مع اندلاع الأزمة في ليبيا بعد تدخل قوات الناتو الذي أدخل البلاد في أتون فوضى أمنية عارمة، انتشرت في العديد من المناطق والمدن الكثير من بؤر التطرف،  لعل أبرزها في مصراتة التي باتت مكانا خصبا للجماعات المسلحة،  التي يعتبر شعارها الرئيسي "لا صوت يعلو فوق صوت السلاح"، والتي مثلت خلال سنوات الأزمة طرفا رئيسيا في كل الصراعات والحروب التي شهدتها المدن الليبية.

وفي الرابع من أبريل/نيسان الماضي، بدأ الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر عملية عسكرية لأجل انتزاع السيطرة على العاصمة الليبية من الميليشيات المسلحة والعناصر الارهابية التي ترسخ وجودها فيها والمسؤولة عن زعزعة الاستقرار والأمن في ليبيا، منذ سنوات.وفي المقابل سارعت حكومة الوفاق الى الدعوة لمواجهة الجيش الليبي معولة على مليشيات موالية لها وأخرى كانت في صراع معها.

وانضمت ميليشيات مدينة مصراتة إلى المعارك وتصدرت عناصرها الصفوف الأولى لمحاور القتال ضمن قوات حكومة الوفاق،  من بينها ميليشيا لواء الصمود التي يقودها المطلوب دولياً صلاح بادي،  وكتيبة الحلبوص،  والقوّة الثالثة،  إضافة إلى ميليشيا 166 وكتيبة شريخان،  التي قتل قائدها محمد بعيو،  خلال مواجهات مع الجيش في طرابلس.

وبدا واضحا أن مدينة مصراتة ألقت بكل ثقلها في محاولة لمنع الجيش الليبي من السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس.وسارعت الكلية الجوية بمصراتة للتعاقد مع عدد كبير من المرتزقة الأجانب لتنفيذ عدد من الضربات الجوية على المدنيين المؤيدين للجيش الليبي في حربه على الإرهاب بالعاصمة الليبية طرابلس.كما قامت مليشيات مصراتة بإستقدام عناصر تكفيرية من العراق وسوريا عبر موانئها الجوية والبحرية للقتال ضد الجيش الليبي.

لكن الجيش الليبي نجح في تحييد سلاح الطيران لمليشيات مصراتة، فمنذ بداية معركة طرابلس خسرت المليشيات المسلحة -بحسب ما أعلنت عنه القيادة العامة للجيش الوطني الليبي- ثلاث طائرات؛ منها طائرتا ميراج إف 1 في أجواء الجفرة وفي أجواء الهيرة جنوبي العاصمة،  بجانب طائرة هجوم أرضي خفيفة من نوع إل-39 الباتروس،  أسقطتها الدفاعات الجوية التابعة للجيش الوطني الليبي فوق ترهونة.


** مصراتة قاعدةً للنفوذ التركي في ليبيا: 


ودفعت هذه الخسائر بمليشيات مصراتة للاستنجاد بتركيا الداعم الرئيسي للفوضى في ليبيا، وتحولت المدينة لـ"قبلة" الجرافات والسفن الحربية المحملة بالأسلحة والصواريخ إلى المدينة والقادمة من تركيا، عبر الكلية الجوية في مصراتة وميناءها البحري ولعل أبرزها واقعة السفينة التركية التي كانت تحمل أكثر من 400 طن لمواد تدخل في صناعة الصواريخ.

وتتبع قاعدة الكلية الجوية في مصراتة سلطة حكومة الوفاق،  وتنطلق منها طائراتها الحربية وكذلك المسيّرة،  كما تقوم بدور عسكري هام في دعم قواتها من خلال استقبال الأسلحة والذخائر القادمة من الخارج وخصوصا من تركيا.حيث تعتبر المدينة الواقعة 200 كم شرق طرابلس، معقل أقوى المليشيات المسلحة المناهضة للجيش الليبي وعمود قوات حكومة الوفاق، وترتبط بأجندات تركية قطرية في ظل سيطرة تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" على المدينة.

وتزايدت المساعدات العسكرية التركية بصورة كبيرة وتحول مطار الكلية الجوية إلى قاعدة عسكرية خلفية لأنقرة،  وتنطلق منه الطائرات المسيرة،  بعد أن حولته الميليشيات إلى مكان شبه آمن لاستغلاله في ظل تراجع كفاءة مدرجات مطار معيتيقة في طرابلس والذي بعد استهداف العديد مِن مدرجاته من قبل طيران الجيش الوطني،  وتقديم أدلة لقوى كبرى تفيد باستخدام المطار المدني في أغراض عسكرية.

