كشف عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور عمر النعاس، أن تفعيل القرار رقم 5 لسنة 2014 بانتخاب الرئيس يستوجب مجموعة من الخطوات منها إصدار مجلس النواب قانون انتخاب الرئيس وبأغلبية لا تقل عن 120 عضو، وإصدار تعديل دستوري جديد لإلغاء التعديل الدستوري الثامن الصادر في 6 أغسطس 2014 والذي بموجبه أحيلت اختصاص رئيس الدولة إلى مجلس النواب، مشيرا إلى أن التعديل الدستوري الجديد يتطلب موافقة أغلبية ( ثلثي أعضاء مجلس النواب).

وقال النعاس، -في ورقة تحليلية حول طرح الانتخابات دون قانون انتخابات، ودون قاعدة دستورية متينة متمثلة في الدستور الذي يصنعه الشعب- وخص بوابة أفريقيا الإخبارية بنسخة منها:  "أيهما أيسر.. المضي في المسار الديمقراطي والتأسيسي وإصدار قانون الاستفتاء بأغلبية الحاضرين؟ أم الدخول في متاهة جديدة تحت ذريعة الانتخابات".

وكتب النعاس في ورقته التحليلية "الاستفتاء حق أصيل للشعب الليبي في تقرير مصيره: إن الانتخابات العامة وفق أحكام الدستور تعني الخضوع لإرادة الشعب، وتحقيق المسار الديمقراطي والتأسيسي الذي ارتضاه الشعب الليبي لنفسه من خلال انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور والاستفتاء عليه، وانتخاب السلطات العامة وفقاً لأحكامه. إن النظم الدستورية المقارنة ترسّخ لفكرة حق الشعب الأصيل في الاستفتاء على تقرير مصيره، وهذا يتطلب آلية تنظيمية لعملية الاستفتاء من خلال قانون كاشف هو؛ "قانون الاستفتاء" وتصدره السلطة التشريعية القائمة.

إن مقترح السيد/ رئيس مجلس النواب خلال عقد المجلس جلسته يوم الاثنين 27 أغسطس 2018، وقوله؛ في حال لم يتم إصدار قانون الاستفتاء بأغلبية (120 عضواً) خلال الجلسة القادمة، سيتم تفعيل القرار رقم 5 لسنة 2014 بانتخاب رئيس الدولة، فإن هذا القول من السيد/ رئيس المجلس تحكمه نصوص دستورية صريحة وواضحة، واستعرضها كالآتي:

أولاً- التعديل الدستوري السابع الصادر في 11 مارس 2014 ((الفقرة (11)):

إن نص الفقرة (11) من التعديل الدستوري السابع ربط ربطا مباشراً بين العمل بمقترح فبراير كتعديل دستوري، وقيام مجلس النواب بحسم مسألة انتخاب رئيس الدولة ( بالطريق المباشر أو غير المباشر).

وجاء نص الفقرة (11) كالآتي: (يعمل بمقترح لجنة فبراير على أن يقوم مجلس النواب المنتخب بحسم مسألة انتخاب الرئيس المؤقت بنظام انتخاب مباشر أو غير مباشر خلال مدة لا تزيد عن خمسة وأربعين يوماً من عقد أول جلسة له".  وحسم مسألة انتخاب الرئيس المؤقت هو خطاب دستوري موجّه لمجلس النواب، ويحمّله التزاماً ووجوباً دستورياً بالشروع في انتخاب رئيس الدولة المؤقت خلال 45 يوماً من عقد أول جلسة له، وذلك حتى تنفصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية التي كانت مدمجة خلال فترة المجلس الوطني الانتقالي والمؤتمر الوطني العام، وأن يقوم الرئيس المؤقت المنتخب بممارسة اختصاصاته الواردة في المادة (34) من تعديل فبراير الدستوري.

وتنفيذاً للنص الوارد في الفقرة (11) من التعديل الدستوري السابع، أصدر مجلس النواب القرار رقم (5) بتاريخ 14 أغسطس 2014 بانتخاب رئيس الدولة المؤقت ونصه كالآتي: (المادة 1): " ينتخب رئيس الدولة المؤقت بطريق الاقتراع العام السري الحر المباشر وبالأغلبية المطلقة لأصوات المقترعين". (المادة 2): "يعمل بهذا القرار من تاريخ صدوره...".

