رغم أهمية إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في أقرب الآجال في ليبيا،لإنهاء حالة الإنقسامات والصراعات المحتدمة وتوحيد مؤسسات الدولة،فإن التعقيدات التي يشهدها الوضع الليبي،وتعنت الأطراف المتصارعة واستمرار مسلسل تنازع السلطة،يجعلون توفير مناخ مناسب لأي إستحقاق انتخابي قادم أمرا صعبا جدا.
وفي وجود حكومتين احداهما في الغرب برئاسة عبدالحميد الدبيبة،الذي يصر على الاستمرار في السلطة رغم نهاية ولاية حكومته ويؤكد على عزمه على المضي بالبلاد قدما نحو الانتخابات العامة،والأخرى في الشرق برئاسة فتحي باشاغا،الذي يصر على نهاية ولاية الحكومة المنافسة وضرورة تسلمه لمهامه،تتصاعد فصول الخلافات بين الطرفين يوما بعد يوما.  
النفط ورقة صراع
بالرغم من الآمال الكبيرة بانتعاشة منتظرة لقطاع النفط في ليبيا،فان الصراع السياسي في البلاد يهدد بعرقلة الأمر،حيث تحول مجددا الى ورقة للتنافس بين الأطراف المتصارعة مع تهديد الحكومة الليبية المعينة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، بوقف تدفق إيرادات النفط على المؤسسة الوطنية للنفط لضمان عدم وصولها إلى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
وأرجعت وزارة التخطيط والمالية في حكومة باشاغا، السبب، إلى "جرائم ومخالفات مالية جسيمة"، بحسب خطاب وجهته الوزارة إلى النيابة العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، وديوان المحاسبة، وهيئة مكافحة الفساد، ونشرته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".وأضافت وزارة التخطيط والمالية: "سنلجأ لاتخاذ جملة من الإجراءات التصعيدية بقصد إيقاف تدفق الإيرادات الناتجة عن مبيعات النفط والغاز إلى الحسابات المصرفية للمؤسسة الوطنية للنفط، وذلك من باب حفظ هذه الأموال من الهدر والتبذير".
ويعتمد تمويل الموازنة العامة في ليبيا على إيرادات النفط الذي تتولى "المؤسسة الوطنية للنفط" مسؤولية تسويقه.وتتدفق عائدات النفط عبر مصرف ليبيا المركزي، الذي يوجد مقره في طرابلس التي تسيطر عليها حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة.وحاولت المؤسسات المتواجدة في شرق ليبيا، خلال السنوات الأخيرة، بيع النفط على نحو مستقل عن طرابلس، غير أن مجلس الأمن الدولي حظر الأمر في 2021، وأكد أن "المؤسسة الوطنية للنفط" هي الوحيدة التي تملك حق تصدير النفط.
وتعيش ليبيا فصولا متعددة من الصراع بين حكومتي الدبيبة وباشاغا،شملت جل القطاعات من تعليم وصحة وأمن،ووصلت حد الاشتباكات المسلحة بين الطرفين.ولا يبدو التهديد باستعمال سلاح النفط مفاجئا فقد سبق اللجوء إليه في مختلف مراحل الصراع السياسي أو العسكري في البلاد خلال السنوات الماضية.
انتعاشة مهددة
بالرغم من التوقعات بقفزة مهمة في نمو اقتصاد ليبيا عام 2023؛ والذي ارجعه تقرير لصندوق النقد، في الربع الأخير لعام 2022،إلى ارتفاع أسعار الطاقة واستقرار قطاع النفط داخل ليبيا مؤخراً،فأن استمرار مسلسل العراقيل التي يعيشها القطاع الحيوي منذ سنوات تهدد بضياع هذه الفرصة.
وتعتبر الاغلاقات المتكررة احدى ابرز العراقيل التي يعاني منها قطاع النفط،حيث تكررت عمليات الاغلاق خلال السنوات الماضية بسبب تهديدات أمنية أو احتجاجات أو خلافات سياسية،وهو ما تسبب بخسائر تجاوزت 100 مليار دولار، بحسب البنك المركزي الليبي.