ومثلت الأراضي الليبية مسرحا لتجريب تركيا لطائراتها المسيرة على غرار طائرات مقاتلة جديدة من نوع "بيرقدار تي بي 2"، التي كشف موقع أفريكا أنتلجنس -الوكالة المتخصصة في الأخبار السرية – مطلع يوليو الماضي، عن أن تركيا تستعد لمنح حكومة السراج ثماني منها، رغم استمرار الحظر على توريد السلاح إلى ليبيا الذي فرضه مجلس الأمن منذ 2011.وأشار التقرير إلى حاجة حكومة السراج الماسة إلى هذه الطائرات بعدما دمر الجيش الليبي 3 من أربع طائرات سلمتها تركيا لها قبل ذلك.وكان الجيش الوطني الليبي قد دمر العديد من طائرات درون،  التي تستخدمها ميليشيات حكومة الوفاق،  كما دمر غرفة التحكم الرئيسية بهذه الطائرات في مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس.

وتفاخر رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري،  في تصريح لصحيفة الإندبندنت البريطانية شهر أيار/ مايو الماضي،  بأن "حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة حصلت على طائرات بدون طيار وعدلتها لمواجهة التأثير المدمر لطائرات السيد حفتر الحربية والمراقبة الجوية".دون أن يشير الى أن هذه الطائرات تسفك دماء الليبيين.فالطائرات المسيرة التركية التي تجول في الأجواء الليبية بتواطئ من حكومة الوفاق، مارست جرائم كبرى في حق الليبيين وسفكت دماءهم على غرار استهداف احداها لعدد من السيارات المدنية بالقرب من محطة وقود السايح "شيل السايح" ، في الرابع من يوليو الماضي،  مخلفة عددًا من القتلى والجرحى.

كما ارتكب الطيران التركي بدون طيار الذي تستعين به مليشيات طرابلس في ترهونة الليبية ما وصفه المجلس البلدي للمدينة بـ"جرائم حرب محرمة دوليا".وأدان المجلس مطلع يوليو الجاري،  استهداف الطيران التركي لمنازل المدنيين،  لافتا إلى سقوط عدد من الضحايا بينهم أطفال ونساء بسبب قصف الطائرات التركية المسيرة لمنازل المدنيين.

وأمام الخطر الذي باتت تمثله كلية مصراتة الجوية، سارع الجيش الوطني الليبي الى تنفيذ غارات جوية، أواخر يوليو الماضي،  استهدفت لأول مرة مواقع استراتيجية في مدينة مصراتة، في رد مباشر على القصف الذي نفذته طائرة تركية مسيرة على مدينة الجفرة، حي نفذ الجيش سلسلة من الضربات الدقيقة استهدفت بصفة خاصة الكلية الحربية الجوية بمدينة مصراتة وكذلك غرفة التحكم بالطيران التركي في المدينة التي تتحالف بشكل صريح مع أنقرة.

وبثت صفحة عمليات الجيش الوطني،  على "فيسبوك"،  فيديو للضربة التي استهدفت الكلية الجوية مصراتة.وقالت الصفحة إشارة إلى الضربة إنه "تم تدمير غرفة عمليات الأتراك بالكلية الجوية وتم تدمير منظومة الدفاع الجوي،  وتعلن القوات الجوية أن أجواء مدينة مصراتة بالكامل تحت ضربات سلاح الجو الليبي".

وشكل قصف القاعدة الجوية بمصراتة التي تُسيطر عليها الميليشيات المسلحة،  تحولا جديدا في مسار العمليات العسكرية،  يشي بتوسيع رقعة المعارك الدائرة في ليبيا،  باستراتيجية عسكرية مُغايرة،  لاسيما وأن هذا القصف قد تكرر عقب ذلك عدة مرات.ففي السادس من أغسطس الجاري، أعلن الجيش الوطني الليبي، شن ضربات جوية على قاعدة جوية في مصراتة.وأفاد المركز الإعلامي لقوات الجيش الليبي عبر فيسبوك عن "عدد من الضربات لسلاحنا الجوي في القاعدة الجوية في مصراتة استهدفت وسائط دفاع جوي وطائرة إمداد عسكرية تركية ضخمة تحمل ذخائر وطائرات مسيّرة وصواريخ متعددة الأغراض.