التوضيح: هذا القرار أصدره مجلس النواب منذ أكثر من 4 سنوات ولم يتم تنفيذه، كما لم يصدر المجلس قانون انتخاب الرئيس المؤقت، لأن مجلس النواب استحوذ على سلطات رئيس الدولة تحت ذريعة التعديل الدستوري الثامن.

ثانياً- تعديل فبراير الدستوري الصادر في 11 مارس 2014 استناداً إلى الفقرة (11) من التعديل الدستوري السابع: 

المادة 9: (تنص على أن النصاب هو الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، وتصدر القرارات بأغلبية الحاضرين).

التوضيح: كل القوانين بما في ذلك قانون الاستفتاء تصدر بأغلبية الحاضرين، باستثناء المطلوب فيها أغلبية موصوفة.

 (المادة 39): " يشترط في من يترشح لرئاسة الدولة ما يلي: ( 1/ أن يكن ليبيا مسلما من أبوين ليبيين مسلمين. 2/ ألا يكون حاملا لجنسية دولة أخرى. 3/ ألا يكون متزوجا من غير ليبية. 4/ ألا يقل عمره يوم الترشح عن أربعين سنة ميلادية. 5/ أن يقدّم إقراراً بممتلكاته الثابتة والمنقولة داخل ليبيا وخارجها وزوجه وأولاده القصر.  6/ أن تتم تزكية المترشح من عدد لا يقل عن خمسة آلاف مواطن وفقاً للقانون.   7/ أية شروط أخرى ينص عليها القانون".

التوضيح بخصوص المادة (39) التي أوجبت صدور قانون لبيان شروط انتخاب الرئيس:

الفقرة (6) تنص على وجوب أن تتم التزكية من خمسة آلاف مواطن وفقاً للقانون، وهو قانون انتخاب الرئيس المؤقت.

وبحكم أنه قانون انتخابات، فهو يخضع للحكم الوارد في الفقرة (6) من التعديل الدستوري السابع وهو صدور التشريعات بأغلبية 120 عضواً. أي أن قانون انتخاب الرئيس يجب أن يصدر بأغلبية لا تقل عن 120 عضواً من أعضاء المجلس.

الواجب إصداره من مجلس النواب بأغلبية لا تقل عن (120 عضوا).

الفقرة (7) تنص على وجود شروط أخرى ينص عليها القانون، وهذا يعني وجوب صدور قانون لانتخاب رئيس الدولة المؤقت يتضمن أي شروط أخرى. وهذا القانون الذي يجب على مجلس النواب إصداره، وبحكم أنه قانون انتخابات، فهو يخضع للحكم الوارد في الفقرة (6) من التعديل الدستوري السابع وهو صدور التشريعات بأغلبية 120 عضواً.

أي أن قانون انتخاب الرئيس يجب أن يصدر بأغلبية لا تقل عن 120 عضواً من أعضاء مجلس النواب.

المادة (34):  " يتولى رئيس الدولة الاختصاصات التالية: 1/ تمثيل الدولة في علاقاتها الخارجية. 2/ اختيار رئيس الوزراء وتكليفه بتشكيل حكومته. 3/ القيام بمهام القائد الأعلى للجيش الليبي. 4/ تعيين وإقالة رئيس جهاز المخابرات العامة بعد موافقة مجلس النواب. 5/ تعيين السفراء وممثلي ليبيا لدى المنظمات الدولية بناء على اقتراح من وزير الخارجية. 6/ تعيين كبار الموظفين وإعفائهم من مهامهم بعد التشاور ومع رئيس الحكمة. 7/ اعتماد ممثلي الدول والهيئات الأجنبية لدى ليبيا. 8/ إصدار القوانين الي يقرها مجلس النواب. 9/ عقد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية على أن تتم المصادقة عليها من مجلس النواب. 10/ إعلان حالة الطوارئ والحرب والسلم واتخاذ التدابير الاستثنائية بعد موافقة مجلس الدفاع والأمن القومي، على أن يعرض الأمر على مجلس النواب لاعتماده في مدة لا تتجاوز عشرة أيام. 11/ ترؤس اجتماعات مجلس الوزراء عند حضور جلساته. 12/ إعفاء رئيس الحكومة من مهامه بعد التشاور مع رئيس مجلس النواب، وإعفاء الوزراء بعد التشاور مع رئيس الحكومة. 13/ أي اختصاصات ينص عليها الإعلان الدستوري والقانون ".

