يتعرض قطاع النفط في ليبيا إلى مشاكل وصعوبات متزايدة، تنذر بوضع القطاع الذي يعدّ مصدر الدخل الوحيد للبلاد في مأزق جديد. ففي ظل الأوضاع المضطربة التي تمر بها البلاد وحالة الصراع المستمر،باتت انتعاشة هذا القطاع الحيوي مرهونة بمدى قدرة الفرقاء على إجتياز مأزق الإنقسام وبناء دولة  قادرة على تجاوز العقبات وتحقيق المكاسب.

وتواجه ليبيا عددًا من المشاكل التي تعوق انتاج النفط خلال الفترة القليلة المقبلة،خاصة في ظل ارتهان هذا القطاع الحساس للصراعات الدائرة في البلاد ووقوعه في مرمى التجاذبات السياسية وهو ما يهدد بالاضرار بانتاج النفط الذي يعتبر "قوت الشعب" وسط تصاعد التحذيرات والدعوات الى اخراج النف من دائرة الصراعات.

وأعربت الحكومة الايطالية عن "القلق العميق" إزاء الإجراءات التى أدت إلى تعليق أنشطة الإنتاج والموانئ النفطية فى ليبيا، حسبما قالت صحيفة "جلوباليست" الإيطالية.وحذرت وزارة الخارجية الايطالية فى بيان مساء أمس الثلاثاء، من تداعيات "هذا التطور الذى بدأت فعلياً تترتب عنه عواقب وخيمة على الاقتصاد والشعب فى ليبيا".

وأشارت إلى أنه مع "استمرار الجهود الدولية لإيجاد حل سياسى للأزمة، تدعو إيطاليا إلى ضرورة الحفاظ على سلامة وحياد المؤسسة الوطنية للنفط، بإعتبارها المؤسسة الحكومية الشرعية الوحيدة التى يخول لها، وفق الأمم المتحدة، تصدير النفط الليبى".كما عبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا، عن قلقها العميق إزاء ما يجرى من تعطيل أو وقف لإنتاج النفط فى البلاد، وحثت جميع الأطراف على ضبط النفس، وجاء فى بيان للبعثة، أن "هذه الخطوة ستكون لها عواقب وخيمة أولا وقبل كل شىء على الشعب الليبى، الذى يعتمد كليا على التدفق الدائم للنفط".





وفي وقت سابق،السفارة الأمريكية في ليبيا إنها تشعر "بقلق عميق"،ازاء وقف عمليات النفط في ليبيا مشيرة الى أنه "قد يهدّد بتفاقم حالة الطوارئ الإنسانية في ليبيا والتسبب بمزيد المعاناة غير الضرورية للشعب الليبي".وأضافت السفارة في تغريدة على تويتر،"يجب أن تُستأنف عمليات المؤسسة الوطنية للنفط على الفور".

دعوة رحبت بها المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، لكنها أشارت إلى أن ذلك يقتضي إنهاء "الإقفالات غير القانونية".وقالت المؤسسة في تغريدة على تويتر:"لا يمكن أن تستأنف العمليات إلا بإنهاء الإقفالات غير القانونية التي تضر بمقدرات الشعب الليبي، وعلى كل الأطراف المسؤولة إنهاء هذه الإقفالات واحترام سيادة القانون".




وقامت قبائل شرق ليبيا بإغلاق أهم موانئ وحقول النفط شرق البلاد، بعدما دعت مؤسسات المجتمع المدني ونشطاء هناك إلى إغلاق الموانئ النفطية، احتجاجا على التدخل العسكري التركي في ليبيا، وذهاب إيرادات النفط إلى المليشيات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق.وأعلنت قبائل المنطقة الشرقية، في بيان، أن الأموال المتدفقة من إنتاج النفط، يستخدمها فائز السراج لوقف تقدم الجيش الوطني، الذي يخوض حربه ضد الإرهاب لتطهير المدن من الميليشيات.

وكان شيخ قبيلة الزوية العمدة السنوسي الحليق الزوي،أعلن في وقت سابق "انطلاق حراك إغلاق الحقول والمواني النفطية"، مؤكدا أن "الحراك يهدف لتجفيف منابع تمويل الإرهاب بعوائد النفط وكذلك للمطالبة بإعادة مؤسسة النفط لمقرها في بنغازي".واتهم شيخ القبيلة حكومة الوفاق باستخدام إيرادات النفط لدفع أجور لمقاتلين أجانب ومرتزقة.