وقال مصدر عسكري ليبي،  إن سلاح الجو التابع للجيش الوطني،  استهدف قاعدة مصراتة، بثلاث ضربات متزامنة،  أسفرت إحداها عن تدمير طائرة نقل عسكرية هبطت في مطار مصراتة بالكلية العسكرية محملة بعتادٍ عسكري متنوع.ونقل موقع "إرم نيوز"، عن المصدر تأكيده إن "طائرات سلاح الجو الليبي التابع للقيادة العامة،  استهدفت طائرة شحن من طراز اليوشن 76،  كانت محملة بالذخائر والعتاد في مطار مصراتة العسكري قادمة من تركيا وتم تدميرها بالكامل".

وقال اللواء محمد منفور،  آمر غرفة عمليات سلاح الجو الليبي،  في تصريحات لوسائل إعلام ليبية،  إن "الغارات استهدفت أيضًا محطتي رادار بي 12 وبي 14 للدفاع الجوي".ولم يصدر أي تعليق،  أو توضيح من حكومة الوفاق حول الغارة،  غير أن مليشيا لواء الصمود الذي يقوده المطلوب دوليًا صلاح بادي،  هدد عبر مواقع التواصل الاجتماعي،  برد قاسٍ على قصف قاعدة مصراتة.

وفي الثامن عشر من أغسطس الجاري، قصفت طائرات الجيش الوطني الليبي، في مصراتة (غرب ليبيا) بينها مبنى الكلية الجوية.وقال آمر غرفة عمليات سلاح الجو بالجيش الوطني اللواء محمد منفور لقناتي "العربية" و"الحدث": "نفذنا 13 غارة جوية على مواقع المليشيات في قاعدة مصراتة الجوية،  وكانت الإصابات دقيقة وناجحة".وأكد منفور أن المواقع المستهدفة هي مخزن للطائرات التركية بدون طيار،  وغرفة تحكم ومرسلات لتشغيل هذه الطائرات،  بالإضافة إلى مخازن للصواريخ التي تستخدمها هذه الطائرات المسيرة.مشيرا الى أن الطائرات القتالية للجيش عادت إلى قواعدها بعد نجاح العملية.

وقال الناطق باسم القيادة العامة،  اللواء أحمد المسماري خلال مؤتمر صحفي عقده،  الأحد 18 أغسطس 2019 بمدينة بنغازي،  أن "هذه ضربات تعبوية من اختصاص قادة الميدان،  تهدف إلى تدمير خطر مباشر على" القوات التابعة للقيادة العامة واستهدفت "طائرات حربية استغلت لتدمير والحاق الضرر" بالقوات التابعة للقيادة العامة،  مشيرا إلى أن ضربات الكلية الجوية في مصراتة "هي ضربة جوية استراتيجية اشتركت فيها أنواع متعددة من الطائرات واشتركت فيها قواعد جوية ومهابط جوية مختلفة على الأراضي الليبية من قبل طيران القيادة العامة.

كما أضاف أن هذه الضربات "اشتركت فيها غرف العمليات واتخذ القرار لهذه الضربات من أعلى مستوى من القائد العام، لأن هذا المطار المدني الذي كان يستخدم لتدريب الطيارين الليبيين تحول إلى قاعدة تركية"،  مشيرا إلى أنهم وجدوا "منشآت جديدة داخل الكلية الجوية ذات صفة عسكرية مثل الدشم وهناقر وساحات جديدة للطيران وبدأت يتحول المهب الذي هو شبه مدني إلى قاعد جوية عسكرية تركية.

وأضاف أنه "بعد جمع جميع المعلومات والاستدلالات ودخولنا إلى داخل القاعدة اكتشفنا أنها بدأت تتحول إلى خطر داهم ضد" القوات التابعة للقيادة العامة و"ضد ليبيا"،  مؤكدا أن الطيران الحربي التابع للقيادة العامة استهدفها بنحو "12 غارة جوية دقيقة جدا" لتدمير "القاعدة الجوية التركية" بالكلية الجوية في مصراتة،  واصفا العملية بأنها كانت "ناجحة جدا"،  منوها إلى أن "هذا العمل ليس موجهة لمددينة مصراتة ولا لأي قبيلة وإنما للخونة".

