يسابق رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، الزمن للتوصل إلى حلول لمشاكل اقتصادية ومالية تنعكس سلباً على معيشة المغاربة، فقد عاد الغلاء إلى الواجهة إثر تصاعد الاحتجاجات في عدد من المدن على ارتفاع فواتير الكهرباء والماء، وتزايد المخاوف من رفع الضريبة على المبيعات.

"قد لا نرحل مبكراً كما يتوقع البعض"، هكذا هوّن بنكيران، قبيل أيام، من تداول تقارير صحافية تفيد بتراجع شعبيته، إثر تصاعد الاحتجاجات ضد بعض قراراته، خصوصاً رفع الدعم عن المشتقات النفطية ورفع سن التقاعد لإنقاذ صناديقه من الإفلاس.

وتنتقد الاتحادات العمالية وأحزاب المعارضة هذه الإجراءات، محذرة بنكيران من تداعياتها على شعبيته وحظوظ حزبه في الظفر مجدداً بثقة المغاربة لتصدر الانتخابات البلدية المزمع تنظيمها يونيو/حزيران المقبل، ثم التشريعية المرتقبة في 2016 لضمان البقاء في السلطة.
وفي حين يقر بنكيران بأن بعض قراراته "غير شعبية"، يصر على أنها "ضرورية لإنقاذ الاقتصاد"، من قبيل رفع الدعم وإصلاح صناديق التقاعد. وفي محاولة لامتصاص التداعيات السلبية لهذه "القرارات غير الشعبية" بادر بنكيران، الأسبوع الماضي، إلى وعد المغاربة بالإعلان قريباً عن مفاجأة سارة.

وغداة تنفيذ النقابات المعارضة إضراباً عاماً ضده، رد رئيس الحكومة بالكشف عن مشروع قانون يقضي بصرف إعانات شهرية للأرامل في إطار المساعدات المالية، التي وُعد بها الفقراء لتمكينهم من تحمل تداعيات رفع الدعم على قوّتهم الشرائية.

وفي تصريح نشرته "العربي الجديد"، قال الخبير الاقتصادي المغربي، محمد الشيكر، إن الحكومة تحاول بسن هذا المشروع أن تقلص الاحتجاجات، لاسيما أنها تقوم من جانب برفع الدعم وإقرار زيادات في الأسعار، ثم تقوم من جانب آخر "بتقديم مساعدات".

كذلك اتخذت الحكومة قراراً اعتبره المحللون مفاجئاً، بهدف امتصاص الغضب من ارتفاع أسعار الكهرباء والماء الذي أخرج العشرات للتظاهر في أكثر من مدينة، قبل نحو أسبوعين، ويتمثل في إعفاء الأسر الراغبة في ربط منازلها بشبكة الكهرباء ومياه الشرب من تقديم وثيقة تثبت ترخيص السلطات ببناء المنزل، وهو شرط سبق أن فرضه المغرب قبل بضع سنوات في إطار مساعيه للقضاء على السكن العشوائي. وقررت الحكومة سداد المواطنين فاتورة المياه شهرياً، على غرار الكهرباء، بدلاً من ثلاثة أشهر بدءاً من مطلع العام المقبل، لتقسيم أعباء الفاتورة على الأشهر الثلاثة.

كما حاول الوزير المكلف بالشؤون العامة والحوكمة، محمد الوفا، استباق أي زيادات مفاجئة في الأسعار، بالتعهد بإصدار قائمة بسلع وخدمات يمنع رفع أسعارها دون ترخيص حكومي.
واعتبر مراقبون أن هذا القرار يسبق تهديدات أصحاب المخابز برفع أسعار الخبز.

وينتظر أن تتضمن هذه القائمة، بالإضافة إلى الخبز، كلاً من السكر والدقيق المدعوم وغاز الطهي، لأن أسعارها غير محررة في السوق المغربية، إضافة إلى خدمات النقل العمومي، لأن الحكومة تعوض أصحاب سيارات الأجرة والحافلات عن تراجع هوامش الربح نتيجة رفع الدعم عن المحروقات.

وكانت إحدى شركات الحليب الكبرى قد فاجأت المغاربة في وقت سابق من العام الجاري برفع أسعار منتجاتها، فرد بنكيران بالدعوة إلى مقاطعتها إلى حين إلغاء تلك الزيادات. غير أن رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك (منظمة غير حكومية)، بوعزة الخراطي، أشار إلى عدم جدوى الإجراءات الحكومية لتقليص الزيادات في الأسعار، موضحاً أن "الزيادات ثابتة في أسعار عدد من السلع والخدمات".

وقال إن "احتمالات زيادة الأسعار باتت قريبة، وتعززت بعد أن قررت الحكومة، بموجب مشروع الميزانية العامة للبلاد للعام المقبل، رفع ضريبة المبيعات على عدد من السلع والخدمات من 10% إلى 20%".

وأضاف أن رفع الدعم عن المشتقات النفطية سيفضي أيضاً إلى زيادات في أسعار خدمات النقل وبعض البضائع، مشيراً إلى أن الحكومة تريد تطبيق سياسة تقشفية على حساب المواطنين.

لكن بنكيران، ووزير الاقتصاد والمالية في حكومته، محمد بوسعيد، يرفضان اتهام مشروع قانون الميزانية العامة للدولة للعام المقبل بـ"التقشف".

ورد بوسعيد على هذه التهمة، في كلمة خلال جلسة برلمانية الأسبوع الماضي، بأن "المشروع ليس تقشفياً" بدليل رفع مخصصات الاستثمار العمومي إلى 21.2 مليار دولار من 20.9 مليار دولار 2013.

غير أن بوعزة الخراطي لا يبدو مقتنعاً بدفوعات بوسعيد، إذ استبعد أن يشهد العام المقبل تخفيف الضغط على الاستهلاك المحلي الذي تحول إلى قاطرة للنمو الاقتصادي خلال السنوات الأخيرة، إثر تراجع الطلب الخارجي على المغرب بسبب أزمة منطقة اليورو.

ورأى الخراطي أن "الطبقة الوسطى هي الخاسر الأكبر من الغلاء ورفع الدعم عن المحروقات، لأن أجورها لم ترتفع رغم تنامي إنفاقها، كما أنها لا تستفيد من سكن يستجيب لانتظاراتها بسبب غلاء العقارات".

ورأى الخبير الاقتصادي محمد الشيكر، أن الحكومة حصرت أولوياتها للعام المقبل في التحكم في التوازنات المالية، بدلاً من إقرار إجراءات لصالح المستهلك.

وكان البنك الدولي قد أفاد، في تقرير أصدره نهاية العام الماضي، بأن 5 ملايين مغربي يعانون الفقر بشتى ألوانه في المغرب، يشكلون 15% من السكان، فيما يعيش 25% على عتبة الفقر، بما يقارب 8 ملايين شخص.

وقد أعلنت المندوبية السامية للتخطيط، المؤسسة الرسمية المكلفة بالإحصاء في المغرب، الأربعاء الماضي، عن ارتفاع معدل البطالة إلى 9.6% بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي مقابل 9.1% بنهاية العام 2013، حيث بلغ عدد العاطلين 1.24 مليون شخص.