منذ أشهر،عادت التوترات الأمنية جنوب ليبيا بعد فترة سادت فيها حالة من الهدوء، وانتشرت قوات وعناصر أجنبية تقاتل من أجل السيطرة على أهم النقاط الاستراتيجية ومنافذ التهريب، فالصراع المعقد في هذه المنطقة لا ينحصر بين الليبيين فقط، وإنما تداخلت فيه الفصائل الإفريقية المعارضة وتشابكت فيه خريطة التحالفات، فتحوّل إلى حلبة حروب أهلية واقتتال قبلي.

ووسط هذا الخليط تبرز ميليشيات المعارضة التشادية،كإحدى أكثر الجماعات المسلحة حضورا في مناطق الجنوب الليبي،حيث باتت تشكل خطرًا حقيقيًا، لا سيما في ظلّ استغلال عناصر عصابات تهريب البشر للوضع في تنشيط وتوسيع شبكات تحركاتهم، علاوة على الارتباط المصلحي لهذه المجموعات، مع التنظيمات الإرهابية التي تسعى منذ سنوات إلى إقامة "إمارة إسلامية" في المنطقة، وفق مراقبين.

وفي مؤشر جديد على جدية الخطر الذي تمثله،شنت جماعة مسلحة تشادية،فجر الجمعة،هجوما على منطقة القطرون، جنوب غرب ليبيا.وقالت تقارير إعلامية، إن الهجوم جاء على منطقة كري35، جنوبي القطرون، حيث التنقيب عن الذهب.وأسفر الهجوم عن سقوط عدد من القتلى والجرحى.

ويأتي هذا بعد يوم واحد من هجوم شنه مسلحون تشاديون،على معسكر اللواء العاشر التابع للقيادة العامة للجيش الليبي في منطقة تراغن جنوب ليبيا.وذكرت وكالة الأنباء الليبية التابعة للحكومة المؤقتة شرق البلاد، أن الهجوم أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من طرف عناصر اللواء إضافة إلى اختطاف آخرين.

ويشتكي سكان منطقة الجنوب الليبي من تواجد مكثف للعصابات المسلحة التابعة للمعارضة التشادية، التي تسيطر على أهم المسالك الصحراوية وطرق التهريب، كما تمارس الخطف مقابل الفدية.وتهدف تلك الجماعات، إلى جمع الأموال والأسلحة لاستخدامها ضد نظام الرئيس التشادي إدريس ديبي.

وكانت المعارضة التشادية شنّت في وقت سابق من شهر أغسطس الماضي، هجمات على معسكر للجيش التشادي "معسكر60الحدودي، وقالت وسائل إعلام محلية هناك إن إرهابيي المعارضة استخدموا الأراضي الليبية لتنفيذ هجماتهم.

وتدخل المعارض التشادية في تحالفات عدة مع الميليشيات المتسارعة في الغرب والجنوب الليبي، وكذلك مع الجماعات والتنظيمات الإرهابية ضد قوات الجيش والشرطة لقاء بقائها داخل الحدود والمدن الجنوبية التي اتخذت منها قواعد انطلاق لتنفيذ عملياتها ضد الجيش في الجنوب من جهة وضد قوات الجمهورية التشادية من جهة أخرى.

وسبق أن اعترفت المعارضة التشادية بوجود قوات لها تقاتل في جنوب ليبيا، ضمن قوات "سرايا الدفاع عن بنغازي" الإرهابي.وكذلك مع ميليشيات الليبي "إبراهيم جضران" المتحالف أساسا مع تنظيم "القاعدة" والتابع لها سابقا، كما لها تحالفات مع مليشيات طرابلس وخاصة ميليشيات جماعة الإخوان.

وأحبط الجيش الليبي،الثلاثاء الماضي، محاولة جديدة للهجوم على منطقة الهلال النفطي من قبل الجماعات الإرهابية والتي كانت متمركزة في قلعة السدادة (80 كلم) جنوب شرق مدينة بني وليد غرب ليبيا.وكان الجيش نجح في انتزاع الموانئ النفطية من سيطرة الجضران في سبتمبر 2016 في خطوة عزز بها نفوذه ليفرض نفسه كرقم صعب في المعادلة الليبية.

ومع تغلغل هذه الميليشيات في ليبيا،يتحرك الجيش الليبي من جانبه في محاولة لمواجهة الخطر المحدق بالبلاد،فعملياته العسكرية الواسعة جنوبي ليبيا متواصلة منذ أشهر حيث يدفع بين الحين والآخر بتعزيزات للمنطقة.

وكان الناطق الرسمي باسم القوات الخاصة "الصاعقة" العقيد ميلاد الزوي،كشف الأحد الماضي، أن قواته كلفت بالتوجه إلى مدينة سبها في الجنوب الليبي لمواجهة مجموعات المسلحة والإرهابيين وقطاع الطرق المنتشرين على الحدود الجنوبية المفتوحة على دول تشاد والنيجر ومالي.

وأضاف في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أن "القيادة العامة للجيش الليبي قد أصدرت تعليمات بخصوص تكليفنا في الجنوب الغربي، تحديدا مدينة سبها، وحاليا نحن في طور التجهيز وننتظر التجهيزات من القيادة العامة للانتقال إلى المرحلة الثانية وهي مدينة سبها في الجنوب الليبي".مؤكدا أن "الحدود الجنوبية مفتوحة على دول تشاد والنيجر ومالي وعادة تدخل من هذه الحدود مجموعات مسلحة وإرهابيين وقطاع الطرق وما شابه ذلك من الإجرام".

ونجح الجيش الليبي منتصف العام الماضي في انتزاع عدة مواقع من قوات محسوبة على الجماعات الإسلامية في الجنوب، من بينها القوة الثالثة وما يعرف بـ"سرايا الدفاع عن بنغازي" التي تستخدم المقاتلين التشاديين في هجماتها ضد الجيش.ومن بين تلك المواقع ثلاث قواعد عسكرية: الجفرة وتمنهنت وبراك الشاطئ. وقطعت سيطرة الجيش على تلك القواعد الدعم الذي كانت تتلقاه تلك الجماعات من قوات موالية في الغرب وأيضا من أطراف خارجية.

ويرى مراقبون،أن محاولات الجيش الليبي لتأمين مناطق الجنوب الليبي،مازالت إحدى أصعب التحديات التي يواجهها،وذلك في ظل  استمرار التهديدات في محيط الموانئ النفطية بالإضافة إلى عدم انتهاء المعارك في مدينة درنة رغم الإعلان عن تحريرها من قبضة الجماعات الإرهابية في يوليو الماضي،ناهيك عن تواصل حظر السلاح المفروض على ليبيا ونقص الإمكانيات وسط صمت دولي على جرائم المليشيات الأجنبية.