وفي أول تصريح له لاستهداف الطائرات التركية قال القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر،  إن القوات المسلحة ستُحبط أي مشروع لإنشاء قواعد أجنبية تدعم وتموّل الإرهاب داخل ليبيا.وجاء ذلك إبان كشف مكتب الإعلام التابع للجيش الوطني الليبي في إدراج له على صفحته بموقع فيسبوك عن صورة تظهر حفتر يشرف ويتابع بشكلٍ مباشر استهداف القوات الجوية لغرف العمليات التركية،  مؤكدًا "لن نسمح بانتهاك سيادة الوطن".


** دعوات الحوار.. وخطوات عملية:


مليشيات مصراتة التي تعتبر أقوى المليشيات المسلحة في غرب ليبيا، تلقت خسائر كبيرة في معركة طرابلس، فمطلع مايو/أيار الماضي، بلغت حصيلة قتلى وجرحى الاشتباكات الدائرة في العاصمة طرابلس أكثر من 300 قتيل و2500 جريح من مدينة مصراتة.بحسب ما أعلن حينها المركز الاعلامي لغرفة عمليات الكرامة بالمنطقة الغربية.

وطالب المركز الإعلامي في رسالة وجهها إلى أهالي مدينة مصراتة،  أن يتقوا الله في شبابهم،  ولمصلحة من القتال ضد الجيش.وأضاف المركز "تنظيم الاخوان" ورطكم فى مستنقع موحل،  مطالبا الاهالي بالخروج منه قبل ان تزداد أعداد الضحايا.وقال المركز في ختام البيان "قلنا لكم تراجعوا عن هذا الطريق فنهايتكم فيها مأساوية،  مضيفا "أنتم جزء من وطننا فلماذا دوناً عن كل المدن والقبائل تكونون في المكان الخطأ".

خسائر المليشيات المتواصلة أدخلتها في حالة تناحر وخلاف متواصل تطور في بعض الأحيان الى مواجهات عنيفة، آخرها كان مساء الثلاثاء 20 أغسطس الجاري، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة عند البوابة المعروفة ببوابة الـ17 على الطريق الساحلي الرابط مدينتي طرابلس والزاوية ، بين "كتيبة معمر الضاوي" التابعة لوزارة دفاع حكومة الوفاق و "كتيبة فرسان جنزور" التابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوفاق. 

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصادر عسكرية في الجيش قولها إن ما وصفته ب"خلافات مكتومة بين الميلشيات الموالية لحكومة السراج بدأت تطفو على السطح،  في ظل ما سمته الخسائر البشرية والمادية الفادحة،  التي منيت بها هذه الميليشيات في مواجهاتها الأخيرة ضد قوات الجيش الوطني الليبي".

وأمام الاصرار الكبير للجيش الليبي، وتواصل نزيف الخسائر في صفوف مليشياتها، دخلت مدينة مصراتة في مرحلة التفاوض بحثا عن مخرج لورطتها.وتحدث الجيش الوطني الليبي، عن وساطة سرية سعت إليها أطراف وأعيان في مدينة مصراتة لعقد اتفاق مع المشير خليفة حفتر،  القائد العام،  يتضمن "انسحاب جميع الميليشيات المسلحة المنتمية للمدينة من معارك العاصمة طرابلس وتركها،  وتسليم الأسلحة،  عدا قوة بقوام لواء تبقى بأسلحتها لحماية المدينة احتياطا بشرط عدم مطاردة أي فرد من مصراتة.

كما تضمن الاتفاق، الذي أعلن عنه المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة في بيان في 09 يوليو الماضي،  أن يتم "أخذ ضمانات بذلك عن طريق أعيان وحكماء،  يتم الاتفاق عليهم،  مع التعهد بعدم دخول الجيش إلى مدينة مصراتة،  ولا علاقة لها بباقي المدن والميليشيات،  بل ستقوم بالانسحاب بشكل مفاجئ وغير معلن".

لكن طلب مصراتة قوبل بالرفض من طرف الجيش، وقال المركز الإعلامي إن "الإجابة جاءت سريعة،  تشترط تسليم كامل الأسلحة المتوسطة والثقيلة،  والذين ارتكبوا جرائم ومطلوبين من المدعي العام والنيابة،  وتأمين المدينة من قبل الشرطة والأمن العام من عدة مديريات،  بما فيهم أفراد الأمن التابعون للمدينة"،  لافتا إلى أن هذه المعلومات كانت ملخص اتصالات وفد مصراتة مع المشير حفتر عبر وسطاء.

