يمثل المشهد الأمني في ليبيا أهم الرهانات ويعتبر الملف أكثر الملفات تعقيدا، أطلق بسببه الفاعلون في المشهد الليبي جملة من التحذيرات حول تنامي خطر تنظيم «داعش» الإرهابي وعودته بقوة إلى ليبيا حيث أكد بأن هناك معلومات حول تواجد عدد من الأشخاص المعروفين بعلاقاتهم بالحركات الإرهابية من تنظيمى «داعش» و«القاعدة»، إضافة إلى وجود كميات من السلاح تسمح بإمكانية العودة إلى القتال.

جاءت هذه التحذيرات في وقت تمكنت فيه القوات المسلحة الليبية، من إلقاء القبض على الإرهابي المصري هشام عشماوي، فجر يوم الاثنين، خلال عملية عسكرية، بمدينة درنة.

إنجاز عسكري

كشف المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، العميد أحمد المسماري،  بدء التحقيقات مع الإرهابي المدعو هشام العشماوي، من قبل إدارة الاستخبارات العسكرية والشرطة العسكرية لمعرفة ما يخبئه الصندوق الأسود لطائرة الإرهاب في ليبيا. وأوضح المسماري، بأن هذه العملية تعد إنجازًا عسكريًا عظيمًا للقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية.

وقال في تصريحات صحفية إن القبض على عشماوي تم في عملية عسكرية أمنية محكمة نفذت الساعة الرابعة من فجر الإثنين دون وقوع أية إصابات، مضيفًا  إن الإرهابي العشماوي كان يرتدي حزاما ناسفا وبرفقة شخصين آخرين، إلا أن عنصر المفاجأة حال دون أن يفجر الحزام الناسف، واستطاعت أفراد القوات المسلحة من القبض عليه دون إصابات حتى يتم الاستفادة من المعلومات التي سنتحصل عليها عقب التحقيق معه.

يشار إلى أن عملية القبض على هشام العشماوي التي نفذها اللواء 106 مجحفل تم خلالها القبض على الإرهابي المصري بهاء علي، والإرهابي الليبي مرعي عبدالفتاح خليل زغبية، وزوجة الإرهابي المصري محمد رفاعي سرور. وبحسب مصادر بالمخابرات والأمن في مصر، فإن جماعة عشماوي كثفت حملتها لتجنيد ضباط سابقين في السنوات القليلة الماضية، معتبرة إياها الأكثر خطورة من بين المتشددين الذين ينشطون في شبه جزيرة سيناء.

ويعتبر متابعون للشأن الأمني أن هذه النجاح العسكري يكشف تمكّن الجيش الليبي من آليات تفكيك الخلايا الإرهابية و أن هذه الضربة قاسمة للمتطرفين في ليبيا و دول الجوار.

ارتباك سياسي

يعد عشماوي، على صلة وثيقة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وتؤكد تقارير أمنية أن الإرهابي المضبوط، قام بالعديد من العمليات العسكرية داخل مصر، بأوامر مباشرة من قيادات التنظيم الدولي للإخوان، بعد أحداث 30 يونيو في مصر، التي أسقطت حكم جماعة الإخوان.

ونقلت تقارير إخبارية عن مصادر على صلة بتنظيم الإخوان، قولها: "إن هناك قلقا داخل التنظيم منذ الإعلان عن ضبط عشماوي، خوفا من الإيقاع بقيادات التنظيم وكوادره المهمة بمناطق الصراع في سوريا والعراق واليمن وليبيا، الأمر الذي دفعهم لعقد اجتماع طارئ بإسطنبول والدوحة، في وقت متزامن، لدراسة الموقف بعد القبض عليه".

وفي الوقت نفسه، أكد إبراهيم ربيع القيادي الإخواني السابق، في تصريحات صحفية، أن الإرهابي هشام عشماوي أمير تنظيم القاعدة بمدينة درنة، يعتبر صندوقا أسود لجماعة الإخوان والتنظيمات والجماعات المتطرفة في ليبيا.

وقال ربيع: "عشماوي ينتمى لتنظيم الإخوان وكان مكلف من قبل الجماعة بتنفيذ أجندتها في ليبيا، حيث إنه بعد فض اعتصام رابعة، أعلنت جماعة الإخوان أن كسر الدولة المصرية سيكون من ليبيا، ولذلك جمعت عناصرها وكل الجماعات المتطرفة في ليبيا". وأضاف :"الإخوان وفرت كل للجماعات المتطرفة في ليبيا من أجل كسر الإرادة المصرية، ويعد إسقاط العشماوي، ضربة موجعة للإرهاب والتنظيم الدولي للإخوان وكافة الدول الداعمة لهم".

نسخة أخرى للتطرف

كشفت   مجلة الأميركية ذي ناسيونال انترست، في تقرير لها أن الوضع الراهن في ليبيا بات ملاذا آمنا لتشكيل نسخة مستحدثة من تنظيم داعش الإرهابي، الذي يعد أكثر خطورة من التنظيم الراهن، مرجحة بأن يصبح أكثر فتكًا وقدرةً ،على شنّ عمليات أكثر تأثير ممّا كان عليه تنظيم داعش  نفسه في ذروة نشاطه في العام 2015.

وأضافت المجلة الأميركية، في تقرير الإثنين الماضي، أنه مع وجود جماعات وأفراد تابعين لتنظيم داعش الإرهابي في جميع أنحاء العالم، فهناك وفرة في الجماعات التي تتنافس لتحلّ محل التنظيم الأصلي لتكون أخطر جماعة إرهابية في العالم.

ورأت المجلة، أنه توجد عوامل من شأنها أن تؤجِّج تنامي جماعة جديدة على غرار تنظيم داعش ،من بينها الضعف النسبي لقوات الأمن في المنطقة العربية بشكل عام وانتشار السلاح والفوضي في ليبيا بشكل خاص. وذكر التقرير أن الوضع في ليبيا يوفر الوضع الأقرب المماثل للبيئة التي سهّلت صعود تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في الفترة بين العامين 2009 و2015.

وقال أستاذ العلوم السياسية وكاتب التقرير، كولين كلارك ، أن تنظيم  داعش  الإرهابي يحافظ على كيانات متخصصة في ليبيا بما في ذلك ما يُعرف باسم «لواء الصحراء» و«مكتب الحدود والهجرة» المسؤول عن العمليات الخارجية واللوجستيات والتجنيد.

وأضاف كلارك أن البلد تنتشر بها الأسلحة، ولا توجد حكومة معتَرف بها للتحدّث باسمها، ولا سلطة سيادية، وتمثل نقطة محورية للجهاديين من كل البقاع، وتقع على بعد 200 كلم من أوروبا، مضيفا بأن عدد المقاتلين المرتبطين بتنظيم داعش في ليبيا يعتقد أنه بالمئات، فقد جرى ربط فرع تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا بعمليتين كبيرتين نفذتا في أوروبا ،هما ذلك هجوم برلين في العام 2016 وهجوم مانشستر في بريطانيا في العام 2017.