يعتبر النفط في ليبيا سلاحا ذو حدين، فبقدر ما هو  لتحقيق النماء الإقتصادي، بقدر ما أمسى  منذ سنوات إحدى أضلع الأزمة الأمنية في ليبيا حيث يقتتل الليبيون والمتدخلون الإقليميون والدوليون في شؤونهم من أجله.

 وهو إلى اليوم مصدر للتجاذبات على الساحة الليبية يكسب من يهيمن على إنتاجه وتصديره أوراقا على حساب خصومه الساعين إلى الهيمنة على القرار في البلد.

تهديد إستقرار ليبيا

قال خبراء الأمم المتحدة إن أنشطة شبكة الزاوية لتهريب النفط "تسهم في تفاقم العنف وتهدد السلام والاستقرار في غرب ليبيا والدول المجاورة"، مشيرًا إلى أن "العديد من الجماعات المسلحة تعمل في مجال تهريب الوقود".

واتهم التقرير الذي قدمه الخبراء إلى رئيس مجلس الأمن "كتيبة النصر التي تتولى تأمين المصفاة تدبر عمليات تهريب الوقود بالتعاون مع الجماعات المسلحة في الزاوية وصبراتة والعجيلات وورشفانة من مصفاة الزاوية"، فيما نفى آمر الكتيبة محمد كشلاف هذه "الادعاءات وأي علاقة مع مهربي الوقود"

ونقل التقرير عن كشلاف قوله إن "القوات المؤلفة من 1200 رجل، إلى جانب 1500 آخرين يجري فحصهم، مكلفة بتوفير الأمن الخارجي للمصفاة ومنع التسلل إليها"، لافتًا إلى أن "دور الكتيبة يقتصر على تنظيم حركة دخول الشاحنات إلى المصفاة وخروجها منها"، موضحًا أن "معظم الشاحنات الضالعة في التهريب تحمل تراخيص قانونية".

ورصد الخبراء الأمميون مراحل تهريب الوقود من المصفاة إلى الوجهة النهائية، سواء عبر ناقلة للتهريب على الساحل أو في مستودع غير قانوني بالقرب من أي نقطة على الحدود البرية الليبية، في إشارة إلى أن كتيبة النصر في أفضل وضع لمراقبة توزيع الوقود من المصفاة.

في هذه الأثناء، تحدث التقرير الأممي عن "أدلة أخرى على التواطؤ بين عناصر من حرس السواحل في الزاوية ومحمد كشلاف"، وقدم الفريق أدلة عبر نشر صور آمر وحدة حرس السواحل في الزاوية، عبدالرحمن ميلاد، ومحمد كشلاف على متن سفينة سبق أن اعترضتها الوحدة في المياه الليبية عند محاولتها تهريب الوقود من ليبيا في 28 يونيو 2016"

لكن ميلاد زود فريق الخبراء بوثائق تفيد بأن المهمة قد تمت بناء على أمر من رؤسائه»، فيما«أكد محمد كشلاف أنه كان على متن السفينة، وأن قواته كانت توفر الحماية لوحدة حرس السواحل التي قامت بالاعتراض، بناء على طلب من الوحدة، حسب التقرير.

وأكد التقرير أن سعر الوقود في السوق السوداء يعادل 26 ضعفًا للسعر الرسمي المدعوم خلال العام الماضي، موضحًا أن سعر اللتر الواحد يتراوح بين 0.58 دينار، ودينار واحد في السوق السوداء في الزاوية، وزوارة»، فيما يصل إلى 1.75 دينار ودينارين، و4 دنانير أحيانًا في السوق السوداء.

في سياق متصل،قال رئيس مجلس ادارة مؤسسة النفط الليبية مصطفى صنع الله "لميدل إيست أونلاين" إن خسائر قطاع النفط في ليبيا بسبب التهريب والسرقة بلغت 750 مليون دولار سنويا متحدثا عن آفة تهدد اقتصاد بلاده.

ووضعت الفوضى التي تشهدها ليبيا بعد أحداث 2011 التي أطاحت بنظام معمر القذافي صناعة النفط على حافة الانهيار، قبل أن تبدأ في التعافى تدريجيا إلا أن مستوى الانتاج لم يبلغ بعد مستوى ما كان عليه في 2010.

يضيف صنع الله"لكن تعافي القطاع يبقى رهين الاستقرار السياسي والأمني وهو أمر يبدو بعيدا في ظل انقسامات حادة واضطرابات أمنية من حين إلى آخر".

التهريب

إزاء رخص سعر الوقود في ليبيا حيث يعتبر بين الأدنى في العالم، فإن تهريب المحروقات خصوصا إلى تونس المجاورة غربا وايطاليا ومالطا شمالا، يعتبر نشاطا يدر أموالا كثيرة.

