يشهد المغرب اليوم تحولا عميقا في علاقته بالمهاجرين، فبعدما كان بلد عبور إلى أوروبا، أصبح بلد استقبال بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تضرب القارة العجوز من ناحية، وبفضل التطور الاقتصادي الذي تشهده الرباط من ناحية أخرى في ظل مناخ الاستقرار والأمن الذي بات سمة هذا البلد في منطقة (شمال إفريقيا) تشهد اضطرابات أمنية كنتيجة حتمية لتداعيات “الثورات العربية”.

وقامت الرباط نهاية 2013 في إطار التأقلم مع واقع الهجرة الجديد، بإطلاق سياسة جديدة للهجرة لتسوية الوضعية القانونية لنحو 30 ألف مهاجر ولاجئ على أراضيها.

وحتى الآن ما زالت العملية مستمرة حتى انتهائها أواخر 2014، وقد منحت اللجان المختصة في دراسة طلبات التسوية 4385 بطاقة حتى نهاية أكتوبر الماضي مقابل أكثر من 20 ألف ملف تم وضعه لدى السلطات.

ويجمع المهاجرون على تحسن ظروفهم المعيشية في المغرب في ظل الاهتمام الرسمي والجمعياتي الذي يلقونه، كما أن المئات منهم بات عنصرا فاعلا سواء في الدورة الاقتصادية للمغرب وأيضا على مستوى النسيج الجمعياتي، حيث يوجد اليوم عديد الأفارقة الذين ينشطون في جمعيات مدنية وحقوقية.

ففي الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية على سبيل المثال، يرأس سيرج غناكو جمعية للمهاجرين تحمل اسم “القوة الأفريقية لتضامن أبناء الله”.

وهذا الرجل القادم من ساحل العاج والبالغ من العمر 35 عاما وصل إلى المغرب قبل خمس سنوات كلاجئ، وهو يرى أن “المستقبل في المغرب ممكن، وسوف أعلّم ابني اللغة العربية”، كما يقول وهو جالس على أريكة بيضاء في غرفة المعيشة بجانب زوجته ميراي، داخل منزلهما.

هذا الشاب ذو المستوى الجامعي الذي يعيش من أتعاب الدروس التي يعطيها في اللغة الفرنسية، يجد أن الأمور تحسنت كثيرا بالنسبة إليه في المملكة.

وخلال مدة عيشه في وضعية غير قانونية على أراضي المملكة المغربية كما يشرح سيرج غناكو “كان من الصعب جدا الذهاب للعلاج في المشفى أو تسجيل الأبناء في المدرسة، لكن الأمور تغيرت الآن”.

وفي زقاق أحد الأحياء الشعبية في العاصمة الرباط يعمل مختار توري القادم من ساحل العاج، بجد ودوام كامل في محله الصغير المتخصص في إصلاح المعدات المنزلية، آملا في ضمان مستقبل آمن في المغرب رغم الصعوبات التي واجهها قبل حصوله على بطاقة الإقامة منذ سنة.

فبالنسبة إلى مختار الذي يعيش في المغرب منذ تسع سنوات مستعينا بمهن موسمية أو مؤقتة بعدما فر من الصراع الذي دار في بلده “لم تكن الأمور سهلة في البداية (…) بل كانت شبه مستحيلة!”.

لكن بعد سنوات استطاع مختار توري وهو رب أسرة الحصول في 2013 على تصريح بالإقامة القانونية في المغرب وتحسنت أحواله أكثر بفضل تمويل حصل عليه من “الجمعية المغربية لدعم وتشجيع المقاولات الصغيرة”.

هذا التمويل الذي يدخل في إطار تشجيع المشاريع الصغيرة أو “الأنشطة المدرة للدخل” ساعد مختار توري من ناحية على إيجاد سقف منزل يعيش تحته مع أسرته، ومن ناحية ثانية مكنه من استئجار محل صغير حيث أطلق ورشته لإصلاح الأدوات المنزلية.

واليوم بعد مرور أربعة أشهر على افتتاح ورشته الصغيرة التي تبلغ مساحتها عشرة أمتار مربعة، استطاع توري كسب ثقة الزبائن حيث يفد عليه يوميا أربعة من سكان الحي الشعبي لإصلاح أدواتهم المنزلية، حتى أنه وظف مهاجرا آخر هو “سيلفان” المنحدر من موطنه ساحل العاج.

*نقلا عن العرب اللندنية