وبعد الضربات الجوية المتتالية التي استهدفت القاعدة الجوية - مصراتة والضغوط التي يمارسها أهالي المدينة لوقف القتال الذي راح فيه الكثير من أبنائهم، تحدثت تقارير اعلامية، منتصف أغسطس الجاري،  عن مساعي جديدة لشخصيات فاعلة في مدينة مصراتة الليبية،  من وجهاء اجتماعيين ونشطاء مدنيين،  إلى تجنيب المدينة خوض مواجهة مع الجيش الليبي،  قد تكون مكلفة لهم إذا ماحدثت،  في حال انتهاء حرب طرابلس وتوجه الجيش لمصراته لمطاردة بقايا الميليشيات التي ستلجأ إليها.

وجاء ذلك في أعقاب تحذير الجيش الليبي مدينة مصراتة (غرب) من مغبة الاستمرار في القتال إلى جانب حكومة السراج،  واعتبر في بيان لمركزه الإعلامي أن "المدينة تنزلق للهاوية بسرعة الصوت،  وقريبا سرعة الضوء". لافتا إلى "تعالي أصوات الرافضين لتجنيد أطفالهم في معركة طرابلس من أهالي مصراتة،  وعمليات اعتقال عدد منهم بعد وصول أعداد القتلى لأرقام كبيرة،  وانتشار المآتم في أغلب شوارع المدينة"،  كما أشار إلى أن "الاحتقان الذي يتزايد قد يتجاوز التعبير إلى أفعال ترقى إلى مظاهرات،  وسط مخاوف من أن تحدث مجزرة لأبنائهم".

ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن الناشط والمحلل السياسي،  سليمان خليفة الشحومي، قوله بأن ضغط أهالي القتلى من ميليشيات مصراتة أثر بشكل كبير على الرأي العام في المدينة،  وتحولت الجنازات إلى ما يشبه المظاهرات والمهرجانات الخطابية التي تطالب بضرورة تجنيب مصراته هذه المآسي.

وأضاف الشحومي، أن الوجهاء الاجتماعيين تلقوا وعودًا من نظرائهم في بقية المدن الليبية،  أنه في حالة ترك محاور القتال وسحب أبنائهم وتسليم أسلحتهم للجيش وقوى الأمن،  لن يكون هناك عقاب لمصراتة،  إلا للمتسببين في جرائم حرب وفق أحكام القانون.وأكد الشحومي،  أن مجلس مصراتة الاجتماعي،  تلقى تحذيرًا بأن الجيش الليبي لن يترك مصراتة تواصل العبث في أي مكان في الوطن،  فهي مدينة من ليبيا،  ويجب أن تكون تحت سلطة الأدوات الشرعية والجيش والأمن الليبي.

وكانت وكالة الأنباء الإيطالية أشارت في تقرير لها مؤخرًا،  إلى أن الوضع في طرابلس لم يعد في صالح الميليشيات التي تتكبد خسائر فادحة.ووفقًا للوكالة،  فإن تقارير محلية أشارت إلى أن مصراتة تحاول التفاوض مع وسطاء غربيين على سحب ميليشياتها من طرابلس مقابل عدم دخول الجيش الليبي إليها.

وبحسب الوكالة،  فإن هذا التغير يعود إلى هزائم الميليشيات والخسائر الكبيرة التي تلقتها،  وكذلك تورطها في عمليات قمع واعتقال ضد شباب مدينة طرابلس،  مشيرة إلى أن عدة روايات من شهود عيان أكدت أن الميليشيات اعتقلت 180 شابًا بتهمة تأييدهم للجيش الوطني الليبي في طرابلس.وأضافت الوكالة أن عمليات اعتقال واسعة من قبل ميليشيات مصراتة حدثت في منطقة طريق المجدوب والسدرة،  بعد أن احتج العديد من الشباب على مقتل شاب أثناء محاولة إحدى الميليشيات سرقة سيارته.

