جدد عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور عمر النعاس، تأكيده على أن الاستفتاء على مشروع الدستور هو الأصل، وهو حق دستوري للشعب الليبي يجب عدم حرمانه منه.

وقال النعاس، في ورقة تحليلية بعنوان (مشروع الدستور مبادرة نابعة من الشعب الليبي) خص بوابة إفريقيا بنسخة منها، "في رأيي؛ بعض المسلّمات التي لا خلاف عليها،: (الحق في حرية التعبير عن الرأي، وعدم جواز مصادرة حق الآخرين في إبداء آرائهم، وحيث أن الشعب هو السلطة التأسيسية الأصلية ومصدر السلطات، فلا مصادرة لحق الشعب ولا وصاية عليه). وفي رأيي أيضاً؛ هناك جملة من الحقائق حول مشروع الدستور تتمثل في الآتي:

الحقيقة الأولى - ملكية مشروع الدستور للشعب: إن الهيئة التأسيسية المنتخبة من الشعب الليبي انتخابا سرياً حراً مباشراً، كانت قد أقرّت مشروع الدستور يوم 29/ 7/ 2017 بمقرها بمدينة البيضاء من خلال التصويت العلني الحرّ المباشر وبموافقة (43 عضو) من كل المناطق والدوائر الانتخابية في البلاد. إن مشروع الدستور أصبح ملكاً خالصاً للشعب الليبي وله وحده قبوله أو رفضه من خلال الاستفتاء وقول كلمته سواء بالقبول أو الرفض.  في رأيي؛ علينا المحافظة على المسار التأسيسي الديمقراطي الذي رسمه الشعب الليبي لنفسه من خلال نصوص الإعلان الدستوري وانتخاب الهيئة التأسيسية. وعلينا انجاح هذا المسار من خلال تمكين الشعب من قول كلمته الفاصلة ووضع بصمته النهائية وهو صاحب الحق للقبول بمشروع الدستور أو رفضه. 

الحقيقة الثانية - آلية الاستفتاء وتشريعاته: من المعروف أن مجلس النواب الليبي بتاريخ 26/ 11/ 2018 أصدر التعديل الدستوري رقم (10) بتعديل الفقرة 12 من المادة 30 من الإعلان الدستوري بشأن الاستفتاء على مشروع الدستور، كما أصدر مجلس النواب القانون رقم (6) بتاريخ 27/ 11/ 2018 المعدّل بالقانون رقم (1) بتاريخ 29/ 1/ 2019 بشأن الاستفتاء على مشروع الدستور الليبي الدائم الذي أقرّته الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور يوم 29/ 7/ 2017، وقد تم تسليم قانون الاستفتاء في فبراير/2019 إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لاتخاذ التدابير اللازمة لإجراء عملية الاستفتاء. 

الحقيقة الثالثة - ترسيخ مبدأ (الشعب الليبي يصنع دستوره): إن الدستور ليس كتاباً مقدّساً، بل هو عمل اجتهادي إنساني، ومن المعلوم أن ليس هناك عملاً إنسانياً كاملاً،  فالكمال لله وحده عزّ وجلّ، وكل الدساتير في العالم إما تم الغاؤها واستبدالها بدساتير جديدة، أو تم تعديلها عشرات التعديلات. إن العامل الفيصل في نجاح الدستور من عدمه يكمن في مصدر صناعته. وبالمقارنة مع دساتير دول أخرى سواء القديمة أو الحديثة، يمكن الجزم بأن الشعب الليبي هو المصدر الفعلي لمشروع الدستور وذلك من خلال ترسيخ الهيئة التأسيسية منذ بداية عملها لمبدأ المشاركة العامة. وتتجلّى مظاهر مشاركة الشعب الليبي في صناعة دستوره من خلال ثلاث مراحل أساسية وهي: ( المرحلة الأولى: انتخاب الشعب للهيئة التأسيسية. المرحلة الثانية/ المشاركة العامة، وتعني مشاركة الشعب من خلال إجراء الملتقيات والندوات بين أعضاء الهيئة التأسيسية ومختلف شرائح وقطاعات وفئات الشعب، بمقرّ الهيئة وفي مختلف مدن وقرى البلاد وخارجها، والتي خلص عنها آلاف المذكرات والمقترحات المستلمة والموثّقة بأرشيف الهيئة التأسيسية. المرحلة الثالثة/ وهي مشاركة الشعب الليبي الفعلية بقول كلمته الفاصلة في مشروع الدستور من خلال الاستفتاء العام).  هذه المراحل الثلاثة ترسّخ لمبدأ أن الشعب الليبي يصنع دستوره فعليا.

الحقيقة الرابعة - مبدأ التوافق: مشروع الدستور عمل توافقي بين أعضاء منتخبين من الشعب الليبي بمختلف مناطقه وكافة أطيافه ومكوناته الاجتماعية والثقافية واللغوية. وقد توافق أكثر من 75% من إجمالي الأعضاء على مشروع الدستور ليطرح على الشعب للاستفتاء عليه، وهذه النسبة تجاوزت الواردة في الإعلان الدستوري وهي 66%، ورغم كل الظروف والصعاب، فإن الهيئة التأسيسية انجزت عملها وسلّمت الأمانة للشعب الليبي. 

إنّ مشروع الدستور هو حالياً مجرّد مشروع غير ملزم، وستظهر قيمته الحقيقية يوم الاستفتاء من خلال كلمة الفصل من الشعب الليبي إما القبول به ليكون دستورا نافذا وتتم المصادقة عليه، أو أن يرفضه الشعب وتعمل الهيئة على إجراءات تعديله في غضون مدة محددة من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء.

