دول المغرب العربي لم تكن في عشرياتها الأخيرة بعيدة عن الإرهاب. تقريبا لم تسلم أي دولة من عملياته وإن باختلاف التأثيرات، حيث كانت مدن كبيرة أمام خطره، لكن في تلك الفترة ضمن نظم سياسية متحكمة بكل قوة في الأمن ولديها أيدٍ طويلة مخابراتيا جعلتها في مأمن نسبي قياسا بما هو لاحق، لكن في العشرية الأخيرة ومع التحولات التي تشهدها المنطقة العربية، والدول المغاربية جزء منها، عاش بعضها مرحلة صعبة على مستوى الأمن تسببت في حوادث قاسية كان تأثيرها كبيرا سياسيا، ولم تستطع إلى اليوم الخروج من أزمتها بسبب تلك الأحداث. 

ليبيا وبعد الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمّر القذافي، عبر حرب قادتها قوات الناتو وحلفائها الإقليميين، كانت ساحة كبرى لتنظيمات الإرهاب بتسميات مختلفة، أغلبها خادع بمفاهيم "الثورة" ضمن خطة لاستقطاب الشباب المتحمس وغير الواعي بما يحصل من مخططات كبرى، والبقية من البداية كانوا واضحين بأنهم رافعوا لواء الجهاد والخلافة على أرض ليبيا، وأسسوا ما يشبه المعسكرات أو الإمارات الصغيرة التابعة في بداياتها للقاعدة، إلى لحظة قدوم تنظيم داعش أين نجح في احتواء أنصار تلك التنظيمات المذكورة وفتح البلاد على مرحلة من أخطر المراحل في تاريخها واستمر الأمر لأكثر من سنتين قبل أن يغير تدخل الجيش شرقا وفجر ليبيا غربا في تحجيم قوته وإضعافه لكن بنتائج لا ينتظرها الليبيون.

تونس أيضا، في السادس من مارس وفي الخامس والعشرين من يوليو 2013، عاشت على وقع حدثين مفصليين في تاريخها الحديث. في الحدث الأول اغتيل السياسي اليساري شكري بلعيد صباحا في سيارته أمام منزله وفي الحدث الثاني اغتيل السياسي القومي محمد البراهمي أيضا في سيارته أمام منزله، لتدخل تونس بعد ذلك مرحلة قاسية جدا في علاقة بالأمن والاستقرار السياسي. قبل ذلك الحادثين وحتى بعدهما وقعت عمليات إرهابية في مناطق مختلفة طالت أمنيين وعسكريين في المدن والجبال، بل وحتى محاولات لاختراق البلاد وتأسيس إمارة تابعة لداعش، مثلما حصل في مدينة بنقردان الحدودية مع ليبيا فجر 6/7 مارس 2016، لكن حادثتي الاغتيال كانت انكسارا في المسار السياسي للبلاد ولثورة عقد عليها جزء من الشعب أمالا كبيرة في التغيير.

استدعاء مثالي تونس وليبيا هنا، ليس لأنهما الوحيدان المتأثران بالإرهاب، فالمغرب والجزائر وموريتانيا بدرجة أقل، تقع فيها عمليات إرهابية، بل المثالان الأولان هنا لأنهما شهدا تحولات سياسية بشكل مختلف عن التدول التقليدي للحكم، سواء عبر تحركات اجتماعية وجدت نظاما هشا بطبعه مثلما هو حال تونس، أو عبر حرب دولية مثلما هو الحال في ليبيا، والأكثر من ذلك أن البلديْن يعانيان من أزمات متعاقبة ليس هناك تفاؤل كبير بحلها، والخيط المعقد هنا في تعميق الأزمة هو الإرهاب. فاليبيا المتأثر الأكبر بالإرهاب عانت خلال العشرية من الإرهاب. البلد بعد إسقاط "القذافي" شهد حالة من الفراغ الكبير، في ظل تفكيك الجيش والقضاء على كل المؤسسات الأمنية التي يمكن أن تضمن الحد الأدنى، وأطلقت يد المتطرفين والمافيات ليقرروا المستقبل السياسي للبلاد دون رؤية واضحة وبمحاولات محتشمة في خلق "ديمقراطية" أثبتت فشلها في مراحل لاحقة. وإلى اليوم مازال هناك إقرار بأن مرحلة الإرهاب في ليبيا هي التي خلفت كل هذه الانقسامات وعقدت الحلول السياسية وغيّبت كل مناخ للثقة بين المختلفين، وهذا جلي في كل محاولات التقريب التي سعت إليها الأطراف الإقليمية والدولية، والتي لم تعط نتائج مأمولة، وحتى المرحلة الجديدة وما حصل بعد أغسطس 2020، من تطورات مازال أمام مرحلة حاسمة قد تكون حلا دائما إذا تم الوصول إلى الانتخابات ولكنها قد تفتح البلاد أمام تنائج لا تحمد عقباها إذا لم يتحمل الجميع مسؤوليته أمام البلاد والشعب.

أما في تونس فالمسألة مختلفة إلى حد ما. صحيح أنه وقعت حوادث إرهابية ذهب ضحيتها جنود وأمنيون في فترات متعاقبة منذ 2011، لكن التأثير الكبير بدأ مع اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وتوسع الهوة بين الأطراف السياسية، وخاصة بين حركة النهضة باعتبارها حزبا إسلاميا تواجد في الحكم وكان ماسكا بوزارة الداخلية وبين بقية الطيف السياسي، الذي يتهم النهضة بالمسؤولية عن مقتل الزعيمين السياسيين المذكورين، وبالتساهل مع المجموعات المتطرفة التي كانت تتحرك في البلاد وتنصب خيامها في كل المدن، بل وشكلت ما يشبه المجموعات الأمنية وهي القطرة التي أفاضت كأس الخلافات بين النهضة ومعارضيها.

بعد ذلك بدأت الخلافات تتعمق وأفرزت تركيبات سياسية جديدة سواء داخل البرلمان أو خارجه، وفي كل ذلك كانت سهام الاتهامات والنقد تتوجه نحو حركة النهضة، التي بدورها عرفت تراجعا كبيرا في الشارع التونسي، بسبب فشلها في إدارة شؤون البلاد، ما جعلها تبحث عن تنازلات تقرّب منها بعض الخصوم وقد نجحت نسبيا في ذلك من خلال مشاركة حزب نداء تونس في الفترة التي أعقبت انتخابات 2014، لكنه بقي تحالفا هشا تكررت فيه الأزمات السياسية سواء داخل حلفها الذي ضربته الخلافات وانقسم إلى شقوق أصبحت بعد ذلك أحزبا، سواء داخل حركة النهضة التي واصلت التراجع في مستوى كتلها النيابية جعلها عاجزة عن تكوين حكوماتها بسبب حصولها على أغلبية ضعيفة، ورغم محاولاتها الكثيرة للبحث عن شريك من الكتل الكبرى في البرلمان التي كانت حاسمة في الاقتراب من النهضة، وهي ظروف أبقت على الأزمة السياسية إلى اليوم حيث تشهد البلاد أصعب فتراتها على مستويات مختلفة.