تعد ليبيا إحدى أغنى دول إفريقيا نفطياً، حيث تمتلك أكبر مخزون للنفط في الإقليم، إذ تقدر الاحتياطات النفطية المؤكدة فيها بنحو 46. 6 مليار برميل. وكانت ليبيا العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) تضخ قرابة 1. 6 مليون برميل يوميا أو أكثر قبل أن يؤدي الصراع وعمليات الإغلاق والانقسامات السياسية في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا إلى تقليص الإنتاج منذ العام 2011. 

وتتواصل المساعي في ليبيا لإنعاش القطاع النفطي، في محاولة إلى الحد من آثار الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد منذ أكثر من سبع سنوات. لكن هذه المحاولات مازالت تصطدم بعراقيل في ظل تواصل تردي الأوضاع الأمنية في البلاد. 

تحسن الإنتاج

وبعد سنوات من التردي، بدأ قطاع النفط في ليبيا يشهد تحسنا مع إرتفاع القدرة الإنتاجية، وأوردت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، الخميس، أن إنتاج ليبيا من النفط الخام، تجاوز حاجز مليون برميل يوميا في سبتمبر الماضي. وجاء في التقرير الشهري للمنظمة (تضم 15 عضوا)، أن إنتاج ليبيا صعد إلى 1. 053 مليون برميل يوميا، الشهر الماضي، من 950 ألفا في أغسطس السابق له. وإنتاج ليبيا من النفط الخام، المسجل في الشهر السابق، هو الأعلى منذ أكتوبر/ تشرين أول 2017

وكان إنتاج ليبيا من النفط الخام، بدأ بالتراجع دون حاجز مليون برميل يوميا، منذ الربع الثالث 2013، بفعل الفوضي التي شهدتها البلاد والتي أضرت بشكل كبير بالمنشآت النفطية جراء إستهدافها من قبل الجماعات المسلحة. 

وقال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط الليبية مصطفى صنع الله، الأربعاء، إن بلاده تخطط لزيادة إنتاجها النفطي، مؤكدًا أن ليبيا تنتج نحو مليون برميل يوميًا في المتوسط. وأضاف صنع الله أن الإنتاج زاد إلى 1. 3 مليون برميل يوميًا في وقت سابق من العام الجاري، وفقا لما أوردته وكالة "رويترز". 

وانخفض إنتاج ليبيا النفطي إلى 650 ألف برميل يوميًا في يوليو تموز من العام الجاري، حيث أدت الاضطرابات إلى تعطل الإنتاج على نحو متكرر. ووفقًا لتقديرات "رويترز"، تقل مستويات الإنتاج الحالية عن المعدل الذي كانت ليبيا عضو منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) تضخه قبل الاضطرابات عند نحو 1. 6 مليون برميل يوميًا لكنها الأعلى منذ منتصف 2013. 

وفي وقت سابق، اتفقت مؤسسة النفط الليبية مع شركتي "إيني" الإيطالية و"بريتش بتروليوم" البريطانية على استئناف عمليات الاستكشاف في ليبيا. وبحسب بيان للمؤسسة الليبية: "قامت المؤسسة الوطنية للنفط وكل من شركتي إيني وبريتش بتروليوم، الاثنين، بتوقيع اتفاقية ستعمل بموجبها كل من ايني وبريتش بتروليوم على استئناف أعمال الاستكشاف في ليبيا. 

واتفقت جميع الأطراف، بحسب البيان، على حصول شركة إيني على حصة مشاركة قدرها 42. 5 بالمئة من اتفاقية الاستكشاف وتقاسم الإنتاج الخاصة بشركة بريتش بتروليوم في ليبيا. كما ستصبح شركة إيني كذلك المشغل لاتفاقية الاستكشاف وتقاسم الإنتاج. وتمتلك شركة بريتيش بتروليوم حاليا 85 بالمئة من حصة العمل في اتفاقية الاستكشاف وتقاسم الإنتاج، مع احتفاظ هيئة الاستثمار الليبية بـنسبة 15 بالمئة المتبقية. 