وشهدت إيرادات ليبيا من النفط ارتفاعا ملحوضا من 105.5 مليار دينار ليبي (22.01 مليار دولار) في عام 2022 من 103.4 مليار دينار في عام 2021،وفق ما اعلنه مصرف ليبيا المركزي.وبذلك تكون إيرادات النفط الليبي في 2022، قد حققت زيادة بمقدار 440 مليون دولار مقارنة بالعام السابق له، متجاوزة حالة القوة القاهرة وإغلاقات الحقول لعدّة شهور في ظل الخلافات السياسية، بحسب موقع "الطاقة" المتخصص في أسواق الطاقة.
وتعتبر ليبيا، من بين الدول الأكثر إنتاجا للنفط، إذ يبلغ إنتاجها الحالي أكثر من مليون 200 ألف برميل يوميا، وفق المؤسسة الوطنية للنفط.وتأمل الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، الوصول إلى مستويات 2010، حين كانت تنتج 1.6 مليون برميل نفط يومياً، وفق تصريحات سابقة لوزارة النفط في حكومة الوحدة الوطنية.
لكن الامر مازال يبدو صعبا في ظل استمرار وجود العراقيل التي ساهمت خلال سنوات في تردي وضع القطاع النفطي في البلاد.ويمثل اقحام النفط في الصراع السياسي مجددا ضربة للقطاع الحيوي وتهديدا لمكاسبه خاصة وأنه ياتي في وقت يترقب فيه الليبيون استئناف المحادثات بين فرقاء النزاع الليبي للتوصل إلى تفاهمات بشأن الانتخابات المتعثرة.
مبادرة تواجه تعنت
مع نهاية العام 2022،أطلق المجلس الرئاسي الليبي،بالتنسيق مع البعثة الأممية،مبادرة يهدف من خلالها لانهاء حالة الجمود السياسي المستمر منذ عام وإعادة الأطراف المتصارعة الى طاولة الحوار، وإنجاز قاعدة دستورية تؤسس لانتخابات برلمانية ورئاسية في أقرب وقت،وذلك خلال مؤتمر يعقد في مدينة غدامس في الـ11 من يناير 2023
المبادرة جاءت بعد يوم من إعلان القطيعة بين المجلس الأعلى للدولة والبرلمان وتعليق المشاورات والاتصالات بينهما، بسبب قرار البرلمان إحداث محكمة دستورية في مدينة بنغازي، إضافة إلى الخلافات بينهما بشأن شروط الترشح للرئاسة التي أدت إلى عرقلة عملية التقدم نحو إجراء الانتخابات.
وبالرغم من ان المبادرة قوبلت بترحيب من البعثة الأممية والمجتمع الدولي،واعتبرها كثيرون الفرصة الاخيرة لتحقيق مصالحة وطنية والدفع نحو انجاح الاستحقاق الانتخابي،فان الأطراف المتنازعة في البلاد أدارت ظهرها لها حيث أعلن المجلس الأعلى للدولة،بشكل مفاجئ رفضه المشاركة في اجتماع مدينة غدامس.
وبرر المجلس قراره بأن القاعدة الدستورية شأن مشترك بين المجلسين والاتفاق على أن تكون مصغرة تتضمن باب نظام الحكم والأحكام الانتقالية، وأن التوصل إلى توافق بينهما قريب في هذا الشأن، إلى جانب التصويت في جلسته على رفع قرار تعليق التواصل مع مجلس النواب.
رفض مجلس الدولة قابله غموض في موقف البرلمان الليبي،الذي اعتبر على لسان مستشاره الإعلامي مجلس فتحي المريمي، تلك المبادرات المحلية والدولية "مناكفات سياسية". ودعا المريمي،المجلس الرئاسي إلى إكمال مهامه المنوط بها بدل الدعوة إلى اجتماع ثلاثي والتي من بينها المصالحة الوطنية وتوفير الأمن للناخبين.
ويطرح هذا الرفض لمبادرة المصالحة الوطنية الشاملة،تساؤلات حول الأسباب الحقيقية،فمجلس الدولة قرر اعادة الحوار مع البرلمان فلماذا يرفض الذهاب الى اجتماع غدامس؟ وهل أن الرفض بسبب قيادة المجلس الرئاسي للمبادرة؟ وهل يمثل الامر رفضا مبطنا لوجود المجلس الرئاسي خاصة مع امكانية توجه مجلسي الدولة والنواب لإزاحة حكومة الوحدةما يعنى بالتالي إزاحة المجلس الرئاسي؟