التوضيح بخصوص المادة (34) التي تضمنت اختصاصات الرئيس:

تضمنت هذه المادة (13 اختصاصَ) لرئيس الدولة. ومن ضمنها الفقرة (13) التي تنص على أي اختصاصات أخرى ينص عليها الإعلان الدستوري (والقانون).   ويقصد بالقانون "قانون انتخاب الرئيس".

وبحكم أنه قانون انتخابات، فهو يخضع للحكم الوارد في الفقرة (6) من التعديل الدستوري السابع وهو صدور التشريعات بأغلبية 120 عضواً. أي أن قانون انتخاب الرئيس يجب أن يصدر بأغلبية لا تقل عن 120 عضواً من أعضاء المجلس.

ثالثاً- التعديل الدستوري الثامن بتاريخ  6 أغسطس 2014:

أصدر مجلس النواب التعديل الدستوري الثامن والذي بموجبه تم إضافة فقرة جديدة إلى المادة (34) من تعديل فبراير الدستوري تتضمن "ممارسة مجلس النواب المؤقت لاختصاصات رئيس الدولة المؤقت الواردة في المادة (34)".

وجاء في النص جواز تفويض مجلس النواب لهذه الاختصاصات أو كلها "لمكتب رئاسة المجلس".

وقد أصدر مجلس النواب قراره رقم (20) الصادر بتاريخ 19 سبتمبر 2014م بتفويض مكتب الرئاسة باختصاصات:

وجاء في المادة (1): ( يفوض مكتب رئاسة مجلس النواب في ممارسة اختصاصات مهام القائد الأعلى للجيش الليبي المنصوص عليها بالتشريعات النافذة).

ومن الواضح أن القرار فوّض "مكتب رئاسة مجلس النواب والمتكوّن من رئيس المجلس ونائبيه"، وقد انفرد السيد/ رئيس مجلس النواب وحده بممارسة هذه الاختصاصات الواردة بالفقرة (3) وهي القيام بمهام القائد الأعلى للجيش الليبي.

ومن المعلوم أن التفويض من سلطة لأخرى يكون بنص دستوري صريح وواضح، ولا يكون التفويض بقرار.

وقد أرست المحكمة العليا الليبية في شأن تفويض السلطات "مبدأ دستوري هام وحاسم جاء فيه":

((...وأن التفويض غير جائز من سلطة عامة دستورية إلى أخرى الا بنص صريح في الدستور ذاته كما هو الحال في المادتين 64 و70 اللتين تجيزان للسلطة التنفيذية حق التشريع في حالات استثنائية).

((حكم المحكمة العليا الليبية  في الطعن الدستوري رقم 49 / ق2   جلسة بتاريخ 07/ 12/  1955 -  الباحث))

وإن كان مجلس النواب قد أصدر التعديل الدستوري الثامن كي تجتمع السلطتان التشريعية والتنفيذية في يده، وهذه هي  بداية الانفراد بالسلطة (الدكتاتورية) التي كانت قائمة خلال فترة المؤتمر الوطني المنتهي، إلا أن تفويض السلطة التشريعية (مجلس النواب) لـ(مكتب رئاسة مجلس النواب) بممارسة اختصاصات مهام القائد الأعلى لا يكون جائزا إلا بنص دستوري صريح، لأن هذا التفويض يتعلق بمهام سلطة عامة دستورية (رئيس الدولة) إلى (مكتب رئاسة المجلس) وهو ليس سلطة عامة دستورية "حيث أن السلطة العامة الدستورية هي مجلس النواب وليس مكتب رئاسة المجلس".

هذه المهام هي حصرية برئيس الدولة، وليست مهام دستورية أصيلة لمجلس النواب، بل حازها بموجب التعديل الثامن.

وفي كل الأحوال، لم يمارس مكتب الرئاسة هذه الاختصاصات بل أصبح رئيس المجلس وحده هو الذي يمارسها،  ولا يجوز لمكتب الرئاسة تفويض الاختصاصات المفوضة له لرئيس المجلس، فهو أولاً: لا يملك حق التفويض وفقاً لنص المادة(12) من لائحة النظام الداخلي للمجلس، وثانياً: لم يصدر أي قرار من مكتب رئاسة المجلس بهذا الخصوص.

