مراسل البوابة – المغرب

كغيره من الدول العربية لم يسلم المغرب من موجة "الربيع العربي" ، لكنه استطاع ، حتى الآن على الأقل، المرور بأقل الخسائر. الأمر الذي دفع بالبعض إلى الحديث عن "خصوصية" أو "استثناء" مغربيين، والبعض الآخر إلى الحديث عن "استعصاء" على الديمقراطية.  وسواء تعلق الأمر بالاستثناء أو الاستعصاء ، ماهي إذا جاز لنا التعبير "مقومات المناعة " التي حصنت المغرب من هدير الأمواج الشبابية الهادرة التي خرجت في دول عربية متعددة ، مطيحة بعدد من القادة ؟..

التدخل السريع

إذا كان  المد الثوري العربي كشف عن عناد لدى كثير من القادة وتمسكهم أكثر بالسلطات والصلاحيات مع خروج الشباب للمطالبة بالدميقراطية الحقة ، فإن قليلا من هؤلاء القادة التقط إشارة اللحظة التاريخية. في المغرب ، وعندما وصلت عدوى الانتفاضات العربية في 2011 ، وطالت كبريات المدن المغربية ، ظهر الملك محمد السادس في خطاب متلفز في التاسع من مارس 2011 تعهد فيه بـ "ميثاق جديد يربط بين العرش والشعب".

وفي ما بدا استباقا للاحتجاجات قبل أن تشتد وتجتاحَ البلاد، شكّل الملك سريعا لجنة لصياغة دستور جديد، سرعان ماحظي بالموافقة في استفتاء شعبي بعد ثلاثة أشهر( يوليو 2011).  دستور يطمح إلى بناء دولة المؤسسات والقانون، وتوسيع المشاركة الشعبية في الحكم ، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ويوسِّع مشاركة الشعب في الحكم، والمساواة بين الجميع. ( كما جرم الدستور التعذيب والاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي وكل أشكال التمييز، وتعهد بضمان حرية الرأي والتعبير: دسترة الإمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، على أساس التلاحم بين مكونات الهُوية الوطنية، المتعددة بروافدها العربية - الإسلامية، والأمازيغية والصحراوية الأفريقية، والأندلسية، والعبرية والمتوسطية). وفي شهر أكتوبر من نفس العام ، كان المغرب على موعد مع انتخابات برلمانية جديدة حملت حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى ناصية البرلمان، ليسمي الملك الأمين العام للحزب "عبد الإله بنكيران" رئيسًا للوزراء وطبقا لمقتضيات الدستور الجديد. وهي انتخابات حظيت على خلاف سابقاتها بتقدير منظمات دولية وأطراف داخلية لناحية نزاهتها وعدم العبث الإداري بها..

أما على الصعيد الاجتماعي فقد تم إقرار زيادة في أجور الموظفين بمختلف سلالمهم الإدارية ، وهي زيادة على ضعفها أشرت إلى نوع من الجدية من جانب السلطات.

تراكم تاريخي

والحال أن الإصلاح كان بدأ مبكرا جدا في المغرب ، فمع وصول الملك محمد السادس إلى سدة العرش قبل 14 عاما، دعا إلى مصالحة المغاربة مع ذاتهم وتاريخهم، وفتح أبواب القصر أمام المعتقلين السياسين على عهد والده مسجلا بذلك تجربة غير مسبوقة في العالم العربي...

تجربة "هيئة الإنصاف والمصالحة" التي أنشأها محمد السادس من أجل التحقيق في تجاوزات و تعسفات النظام في حق المواطنين خلال العقود السابقة ، وجرى عقد جلسات للإنصات إلى الضحايا ورصد تعويضات لجبر بعض الضرر الذي لحق بهم .. كما يمكن القول إن نوعا من التراكم افاد الملكية في المغرب على تجاوز مطبات الربيع العربي ، فالملك محمد السادس، لم يخف منذ وصوله سدة الحكم عام 1999 رغبته في الإصلاح في مجالات متعددة كان أهمها المشاريع الاجتماعية كان ابرزها مبادرة التنمية البشرية لمكافحة الفقر والهشاشة الاجتماعية.

عوامل أخرى

الربيع العربي في المغرب اقترن بحركة 20 فبراير التي لم تكن في البداية واضحة فضلا عن أنها كانت متأرجحة ومرتبكة في مطالبها ومتنافرة أيضا بين مكوناتها، وهو ما جعل البعض يشكك في جديتها ونواياها.

حركة 20 فبراير اتسمت بانتشار شعبي ضعيف نسبيا رغم تنوع الفئات العمرية والشرائح التي انضوت تحت لوائها. وتركز وجودها في المدن والحواضر ولم تستطع النفاذ إلى القرى والبوادي.

وكانت الحركة تفتقر للعفوية التي ميزت باقي الحركات الاحتجاجية في العالم العربي، إذ جاء إيقاعها وئيدا وحذرا ؛ وقررت تنظيم مسيرة احتجاجية على رأس كل شهر، في يوم الأحد. إلى ذلك ، قليلة هي الأحزاب والجمعيات والهيئات التي احتضنت حركة 20 فبراير، ومن لم يعلن رسميا موقفه السلبي الرافض لها، اضطر في الأخير إلى الانسحاب منها، خاصة على إثر الخطاب الملكي في 9 مارس . وقد زاد من عزلة ما نسب لبعض أعضائها من تبني شعارات الإفطار العلني في رمضان وحقوق للمثليين .

    "استثناء" أم "استعصاء" ؟!

صحيح أن دستور يوليو 2011 اعتُبر أول دستور من صنع المغاربة ،  وأنه جنب المغرب حالة عدم اليقين والاضطرابات التي عانت منها العديد من بلدان المنطقة مع ثورات الربيع العربي التي تحولت إلى شتاء قاس ؟

وصحيح أن الدستور الجديد المقترح يضمن نظريا "سيادة القانون"، واستقلال القضاء، وتعزيز دور رئيس الوزراء وجملة من الحقوق الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية ، لكن تنزيل مقتضياته ما زال مطلبا ملحا لأحزاب عديدة وجمعيات مختلفة.. كما أن المقتضيات الجديدة التي جاء بها دستور 2011  لا تستطيع على تنوعها و أهميتها أن تحجب حقيقة كون الدستور المذكور لازال بعيدا عن تشخيص قواعد الملكية البرلمانية.

ثم إن تجاوز مطبات "الربيع العربي" لا يعني أن طريق المغرب بات مفروشا بالورود .. فالبنية السياسية المغربية ما زالت مطالبة بدمج واستيعاب  الحركات السياسية المعارضة للنظام الملكي المغربي ، وعلى رأسها حركة العدل و الإحسان المحظورة ، وحركة  20 فبراير، إسوة التعاطي الإيجابي مع حركات الإسلام السياسي المعتدلة " حزب العدالة والتنمية" .. وإلى كل هذا وذاك ، تبقى مطالب مواجهة الفساد ، والفقر وبطالة الشباب قائمة بإلحاح..   

ختاما ، إذا كان المغرب قد خطا خطوة نوعية بدستور 2011 ، على مثالبه، فإن على "الإطفائيين المغاربة" أن لا يعتقدوا أن نار الغضب قد انطفأت إلى غير رجعة ، فلربما اشتعلت وانبعثت مرة أخرى.