وأعلن مجلس مشايخ ترهونة ،في بيان له ،أنه يدعم غلق الحقول النفطية لحين إنهاء التدخل التركي ،مستنكرا بأشد عبارات ما تقوم به حكومة اللاوفاق في طرابلس من جلب للمرتزقة وبيع لسيادة الوطن بأموال الشعب الليبي،وإهدار للمال العام الذي يتحصل عليه من بيع براميل النفط، الذي قامت القوات المسلحة العربية الليبية بتأمينه قبل سنتين. 

كما أعلن الحراك المدني بالزنتان،تأييده للتحرك الشعبي المدني والاجتماعي لإيقاف ضخ وتصدير النفط والغاز،وأعرب في بيان له عن غضبه مما وصفه بعبث المجلس الرئاسي وحكومته التي وصفها بغير الدستورية بمقدرات وثروات ليبيا النفطية، وإدانته للتمويل الذي تتلقاه الميليشيات المسلحة بالسلاح والذخيرة والمال من دخل ليبيا القومي والوحيد (النفط) بتصريح ودعم المصرف المركزي ومؤسسة النفط في طرابلس، بحسب البيان.





وبعد ساعات من إغلاق حقول ومنشآت النفط في المنطقة الشرقية .أعلن حراك غضب فزان غلق حقلي الشرارة النفطي والفيل الواقعين بجنوب غرب ليبيا وذلك قبيل عقد مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا.ويبلغ إنتاج حقل الشرارة، أكبر حقول النفط في ليبيا، نحو 300 ألف برميل يوميا، بينما ينتج حقل الفيل نحو 70 ألف برميل.

واتهمت مصادر في المؤسسة الوطنية للنفط،الجيش بالوقوف وراء عمليات ايقاف الحقول النفطية.لكن الجيش الليبي نفى هذه الاتهامات.وقال الناطق باسم القيادة العامة للقوات المسلحة اللواء أحمد المسماري، أن الشعب الليبي هو من أغلق موانئ النفط، وأن على الجيش حمايته، وأن إقفال الموانئ النفطية عمل شعبي غاضب من التدخل التركي في ليبيا.

وأوضح المسماري خلال مؤتمر صحفي إستثنائي مساء الجمعة الماضي، إن إغلاق المنشآت والموانئ النفطية  ،عمل شعبي تبنته المجالس في القبائل الليبية والمجالس المدنية ، مشددا على أنه "عمل مدني نحن في القيادة العامة قلنا له سمعا وطاعة من خلال العمل علي الأرض لتنفيذ أوامر الشعب الليبي"، وفق تعبيره.

من جهته أصدر جهاز حرس المنشآت النفطية بياناً للرد على تصريحات رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، التي جاءت في خطابه إلى رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، ونفى رئيس الجهاز، اللواء ناجي المغربي، في البيان ادعاءات صنع الله إصدار المغربي أي تعليمات لمراقبي الموانئ النفطية بإيقاف تصدير النفط جملة وتفصيلاً.

وأكد الجهاز "أن صنع الله تجاهل وتناسى جهود القوات المسلحة وجهاز حرس المنشآت النفطية في تحرير الحقول والموانئ النفطية وتسليمه هذه الموانئ للمؤسسة أمام العالم أجمع، وذلك بعد أن تمت حمايتها وتأمينها للحفاظ على مصدر رزق الليبيين".كما نوّه إلى أن إيقاف تصدير النفط جاء بناءً على قرار وقف التصدير بموجب بیان ملتقى القبائل والمدن الليبية، الصادر في ميناء الزويتينة النفطي وهو أمر يخص الشعب الليبي، حسب وصفه.




وحول التبعات المترتبة على إغلاق الموانئ والحقول، أكدت المؤسسة الوطنية للنفط ومقرها طرابلس، بأن تترتب على ذلك خسائر مالية فادحة وأخرى تشغيلية، إلى جانب مشاكل في تقليص حجم إمدادات الغاز لمحطات الكهرباء وغاز الطهو المنزلي.وأشارت المؤسسة في بيان نشرته عبر موقعها الرسمي على الانترنت، "جراء الإغلاق خفضنا معدلات انتاج النفط قدر الإمكان تجنبا لوقفه بالكامل، واستمرار الاغلاق سيكلفنا خسارة قدرها 1.2 مليون برميل يوميا، وخسائر مالية تقدر بحوالي 77 مليون دولار يوميا".