رابعاً - قانون الاستفتاء على مشروع الدستور والنصاب والأغلبية:

حيث أن مجلس النواب هو السلطة التشريعية القائمة، كان يتوجب عليه دستورياً اصدار قانون الاستفتاء تنفيذا وتفعيلا للنص الدستوري الذي يتضمن الضوابط الدستورية لعملية الاستفتاء على مشروع الدستور. وهذه الضوابط الدستورية هي ( التصويت بــ(نعم أو لا ) ، وبأغلبية ثلثي المقترعين، وفي حال رفض الشعب للمشروع يعاد إلى الهيئة لإعادة صياغته وطرحه للاستفتاء خلال 30 يوماً). وكل ذلك لأن قانون الاستفتاء هو قانون كاشف وليس منشئ، ولأن الاستفتاء هو حق أصيل للشعب وليس منحة من أحد، والاستفتاءات هي من الحقوق الأساسية التي يملكها الشعب والمتعلقة بتقرير المصير.

طوال أشهر، وفي جلسات معدودة، لم يقم مجلس النواب بإصدار قانون الاستفتاء ربما لتعارض مصالح شخصية مع مشروع الدستور، وربما لمحاولة البعض البقاء أطول مدة ممكنة خلال مرحلة الفوضى والتسيب، أو لمحاولة بعض النواب تقييم "مشروع الدستور الذي أقرّته الهيئة التأسيسية بتاريخ 29/ 7/ 2017م)" والذي أصبح ملكية خالصة للشعب الليبي، وليطرح للاستفتاء عليه ويقول فيه كلمته الفاصلة ويبصم بصمته النهائية إما بقبوله أو رفضه.  ومن المعلوم أن الهيئة التأسيسية هي منتخبة من الشعب الليبي في كل أنحاء ليبيا لصياغة وإقرار مشروع الدستور الليبي الدائم، وقد أقرت الهيئة التأسيسية مشروع الدستور يوم 29/ 7/ 2017م بمقرها بمدينة البيضاء وبأغلبية دستورية معززة وتجاوزت الأغلبية المطلوبة في الإعلان الدستوري، وأصبح هذا المشروع ملكية خالصة للشعب الليبي ليقبله أو يرفضه في الاستفتاء.

ما أسفرت عنه الجلسة الأخيرة لمجلس النواب يوم 27 / 8/ 2018م، وغياب معظم الأعضاء، هو تعطيل للمسار الدستوري والتأسيسي الذي ارتضاه الشعب الليبي لنفسه والوارد في الإعلان الدستوري وتعديلاته. وبالرغم من مطالبة أحد النواب بضرورة إسكات أعضاء الهيئة التأسيسية ومنعهم من الظهور الإعلامي والذي هو بمثابة مخالفة دستورية صريحة "لمبدأي حرية الرأي والتعبير" الواردين في المادتين (7 و 14) من الإعلان الدستوري المؤقت الصادر عن المجلس الانتقالي في 3 أغسطس 2011م، إلا أن ما قاله السيد/ رئيس المجلس يمثّل مخالفة جسيمة للإعلان الدستوري وتعديلاته من خلال تصريحه أنه في حال عدم الحصول على أغلبية (120 عضوا) لإقرار قانون الاستفتاء سيتم تفعيل القرار رقم (5) لسنة 2014، بانتخاب الرئيس المؤقت للدولة ومخاطبة المفوضية باتخاذ الإجراءات للسير في انتخابات رئاسية...!!

كما أن تصريح السيد/ رئيس المجلس يتعارض مع اختصاصاته الواردة في المادة (13) من النظام الداخلي للمجلس ونصها: ( المادة 13 / فقرة 3: مراعاة مطابقة أعمال المجلس لأحكام الإعلان الدستوري وتعديلاته).

السؤال:  هل ستجرى انتخابات رئاسية دن قانون ينظّمها؟  أم هل ستصدر المفوضية الوطنية قانون الانتخاب؟

خلاصة توضيحية لتأكيد أن الاستفتاء هو أقصر السبل وأيسرها:

من الواضح أن مجلس النواب يصدر التعديلات الدستورية والقوانين والقرارات ويضعها في أدراج النسيان.