ونقل البيان عن رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، المهندس مصطفى صنع الله، قوله: "إن هذه الاتفاقية تعتبر مؤشرا ودليلا واضحا على اعتراف السوق بالفرص التي توفرها ليبيا، وهو ما سيساهم بلا أدنى شك في النهوض بالإنتاج. "وأضاف "ضمان التنمية الاجتماعية في الاتفاقية هو دليل على التزامنا المشترك تجاه موظفينا والمجتمعات التي نعمل فيها، وسوف تدفع هذه المبادرة نحو المزيد من الاستثمار وتسهل تحقيقنا لمستويات إنتاج أعلى". 

وكجزء من خطاب النوايا، أكد الموقعون على التزامهم بتعزيز التدريب الفني والمساهمة في مشاريع التنمية الاجتماعية في ليبيا. وعلى النحو المبين في خطاب النوايا، تعتزم الشركتان استكمال جميع الاتفاقيات اللازمة وتنفيذها خلال السنة الحالية، وذلك بهدف استئناف أنشطة الاستكشاف في العام 2019. وتعد شركة إيني الإيطالية أحد أكبر الشركاء الأجانب الأبرز في ليبيا، حيث تدير عدد من الحقول النفطية والغاز. 

وكان رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، قد طمأن الشركاء الأجانب للمؤسسة بعد الهجوم الإرهابي على المقر الرئيسي في طرابلس أن مستويات الإنتاج لن تتأثر وأن المؤسسة تحتفظ بكامل البيانات في أرشيف إلكتروني حديث وأن الحقول تعمل بشكل جيد. 

احتجاجات

وفي الأثناء، وفي مشهد متكرر، نفذّ عمّال وموظفو حقلي الفيل والوفاء النفطي، الجمعة 12 أكتوبر 2018، احتجاجات، للمطالبة بالزيادة في الأجور وتحسين ظروف العمل، خاصة بعد عودة الإنتاج إلى طبيعته، مهددّين بالتصعيد في صورة عدم تسوية مطالبهم. 

وفي بيان مصور، قال المحتجون، إنهم لم يحصلوا على حقوقهم المشروعة، رغم تحسن الإنتاج النفطي، متهمين المؤسسة الوطنية للنفط، بالتقصير في تأمين ظروف عمل مريحة للراجعين إليها بالنظر، وعدم التجاوب مع مطالبهم، خاصة القرار المتعلق بزيادة المرتبات بنسبة 67 بالمئة. 

ودعا الغاضبون أيضاً إلى ضرورة توفير التأمين الصحي لهم، وإلزام الشركات على التعاقد المباشر وغير المباشر مع المؤسسات الصحيّة التي تتميز بالخدمات الراقية داخل وخارج البلاد، بالإضافة إلى وضع حل لمشكلة تأخر صرف المرتبات، ومنع تكرار الخروقات الأمنية التي تطال مستخدمي، شركة "مليتة" بحقل الشرارة. 

وقال موظف شارك في الاحتجاجات لوكالة "رويترز"، إن العاملين غير راضين عن امتناع السلطات عن تنفيذ خطة جرى الاتفاق عليها في 2014 تمنحهم زيادات في الأجور. وأضاف الموظف أنهم يعانون من التأخير في صرف الرواتب ونقص المرافق الطبية وضعف الأمن وعدم زيادة الأجور. 

وحذّر المحتجون من التصعيد في حال عدم تنفيذ هذه المطالب، الأمر الذي قد يهدّد بإغلاق أكبر الحقول النفطية بليبيا، إذ ينتج حقل الفيل الذي تديره شركة "مليتة" للنفط والغاز، المشتركة بين المؤسسة الوطنية للنفط وشركة "إيني" الإيطالية، أكثر من 70 ألف برميل يوميا، بينما يبلع إنتاج حقل الوفاء، حوالي 40 ألف برميل يوميا. 