وبدأت بوادر أزمة نقص المحروقات تظهر في البلاد،بحسب ما ذهبت اليه صحيفة "الشرق الأوسط".ونقلت الصحيفة عن المحامي علي إمليمدي، الذي ينتمي إلى مدينة سبها (جنوب) تخوفه من أن منطقته مقبلة على أزمة في المحروقات المدعمة، وقال إن سعر أسطوانة غاز الطهي ارتفع في السوق السوداء إلى 80 ديناراً (الدولار مقابل 4.25 دينار) في السوق الموازية، في حين أن سعرها الطبيعي المدعوم من الدولة في المستودعات لا يتجاوز دينارين فقط".

كما نقلت "الشرق الأوسط" عن مواطنين قولهم أن مناطقهم بدأت تشهد انقطاعات في التيار الكهربائي لمدد متفاوتة.فيما قال الوافي عبد الإله من مدينة غات للصحيفة:"منطقتنا تعاني من وقت لآخر نقص الوقود، لكن منذ 3 أيام بدأت أزمة إغلاق النفط تؤثر علينا؛ حيث ارتفع سعر أسطوانة غاز الطهي بشكل مبالغ فيه"، مشيراً إلى أن محطات الوقود الخاصة تتحكم في الأسعار بشكل كبير.

وبالرغم من الانتعاشة التي شهدها قطاع النفط خلال الفترة الماضية فان عدة مناطق ظلت تعاني أوضاعا صعبة وسط اتهامات لحكومة الوفاق باستغلال عائدات النفط لصالحها.وقال رئيس لجنة متابعة أداء المؤسسة الوطنية للنفط بمجلس النواب يوسف العقوري إن إغلاق المتظاهرين لميناء الزويتينة النفطي بشرق البلاد هو امتداد لحراك شعبي يطالب بالعدالة في توزيع عائدات النفط بين مناطـق ليبيا والاهتمام بالمناطق المنتجة للنفط والغاز.

وحسب موقع مجلس النواب، فقد أعرب العقوري عن قلقه من تأثير التراجع في إنتاج النفط على الاقتصاد الليبي، ومن الأضرار التي قد تلحق بحقول النفط نتيجة ذلك الإغلاق، محملا حكومة الوفاق والمجتمع الدولي مسؤولية ذلك، وأوضح أنهم سبق وأن طالبوا بعثة الأمم المتحدة في عدة مناسبات بإدراج هذا الأمر ضمن أولوية الملفات التي يجب العمل عليها دون جدوى.وأكد العقوري أن المناطق التابعة لشرعية مجلس النواب تعيش أوضاعا صعبة نتيجة عدم إعطائها مخصصاتها المالية من قبل حكومة الوفاق.

وفي المقابل قال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، أن مؤسسته "تحاول دائماً تعزيز مبدأ الشفافية في الإنفاق الحكومي وتبين أين تنفق عوائد النفط، وتعمل على العدالة في التوزيع بين أبناء الشعب"، كما طالب مصرف ليبيا المركزي في طرابلس ووزارة المالية بتعزيز ذلك،محذَّرا من مخاطر وآثار إغلاق حقول النفط على الاقتصاد الليبي.

ولدى ليبيا أكبر مخزون للنفط في أفريقيا،وتعد إحدى أغنى دول الإقليم نفطياً، إذ تقدر الاحتياطات النفطية المؤكدة فيها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا.وقبل الأزمة التي تعاني منها منذ العام 2011، كانت ليبيا تنتج 1.6 مليون برميل نفط يوميا في المتوسط.لتدخل بعدها الدولة الواقعة في شمال أفريقيا في حالة فوضى،والصراع على أبرز الموانئ.

ورغم محاولات تجاوز الأزمات الاقتصادية التي تواجهها البلاد،فإن  تواصل انسداد الأفق السياسي في البلاد واستمرار الصراع الذي تغذيه التدخلات الخارجية خاصة التركية الساعية لنهب البلاد واستنزاف ثرواته،يقف عائقا أمام هذه المحاولات.ويؤكد مراقبون أن على الأطراف الليبية العمل على توحيد مؤسسات الدولة وانهاء الفوضى بما يضمن تحسين الأوضاع القتصادية التي ستنعكس ايجابيا على المواطن الليبي الذي يعيش منذ العام 2011 أوضاعا معيشية صعبة.