أولاً: اصدر القرار ر قم (5) لسنة 2014 بتاريخ 14 أغسطس 2014 بانتخاب رئيس الدولة المؤقت انتخابا مباشرا... ونسي المجلس هذا القرار طوال 4 سنوات.

ثانياً- اصدر مجلس النواب التعديل الدستوري الثامن بتاريخ 6 أغسطس 2014، قبل صدور القرار رقم (5) بانتخاب الرئيس انتخابا مباشراً، وهذا يعني أن نية انتخاب الرئيس لم تكن متوفرة أصلا عند المجلس، لأن صدور الإعلان الدستوري بمنح اختصاصات الرئيس للمجلس يتطلب صدور إعلان ستوري جديد لإعادة هذه الاختصاصات للرئيس المؤقت، إضافة إلى ذلك وإن كان التحجج بصعوبة الانتخاب المباشر نظراً لظروف البلاد حينها، كان على المجلس - في حال كانت نية انتخاب الرئيس متوفرة- أن يقوم بتعديل القرار رقم (5) لانتخاب الرئيس انتخابا غير مباشر ويقوم الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية كما ورد في تعديل فبراير الدستوري الذي أفرد ( لرئيس الدولة أكثر من 12 مادة).

ثالثاً- القول باللجوء إلى انتخابات رئاسية بناء على القرار رقم (5) لسنة 2014:  

صرح السيد/ رئيس مجلس النواب بهذا القول، كما يدعو له بعض "الأكاديميين والقانونيين والسياسيين"، والحقيقة أن هذا القول يفتقر إلى الأسس والثوابت الدستورية والقانونية الواردة في الإعلان الدستوري وتعديلاته.

وإذ أبين بكل جلاء ووضوح القصور الكلّي في اللجوء لانتخابات رئاسية لتعارضها أولاً مع مبدأ الديمقراطية الحقيقية والتي تستوجب وجود قاعدة دستورية متينة صادرة من الشعب تكون حاكمة للسلطات المنتخبة، وثانياً لوجوب إصدار قانون منظم للانتخابات الرئاسية من مجلس النواب وبأغلبية لا تقل عن 120 عضواً،  وذلك استناداً للنصوص الدستورية الآتية:

الفقرة (6) من المادة (39) من تعديل فبراير الدستوري تنص على وجوب أن تتم التزكية من 5000 مواطن وفقاً للقانون، أي قانون انتخاب الرئيس، الواجب صدوره من مجلس النواب بأغلبية لا تقل عن 120 عضواً.

الفقرة (7) من المادة (39) من تعديل فبراير الدستوري تقرّر وجوب صدور قانون انتخاب رئيس الدولة ليتضمن أي شروط قانونية في المترشّح للرئاسة إضافة إلى الشروط الدستورية الواردة في المادة (39) من تعديل فبراير الدستوري.

وهذا يعني وجوب إصدار قانون من مجلس النواب ينظّم عملية انتخاب الرئيس المؤقت لتستند إليه المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وليتضمن لأي شروط إضافية. وبحكم أنه "قانون انتخاب الرئيس" فإنه يخضع لنص الفقرة (6) من التعديل الدستوري السابع بوجوب صدوره (بأغلبية لا تقل عن 120 عضوا)، حيث أن موضوع الانتخابات هو من المواضيع الحصرية التي شملتها الفقرة (6/ ز) من التعديل الدستوري السابع، ونصها: ((... تصدر التشريعات عن المؤتمر الوطني العام بأغلبية مائة وعشرين عضوا على الأقل في الموضوعات الآتية: أ/...ب/... ج/... د/... هـ/... و/.... ز/ التشريعات المنظمة لشؤون الإدارة المحلية والانتخابات العامة....)).

الفقرة (13) من المادة (34) من تعديل فبراير الدستوري تقرر وجود اختصاصات أخرى قد ينص عليها الإعلان الدستوري والقانون، والقانون المعني هو قانون انتخاب الرئيس وهو الواجب إصداره من مجلس النواب بأغلبية لا تقل عن ( 120 عضوا)، حيث تنص الفقرة (13) على "أي اختصاصات ينص عليها الإعلان الدستوري والقانون ".