وتعتبرالاحتجاجات، إضافةإلى مشكلة انقطاع الكهرباء، والإغـلاقات المتكررة لخطـوط الأنابيـب، بسبب إنتشار الجماعات المسلحة التي تستهدف المنشآت النفطية، بين الحين والآخر، إحدى ابرزالمشكلاتالتي يعاني منها قطاع النفط منذ سنوات. حيث يكبد الإغلاق المتكرر للحقول والموانئ النفطية في ليبيا، البلاد خسائر مالية جسيمة. 

خسائر 

وفي غضون ذلك، أشار محافظ المصرف المركزي الليبي الصديق الكبير، إلى تراجع العائدات المالية للحكومة إلى 46 مليار دولار في العام 2016 من 532 مليار دولار في العام 2012 بسبب انهيار الإنتاج النفطي منذ العام 2013 جراء اندلاع معارك مسلحة لأسباب سياسية وتوقف العمل في المنشآت النفطية، وما أعقبه من انخفاض حاد في أسعار النفط عالمياً في العام 2014

و قال الكبير، في حوار اجرته معه مجلة " جلوبال فاينانس" الأميركية، الجمعة، إن هذا يعني خسارة ليبيا ما قيمته 486 مليار دولار خلال تلك السنوات، بسبب الصراعات السياسية. 

واضاف أن التحديات الأساسية التي تواجه ليبيا في الوقت الراهن أسبابها الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي شهدتها البلاد منذ العام 2011، إلى جانب أوضاع السوق العالمية وتأثيراتها على أسعار النفط. 

وتابع الكبير، إن تلك الظروف تسببت في تقلب الاقتصاد، وتضخيم العيوب الهيكلية القائمة، وخلقت حالة من عدم اليقين حول السياسات النقدية. 

ونتيجة للصدمات المتكررة التي ضربت القطاع النفطي في ليبيا، قال محافظ المصرف المركزي للمجلة الأميركية، إن ذلك تسبب في عجز ميزان المدفوعات بين العامين 2014 و2017، ما وضع ضغطاً هائلاً على الاحتياطات النقدية الأجنبية لليبيا وعلى سعر صرف العملة الثابت. 

ورغم استئناف الإنتاج النفطي في العام 2017 وزيادة العائدات المالية، اعرب الكبير في الحوار ، عن تخوفه من استمرار حالة عدم اليقين المحيطة بالوضع الأمني في ليبيا والسياسات المالية، وهو ما يظل عقبة أمام تعافي الاقتصاد. 

وقال "إن من القضايا المثيرة للقلق تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر ليبيا وانتعاش شبكات التهريب بين ليبيا وجيرانها" معربا عن تخوفه بشكل خاص من قدرة بعض التنظيمات على استغلال حالة عدم الاستقرار لتقويض الأمن سواء في ليبيا أو في الإقليم. 

وذكر أن ليبيا تملك ثروات هيدروكربونية كبيرة لم يتم استثمارها بعد، إلى جانب قربها من أسواق النفط والغاز العالمية، ما يجعلها قادرة على جذب كثير من رؤوس الأموال والخبرات الأجنبية، مشيراً إلى أن عمليات إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع ستجعل ليبيا مصدر جذب رئيسياً للشركات الدولية العاملة في قطاعات البناء والبنية التحتية. 

ويلقي التردى الأمني الذي مازال يعصف بالبلاد، بالضوء على المشكلة الأخطر التي تتهدد قطاع النفط في ليبيا، وهو الجماعات المسلحة التي يطرح إستمرار وجودها على الساحة الليبية، خطرا كبيرا مع إمكانية إستهدافها للمنشآت النفطية، في إطار الصراعات المتجددة بينه، وهو ما سيؤثر باالطبع على الإنتاج. 

وكانت الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس، منذ أسابيع، قد ألقت بظلال سلبية على الاقتصاد الليبي بشكل عام، وعلى بعض القطاعات مثل الكهرباء ومنشآت النفط على وجه الخصوص، جرّاء تدمير البنية التحتية لشبكات النقل والتوزيع، وهو الوضع الذي وصفه رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، المهندس مصطفى صنع الله بـ"الصعب"، معتبرًا أنّ "الخسائر المادية ستكون هائلة جدًّا".