وتنتج ليبيا حاليا نحو مليون برميل يوميا مقابل 1.6 قبل الاطاحة بالقذافي.

ويشير الباحث المختص في الشأن الليبي مصطفى الجريء لـ القدس العربي إلى "ان ظاهرة تهريب المحروقات تنشط خاصة في الجزء الغربي الشمالي لليبيا أي زوارة والزاوية وصبراتة، حيث يتم تهريب المحروقات نحو تونس. كما يعمد المهربون الكبار إلى دفن صهاريج الوقود تحت الأرض قرب الحدود ليهرب لاحقا إلى مالطا وايطاليا".

ويشير الباحث إلى ان الكميات المهربة نحو تونس من البنزين سنويا تتراوح من 12 مليون لتر إلى 15 مليونا هذا عبر المنافذ الرسمية فقط. أما المنافذ السرية فحدث ولا حرج ففي سنوات 2012 وحتى 2016 وعندما كان المنفذ السري ظهرة الخس يشتغل لجأ من لديه صهريج للاستعمال الفلاحي وجلب الماء إلى تغيير نشاطه نحو تهريب المحروقات بحسب ما يذكر الجريء، وتهريب النفط لا يشمل فقط مجموعات التهريب الصغيرة بل هناك مافيات عالمية مستفيدة من الوضع الراهن في البلاد من أجل الحصول على الذهب الأسود المهرب بأرخص الأسعار.

في نفس الإطار،تشير العديد من التقارير المحلية إلى ان تهريب النفط سنويا في ليبيا يجعل البلاد تخسر ملايين الدولارات. 

وقد أكد مصطفى صنع الله رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط الليبية في تصريح له عن وضع المؤسسة الليبية ان خسائر قطاع النفط في ليبيا بسبب التهريب والسرقة بلغت 750 مليون دولار سنوياً، مبينا ان الميليشيات التي تحكم سيطرتها على منافذ تهريب النفط هي التي تحتكر توزيع الوقود على شركات النفط المختصة، دون وجود رادع لهؤلاء، كما ان معضلة اغلاق الموانئ النفطية زادت من نزيف الاقتصاد الليبي، إذ تقدر خسائر القطاع بسبب أزمة اغلاق الموانئ أكثر من 130 مليار دولار منذ سنة 2014.

الصراع حول النفط

يتسبب الصراع على النفط بين شرق ليبيا وغربها وجنوبها، في تعطيل عمل موانئ التصدير، وحرق مصافي النفط، وغلق صمامات على يد مسلحين، لمنع تدفق البترول والغاز إلى الدول المستوردة من ساحل البحر المتوسط، وعلى رأسها أوروبا. وفي المقابل، تستفيد دول وشركات عدة من غياب الحصة الليبية في سوق الطاقة، في وقت أصبح يعاني فيه عموم الليبيين من الفاقة وقلة السيولة المالية في المصارف، وكذا من نقص المواد الغذائية، وانقطاع الكهرباء، وغياب الخدمات الصحية.

وتعتمد موازنة الدولة على صادرات النفط والغاز، بنسبة تزيد على 95 في المائة. وكان حجم التصدير في عهد معمر القذافي يصل إلى نحو 1.6 مليون برميل يومياً، إضافة إلى صادرات الغاز، إلا أن كل هذه الكميات تقلصت بشكل كبير بعد إطاحة نظامه في 2011.

ولنحو سبع سنوات، ظلت مراكز استخراج الطاقة محل صراعات وانتشار للميليشيات المسلحة، بما فيها الجماعات المتطرفة. ففي الهلال النفطي الواقع بين بلدة أجدابيا في غرب بنغازي، وسرت في شرق طرابلس، استمرت أطول عملية إغلاق، بعد تدهور الوضع الأمني في عموم البلاد، خصوصاً في أعقاب سيطرة مسلحين على مناطق واسعة من ليبيا انطلاقاً من بنغازي، منذ عام 2013.

واستمر هذا الوضع لمدة ثلاث سنوات. وظهرت خلال تلك الفترة دعوات لانفصال المنطقة الشرقية الغنية بالنفط عن باقي عموم ليبيا. وظهر اسم إبراهيم الجضران ابن قبيلة المغاربة، على الساحة، بصفته آمر حرس المنشآت النفطية في المنطقة، حيث يتركز وجود قبيلته في منطقة موانئ التصدير في الشمال الأوسط من ليبيا.

ويوجد النفط والغاز الذي ينتج بتكاليف زهيدة مقارنة بدول أخرى، في ثلاثة أحواض رئيسية ضخمة، هي حوض سرت في وسط البلاد (الذي يوجد فيه الهلال النفطي)، وحوض مرزق في الجنوب، وحوض غدامس في الغرب.