ملاحظة مهمة: ( لممارسة الرئيس المؤقت اختصاصاته الواردة في المادة (34) من تعديل فبراير الدستوري يجب أيضاً إصدار "تعديل دستوري جديد بإلغاء التعديل الثامن" الذي بموجبه أحيلت اختصاصات الرئيس لمجلس النواب)، وهذا التعديل الدستوري الجديد يجب إصداره من مجلس النواب بموافقة أغلبية لا تقل عن ثلثي أعضائه.

إن ما أؤكده، هو أن أيسر السبل هو وجوب الرضوخ لإرادة الشعب الليبي، وعلى مجلس النواب إصدار قانون الاستفتاء لتمكين الشعب الليبي من ممارسة حقه الدستوري وتقرير مصيره من خلال الاستفتاء على مشروع الدستور وقول كلمته الفاصلة ووضع بصمته النهائية إما بقبول مشروع الدستور ليكون دستورا نافذا أو برفضه.

إن المسار التأسيسي هو الآلية الديمقراطية الحقيقية، وهي ترسيخ لمشاركة الشعب الليبي في تقرير مصيره وإدارة شؤون بلاده من خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية والمحلية وفق أحكام الدستور الذي يصنعه الشعب.

وقد نصت المادة (183) في مشروع الدستور على أن "تجرى انتخابات أول رئيس جمهورية ومجلسي النواب والشيوخ (خلال 8 أشهر) من تاريخ اصدار قوانين الانتخابات". وهذا يعني خلال فترة لا تتعدى ثمانية (8) أشهر كحد أقصى، وبكل تأكيد يجوز إجراء الانتخابات في أي وقت خلال هذه الفترة اعتباراً من تاريخ إقرار قوانين الانتخابات العامة.

حقائق وتوصيات ختامية لترسيخ مبدأ الشعب الليبي يصنع دستوره ويقرّر مصيره:

1/ إن أفضل وأسرع طريق لبناء دولة القانون هو المضي قدما في المسار الديمقراطي التأسيسي والدستوري.

2/  ليس هناك في الأنظمة الدستورية المقارنة أي تجارب سابقة حول إقرار الاستفتاء بأغلبية ثلثي المقترعين، وبشكل قاطع لا تكون نتائج الاستفتاءات بأغلبية الناخبين المسجلين، ولكن " بأغلبية الأصوات الصحيحة للمقترعين".

3/ قانون الاستفتاء هو قانون كاشف وليس منشئ، لأن ضوابط الاستفتاء واردة بنصوص دستورية واضحة.

4/ مشروع الدستور ذاته هو مشروع وسطي ويضمن التوازن ويكفل الحقوق لكل المواطنين والمناطق ويضمن الحريات.

5/ قانون الاستفتاء لم يرد في الفقرة (6) من التعديل الدستوري السابع ضمن المواضيع التي منها قوانين الانتخابات والتي تستوجب موافقة أغلبية لا تقل عن (120 عضواً)، بل أن موضوع قانون الاستفتاء تحكمه الفقرة (9) من ذات التعديل وهي أغلبية الحاضرين، وهذا ما أقرّته المادة (9) من "تعديل فبراير الدستوري" الذي أوجد مجلس النواب ويحكمه.

6/ إن ما يقوم به مجلس النواب هو استحواذ غير دستوري على كل السلطات بالرغم من مخالفته للنصوص الدستورية العديدة ومنها تمديده لنفسه بإصداره التعديل الدستوري التاسع يوم 6 أكتوبر 2015 في حين كان النص الدستوري الوارد في المادة (5) من تعديل فبراير يوجب طرح موضوع التمديد للاستفتاء، وأيضاً عدم انتخاب رئيس الدولة في حينه...

ويلاحظ السلطات الهائلة التي منحها مجلس النواب لنفسه دون أي سند دستوري وهذه السلطات هي ممارسته ( أولاً- مهام السلطة التأسيسية بإصدار التعديلات الدستورية والتي قد تعني امكانية بقاء مجلس النواب إلى  الأبد، ثانياً- مهام السلطة التشريعية ، ثالثاً- مهام السلطة التنفيذية والتي استحوذ عليها بإصداره التعديل الدستوري الثامن يوم  6 أغسطس 2014).

7/ أهيب بمجلس النواب أن يسارع بإصدار قانون الاستفتاء لتمكين الشعب الليبي من ممارسة حقه الدستوري وتقرير مصيره من خلال الاستفتاء على مشروع الدستور وقول كلمته الفاصلة ووضع بصمته النهائية بالقبول أو الرفض.