وتابع النعاس، استناداً إلى ما سبق توضيحه، يجدر الإشارة إلى النقاط الآتية: 

أولاً: إن رفض مشروع الدستور الذي أقرّته الهيئة التأسيسية المنتخبة من الشعب الليبي لا يكون من خلال وسائل الاعلام أو المنتديات، ولكن الرفض يصدر يوم الاستفتاء من الشعب الليبي ومن خلال صناديق الاقتراع .

ثانياً: لكل مواطن حق إبداء الرأي في كل مادة من مواد الـ(197)، وله حق النقد المسبّب، ولكن ليس من المنطق إن يصف أي مواطن مشروع الدستور الذي أقرّته هيئة منتخبة من الشعب الليبي بأنه مشروع لا يصلح للشعب الليبي، لأن الهيئة التأسيسية منتخبة من الشعب، ومن يملك حق تقييم عمل الهيئة هو الشعب الليبي نفسه الذي انتخبها وهو صاحب هذا الحق من خلال الاستفتاء(بنعم أو لا)، فالشعب وحده يملك حق رفض المشروع أو قبوله.

ثالثاً: هناك العديد من المواد التي في رأيي يتفق عليها جلّ إن لم يكن كل الليبيين والليبيات، ومنها مبادئ عامة تتمثّل في ضمان وحدة البلاد وعدم التفريط في أي جزء منها، والهوية الليبية الجامعة واللغة العربية لغة الدولة وضمانات دستورية لكل اللغات الليبية الأخرى، والاسلام دين الدولة، والتعدّدية السياسية والتداول السلمي على السلطة والفصل بين السلطان والتوازن والرقابة بينها. وضمان الحقوق والحريات العامة؛ كالمواد التي تخص الحقوق والحريات كالحق في الحياة الكريمة والصحة والتعليم والسكن والتنقل والتعبير، وحقوق المرأة والطفل وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمتقاعدين وكبار السن والأرامل والأيتام....وحقوق الليبيين بالخارج وحرية الصحافة والإعلام والمشاركة السياسية ومنظمات المجتمع المدني. وهناك مواد بشأن القضاء وحق أصل البراءة واحترام حقوق الانسان وكرامته، وإنشاء المحكمة الدستورية لضمان تقييد السطات العامة ، واستحداث الهيئات المستقلة لضمان الشفافية والمحاسبة والمتابعة ومكافحة الفساد. أيضا هناك مواد لتنظيم الحكم المحلي وفق اللامركزية الموسعة واستقلالية الوحدات الإدارية كالمحافظات والبلديات مالياً وإدارياً وإدارة شؤونها من خلال سلطات ومجالس منتخبة محلياً، وترسيخ مبدأي التدبير الحرّ والتفريع، وضمان التمويل للوحدات الإدارية من الخزانة العامة وأيضا تمويل ذاتي ومحلي بنص دستوري، وتوزيع كل المؤسسات والشركات والهيئات في مختلف مدن وقرى البلاد لضمان التنمية المستدامة وتحقيق العدالة الاجتماعية وانشاء مشاريع تنموية بديلة للثروات غير المتجددة بمناطق الانتاج لضمان الاستمرارية والتنمية والتعويض، وضمان حماية المال العالم وعدم خضوع الجرائم ذات العلاقة للتقادم، كما تم وضع آلية واضحة لإجراء أي تعديلات دستورية يتم الحاجة إليها مستقبلا. 

رابعاً: مشروع الدستور هو عبارة عن مشروع أنجزته الهيئة التأسيسية، وهو لا قيمة له كمشروع، ولكنه أصبح ملكية خالصة للشعب الليبي. من الواجب علينا جميعاً احترام إرادة الشعب الليبي وتمكينه من ممارسة حقه الدستوري، وتقرير مصيره من خلال الاستفتاء، وقول كلمته الفاصلة والنهائية سواء (بالقبول أو الرفض).

كما قال النعاس، "الخلاصة: في رأيي؛ يكون مشروع الدستور هو المبادرة الواضحة والمتكاملة لبناء دولة الدستور والقانون، وترسيخ مرحلة استقرار حقيقي وفق مؤسسات تشريعية وتنفيذية نابعة من صلب الدستور ونتيجة لانتخابات ديمقراطية حرة مباشرة وتأكيداً لمبدأ التداول السلمي على السلطة، وكل ذلك وفق نصوص دستورية واضحة.

الاستفتاء على مشروع الدستور هو الأصل، وهو حق دستوري للشعب يجب عدم حرمانه منه. كلمة الشعب الفاصلة هي الحكم والفصل للقبول بمشروع الدستور أو رفضه. وفي حال عدم امكانية إجراء الاستفتاء حاليا، يمكن تفعيل مشروع الدستور كدستور نافذ لمدة خمس سنوات وتجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية والمحلية وفق أحكامه، ويتم إجراء الاستفتاء مستقبلاً في ظلّ استقرار الدولة ووجود مؤسسات دستورية.

هذه المبادرة طرحتها مرات عديدة على مدى سنوات، وهي تؤسس لمرحلة انتقالية محكومة بالدستور الذي يحكم كل السلطات ويحدّد اختصاصاتها وآلية محاسبتها. ويعلم الله أني لا ريد بهذه المبادرة إلا مصلحة ليبيا والحفاظ على أرواح الليبيين والليبيات وضمان الحياة الحرّة الكريمة لأبناء الشعب داخل ليبيا وخارجها".