تنوعت مظاهر الاحتفال بذكرى المولد النبوي في المحافظات المصرية، بين مواكب صوفية، وانتظارا لشمس "ترقص" فرحا بمولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، إلى استخدام الألعاب النارية والرقص بالاسلحة البيضاء، ابتهاجا بـ"المولد" في المنيا (وسط).

ورصد مراسلو الأناضول مظاهر الاحتفال في أربع محافظات مصرية، حرص فيها أغلب المصريين على إحياء ذكري المولد النبوي (12 ربيع الأول) التي توافق اليوم السبت، وتمثل امتدادا تاريخيا للاحتفال بميلاد النبي منذ عهد الدولة الفاطمية في مصر (من 973 إلى 1171 م).

الطابع العام الذي يسود الاحتفالات في مصر هو خليط من إقامة حلقات الذكر وتسيير المواكب الصوفية وتنظيم المهرجانات الاحتفالية، غير أن بعض المحافظات المصرية تفردت بطقوس خاصة بها، ولم تكن السياسة بعيدة تماما عن بعض مظاهر الاحتفال.

في العاصمة القاهرة، حيث مقر المشيخة العامة للطرق الصوفية، شاهد مراسل الأناضول انطلاق موكب صوفي من مسجد سيدي صالح الجعفري في وسط القاهرة عقب صلاة العصر، متجها نحو ميدان الحسين (وسط)، حيث سيحتشد هناك الآلاف لترديد قصائد مديح في حب الرسول.

ورغم الطابع الديني للمناسبة، إلا أن الحالة السياسية التي تعيشها مصر، تركت أثرها على الاحتفالات.

وقال عبد الهادى القصبى، رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، في بيان له اليوم، إن أبناء الطرق الصوفية المشاركين في الاحتفالات سيرفعون لافتات باللغة الإنجليزية لمخاطبة العالم برفض التدخل الغربى فى الشئون الداخلية، وللتأكيد على الاستقرار الذى تعيشه مصر الآن بعد تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى.

ومن المشاهد التي تتكرر في أغلب المحافظات المصرية مواكب الاحتفال أو ما يعرف بـ"دورة المولد"، التي يخرج فيها المحتفلين في حشود مرددين الأهازيج والمدائح، غير أن هناك بعض المحافظات تضيف إلى هذا المشهد، طابعا خاصا بها.

ففي أقصى الجنوب في محافظة الأقصر، استيقظ الأهالي فجرا، لانتظار شروق الشمس فوق أسطح منازلهم، اعتقادا منهم أنها " ترقص" في أول دقائق من ظهورها، فرحا بمولد النبي (صلي الله عليه وسلم).

وتزامن مع ذلك، مشهد "دورة المولد" التى امتدت لنحو 4 كيلو مترات بالقرب من معبد الكرنك الفرعونى، فى طقوس شعبية ودينية ارتبطت بالمنطقة منذ مئات السنين .

واصطف الألاف من أهالي الأقصر لمشاهدة "دورة المولد" حيث يتنافس شباب العائلات والقبائل وأبناء المنطقة الواحدة فى ظهور موكبهم بأفضل صوره ويقومون بتزيين السيارات الكبيرة بالزينات ويحملون عليها مكبرات صوت تبث الأغاني النوبية والمدائح النبوية.

وتستعين بعض العائلات بمغنيين يتفردون بأناشيد المديح والذكر، يجلسون في المواكب برفقة فرقهم التي تعزف الموسيقى التراثية أعلى السيارات ويقدمون أغانيهم التي يعدونها خصيصا لهذا اليوم، ويقوم الأهالي بألقاء حلوى المولد من النوافذ وأعلى الأسطح لتحية المحتفلين بالمولد.

ومن "رقص الشمس" احتفالا بالمناسبة في الأقصر، تتفرد قرية بمحافظة المنيا "وسط" بالرقص بالأسلحة البيضاء والنارية.

ويدخل شباب وأهالي قرية الزهرة بمحافظة المنيا في وصلات راقصة في هذا اليوم حاملين الأسلحة البيضاء والنارية، في مظهر يبدو غريبا على روح المناسبة الدينية.

وفي خلط آخر بين الطابع الديني للمناسبة والسياسة، حملت الخيول والجمال المشاركة في الاحتفالات بمحافظة البحر الأحمر (جنوب)، وهي من المحافظات الساحلية الحدودية، لافتات تمدح الرسول الكريم، وتنتقد التوجه نحو تقسيم المحافظة، ضمن إجراءات ترسيم المحافظات التي أعلنت عنها الحكومة.

ورصد مراسل الأناضول، انطلاق ما يعرف بـ "دورة المولد" في شوارع المحافظة، وهي عبارة عن مسيرات ضخمة تطوف شوارع المدن الرئيسية، يتقدمهم رموز الطرق الصوفية الذين يمتطون الخيول والجمال داخل ما يعرف باسم "الهودج" وهو حجرة صغيرة موجودة على ظهر الإبل وتكون عادة مغطاة بأقمشة مزركشة بألوان زاهية.

ووضعت على أحد جوانب الهودج عبارات مدح الرسول، وعلى الجانب الآخر شعار " لا لتقسيم البحر الأحمر".

ووفقا للترسيم الجديد للمحافظات، الذي تعمل عليه الحكومة، سيتم توزيع غالبية مساحة محافظة البحر الأحمر على سبع محافظات متجاورة في الصعيد المصري، لتصبح محافظة البحر الأحمر، مقتصرة على المنطقة المحيطة بمدينة الغردقة مركز المحافظة، على أن تمتد محافظات الصعيد أفقيًا من الصحراء الغربية إلى البحر الأحمر شرقا.

هذه المظاهر التي قد يبدو بعضها غريبا عن طبيعة المناسبة، يتمسك المصريون بالصورة العامة للاحتفال، التي رصدها المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في تأريخه للحملة الفرنسية على مصر (من 1798م إلى 1801).

ويقول الجبرتي إن المصريين أجبروا الاستعمار الفرنسي على مشاركتهم الاحتفال؛ حيث استشعر نابليون بونابرت أن من أهم أبواب الدخول إلى قلب هذا الشعب الاحتفال معهم بمثل هذه المناسبة .

وذكر أن بونابرت أرسل أموالا للاحتفال قدرها 300 ريال فرنسي إلى منزل الشيخ البكرى (نقيب الأشراف فى مصر) فى حى الأزبكية، وأرسلت الطبول الضخمة والقناديل، وفى الليل أقيمت الألعاب النارية احتفالاً بالمولد، وعاود نابليون الاحتفال به في العام التالي، وذلك من أجل استمالة قلوب المصريين إلى الحملة الفرنسية وقادتها.