية.

وقال هؤلاء إنها ليست المرة الأولى التي تعجز فيها الحركة عن إصدار قرار واضح، فقد سكتت خلال فترة حكمها على كل ما يجري حولها من أحداث خاصة ما تعلق بالمجموعات الإرهابية التي اغتالت شخصيات بارزة واستهدفت أمنيين وعسكريين، ما جعلها المتهم الأبرز في تسهيل عمل تلك المجموعات إلى حد التواطؤ.

ولفت المراقبون إلى أن الحركة يشقها موقفان من الانتخابات الرئاسية، الأول تمثله قيادات بارزة وجزء لا بأس به من الأعضاء يرفض التحالف مع الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي الذي يعتبرونه أحد أسباب الفشل الرئيسية في حكم الترويكا، ويحثون على انتخاب شخصية أخرى تكون لديها حظوظ للفوز حتى يمكن التحالف معها مستقبلا، والشق الثاني، يمثله جانب آخر من أعضاء الحركة، يريد دعم المرزوقي مأخوذا بالشعارات “الثورية” والمزايدات التي دفعت حزب المؤتمر مثلا إلى خسارة غالبية مقاعده في البرلمان الجديد.

ورجح المراقبون أن الحركة بقرارها عدم دعم أي مرشح، تكون قد اختارت أن تبتعد قليلا عن الأضواء في محاولة لإعادة تجميع قواها لخوض الانتخابات المحلية (البلدية)، وأن الهدف سيكون تعجيز الحكم الجديد (الحكومة والرئيس الجديدين) عن طريق التسلل إلى المجالس المحلية التي تستطيع أن تفرغ الكثير من قرارات الحكومة المركزية من محتواها، وتجرها إلى قضايا هامشية.

وكان حزب النهضة دعا قبل بدء الانتخابات إلى الاتفاق على مرشح “توافقي” للرئاسة، وهي دعوة قوبلت برفض واسع لدى الطبقة السياسية، على اعتبار أن الحركة تريد أن تجعل من “الرئيس التوافقي” لعبة بيدها، وطريقة لمنع فتح الملفات التي تخصها خلال فترة حكم الترويكا، وبالذات ملفات الإرهاب، والفساد المالي، والأخونة.

ويتنافس في الانتخابات الرئاسية المقررة ليوم 23 نوفمبر 27 مرشحا يعتبر الباجي قائد السبسي (87 عاما) رئيس حزب نداء تونس الذي فاز بـ86 مقعدا في الانتخابات التشريعية، الأوفر حظا بينهم.

ومن المرشحين الآخرين الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي وعدد من المسؤولين السابقين ذوي الخبرات مثل مصطفى كمال النابلي وكمال مرجان ومنذر الزنايدي إضافة الى القاضية كلثوم كنّو وأحمد نجيب الشابي.

من جهة ثانية، لفت المراقبون إلى أن الحملة، التي قادتها النهضة ضد ترشح رئيس حزب نداء تونس إلى الرئاسية بزعم الخوف من التغول وسيطرة الحزب الواحد على السلطة، كشفت تناقض الحركة وعدم مبدئيتها إذا تمت مقارنة هذا الموقف بموقفها من جمع حليفها رجب طيب أردوغان وحزبه لكل السلطات في تركيا.

وقال هؤلاء إنه في الوقت الذي كان فيه أردوغان يغير الدستور على هواه، مستفيدا من أغلبيته في البرلمان، كان إخوان تونس يقولون إن التجربة “الديمقراطية” التركية تعكس أرقى أنواع الديمقراطيات، وإن أردوغان تتلمذ على كتب الغنوشي وأفكاره عن الديمقراطية.

وكان محللون تونسيون قالوا إن الإسلاميين يصفقون للديمقراطية حينما تحملهم إلى الكراسي وينقلبون عليها حينما تطيح بهم الصناديق، وذلك تعقيبا على تصريحات صدرت عن قيادات نهضوية تحدثت عن تزوير وتأثير على الناخبين خلال الانتخابات الأخيرة.

وأضاف المحللون أن التجربة التونسية أعادت الإسلاميين إلى أحجامهم الطبيعية خاصة بعد خسارة الإخوان قبلها في انتخابات ليبيا، ورفضوا القبول بالنتائج واستمروا بالسلطة عن طريق قوة السلاح، حسب صحيفة العرب.