وأشارت الوكالة، إلى أن ميليشيات مصراتة انسحبت من بعض مناطق طرابلس بعد خروج الشباب إلى الشوارع وإغلاق بعض الطرق وإحراق العديد من الإطارات في شوارع طرابلس،  إثر قيام ميليشيات غنيوة بقتل بعض شباب الأحياء في طرابلس.وذكرت الوكالة الإيطالية،  أن حالة من العداء بين الميليشيات تظهر بوضوح في طرابلس،  فقد تم الإبلاغ عن اشتباكات بين ميليشيات طرابلس وتحديدًا بين الميليشيات الأمازيغية وميليشيا أبو عبيدة الزاوي،  بالإضافة إلى اشتباكات أخرى بين مسلحين تابعين لإحدى قبائل كاباو وميليشيا فرسان جنزور.


** الإسلاميون ومتطرفو المدينة يرفضون الحوار: 


وبالرغم من الحديث عن المفاوضات بين مصراتة والجيش الليبي فان ذلك لا يعني بأن الأمور سهلة وسلسة، فالمدينة باتت منقسمة بين عدة أطراف يسعى البعض منها لفرض شروط غير واقعية كتلك التي دفعت الجيش الليبي لرفضها في يوليو الماضي، بينما يسعى البعض الآخر الى التحالف مع الجيش الليبي ويقود هذا الشق بحسب تقارير اعلامية التيار المدني داخل المدينة الذي يقوده وزير الداخلية في حكومة عبدالرحيم الكيب،  فوزي عبدالعال.فيما يرفض البعض الآخر التفاوض ويصر على القتال ويقود هذا الشق أمير الحرب المطلوب دوليا صلاح بادي.

ويهيمن تيار الإسلام السياسي وخاصة المتطرفون على المدينة،  مستفيدين من ضعف باقي التيارات التي يرى كثيرون أنه بات من الضروري أن تتكتل في إطار تحالف لمواجهة المتشددين.وقالت مصادر محلية من داخل مصراتة رفضت الكشف عن هويتها لدواع أمنية لصحيفة "العرب" اللندنية إن القصف المتكرر على "القاعدة الجوية مصراتة" رفع من الأصوات المطالبة بضرورة وقف القتال لتجنيب إدخال المدينة في حرب مباشرة مع الجيش.

وبددت معركة تحرير طرابلس الفكرة الرائجة في ليبيا بتفوق مصراتة العسكري،  حيث عجزت ميليشياتها طيلة الفترة الماضية عن طرد الجيش من مواقعه وبقيت حتى الآن في موقع دفاع دون أن تنتقل إلى مرحلة الهجوم.كما حطم قصف القاعدة الجوية - مصراتة قناعة كانت سائدة بأن المدينة خط أحمر لا يستطيع الجيش الوصول إليها لاسيما في ظل وجود قوات إيطالية في القاعدة،  وأعطى انطباعا بأن روما وعدة عواصم أخرى تخلت عن المدينة التي دعمتها بقوة خلال السنوات الماضية.

وترسخ ذلك الانطباع أكثر عندما التزمت وزيرة الدفاع الايطالية إليزابيتا ترينتا الحياد أثناء تعليقها على الضربات التي ينفذها الجيش على قاعدة مصراتة العسكرية. وأكدت ترينتا في الثامن من أغسطس الجاري، في تصريح نشرته عبر صفحتها الرسمية بـ "فيسبوك"، أن القوات الايطالية المتمركزة في قاعدة مصراتة الجوية ليست هدفا للقصف الجوي الذي تشنّه طائرات الجيش الوطني الليبي.وأضافت أن "طائرات المشير حفتر قصفت في اليومين الماضيين مطار مصراتة،  حيث تقع القاعدة الإيطالية في غارات دقيقة للغاية،  ولم تشمل بأيّ شكل الإيطاليين والمستشفى الميداني"،  مؤكدة أن هذه الدقة تشير إلى "أننا لسنا هدفا للهجمات".

وفي ظل الانتصارات التي حققها الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر،  بدأت الأوضاع تتغير والميلشيات الإرهابية تتقهقر في مدن القتال، وزادت شعبية الجيش الليبي بعد تحريره لأغلب المدن الليبية كما حضي باشادة دولية واسعة وباعتراف بدوره المستقبلي في البلاد.ويرى مراقبون أن الجيش الليبي لن يتراجع عن مسألة تحرير العاصمة الليبية وكامل الأراضي الليبية من هيمنة المليشيات المسلحة وهو ما يضع مدينة مصراتة أمام خيار وحيد وهو العودة الى صف الدولة وانهاء فوضى المليشيات تمهيدا لبناء دولة موحدة قادرة على مواجهة التحديات القائمة.