بينما تحاول الأطراف السياسية الليبية جاهدة البحث عن أرضية مناسبة للاتفاق على المسار السياسي في بلادها، تستعر الحروب والصراعات المسلحة، وتتصاعد أزمة الشرعيات بين الأجسام المختلفة في البلاد والتي طالت جميع القطاعات والمؤسسات بما فيها الاقتصادية حيث بات الصراع على ثروات ليبيا عنوانًا لواجهة الأحداث في هذا البلد المتأزم. 

ولم يقتصر الصراع المحموم في ليبيا، على إدارة البلاد، بل وصل إلى القطاع المصرفي، والذي كان آخر ضحاياه المصرف الليبي الخارجي، الذي دخل في دائرة صراع الشرعيات بين الأجسام المختلفة في البلاد والتي تمزقها الاجندات الخارجية والتعنت الداخلي، بعد أن ظل خلال السنوات الماضية تحت مظلة إدارة موحدة وبعيدا عن دوامة الإنقسامات والصراعات. 

وتأسس المصرف الليبي الخارجي كشركة مساهمة ليبية عام 1972، ويقدم المصرف عدة خدمات، أهمها القروض، وإصدار صكوك مصرفية وشخصية وغيرها. وفي مايو 2017، احتل المصرف الليبي الخارجي المرتبة الأولى عربيًا والرابعة إفريقيا ضمن قائمة أكبر 100 مصرف في أفريقيا بحسب رأس المال الأساسي، ويبلغ رأس مال المصرف 4. 46 مليار دولار وتصل موجوداته إلى 23. 7 مليار دولار. 

وفي يوليو 2018، قدم الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جائزة أفضل مصرف في أفريقيا لعام 2018 إلى المصرف الليبي الخارجي، تكريماً لمُساهماته المالية منذ بداية عام 2018 ورأس المال كذلك. وجاء ذلك خلال حفل نظمه الاتحاد الدولي للمصارف في العاصمة اللبنانية بيروت، لمنح جوائز التميز والإنجاز المصرفي العربي لعام 2018. 

وتسلم الجائزة نيابة عن المصرف الليبي الخارجي السيد هاني الزقلعي، في حفل كبير شهد حضور عدد من القيادات المصرفية العربية. ويضم الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب أكثر من 550 عضوا عاملا، وأكثر من 300 عضوا مشاركا يمثلون المهن المصرفية المختلفة في أنحاء الوطن العربي، ويعد الدار الجامع للمصرفيين العرب. 

لكن هذه الإمتيازات، لم تمنع المصرف من الوقوع في مرمى الشبهات والإتهامات من عدة أطراف. ففي مارس الماضي، اتهم مصرف ليبيا المركزي المصرف الليبي الخارجي بالمقامرة بأموال الليبيين ، وفق ما جاء رسالة صادرة عن مصرف ليبيا المركزي حصل عليها موقع "ليبيان اكسبرس". وقال مصرف ليبيا المركزي إن المصرف الليبي الخارجي يستثمر في الخارج سندات غير قانونية وضعيفة ، مما يؤدي إلى خسارة نحو 403 ملايين دولار. 

كما اتهم مصرف ليبيا المركزي رئيس مجلس إدارة المصرف الليبي الخارجي محمد بن يوسف ومجلس إدارة المصرف الليبي الخارجي باللعب بأموال الليبيين والافتقار إلى الكفاءة اللازمة في السوق المالية وفي إدارة الاستثمارات في الخارج. وجاء في الرسالة أيضا، "نشعر بالحيرة بسبب عدم الاهتمام بالحاجة إلى عقد اجتماع لمناقشة الوضع الخطير الذي وضعت فيه إدارة المصرف الليبي الخارجي ليبيا وأصولها". 

وبالتزامن مع ذلك، إتهم تقرير للأمم المتحدة المصرف الليبي الخارجي، بإصدار مجموعة من الاعتمادات المستندية غير القانونية لصالح شركات تعمل لدعم جماعات مسلحة. وقال التقرير إن "قيمة الاعتمادات المستندية التي أصدرها هذا المصرف بلغت مليار دولار أيضا حتى سبتمبر 2016"، مشيرا إلى أن مديري هذين المصرفين تعرضوا لضغوط كبيرة". 

وأوضح التقرير أن "المصرف الليبي الخارجي" و"مصرف الجمهورية" أصدرا عشرات الاعتمادات المستندية لشركتي (الوتر) و(حدائق طرابلس)، على التوالي، وتعود ملكية الشركتين إلى الفرد نفسه، وهو أبوبكر الطاهر أبوبكر بوسهمين. ووفقًا لعدة مصادر، أقام بوسهمين علاقات تجارية مع مجموعات مسلحة في طرابلس استغلت نفوذها في العاصمة بغية إجبار المسؤولين التنفيذيين في المصارف على إصدار اعتمادات مستندية لا تمتثل لأنظمة المصرف المركزي". 

من جهته، رفض المصرف الليبي الخارجي ، تقريرا فريق الخبراء الأممي، وقال المصرف أنه قام بمخاطبة رئيس مجلس الأمن بالأمم المتحدة و كذلك فريق الخبراء التابع لبعثة الأمم المتحدة المعني بليبيا ، مطالبا برد مفصل يفند معلومات أوردها تقرير لخبراء ، يحمل اتهامات طالت المصرف على خلفية إصداره لمجموعة من الاعتمادات المستندية غير القانونية حسبما جاء في التقرير لصالح شركات تعمل لدعم جماعات مسلحة. 

وقال المصرف الليبي الخارجي في بيان حصلت "بوابة افريقيا الاخبارية" على نسخة منه ، إنه يصنف من ضمن المؤسسات الدولية ، ويمثل في أعماله لمتطلبات الحكومة ، من خلال لجانه التابعة لمجلس الإدارة و الإدارة التنفيذية ويولي أهمية بالغة بمجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ، من خلال وحدة المعلومات المالية (وحدة مكافحة غسل الأموال) ، مؤكدا أنه ملتزم بالمتطلبات الدولية والامتثال لما ترفضه. 

وفي مؤشر جديد على دخول المصرف الليبي الخارجي في دائرة الصراع، أعلن محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير في طرابلس، في 13 أغسطس 2018، إقالة مجلس الإدارة والمدير العام للمصرف الليبي الخارجي، برئاسة بن بركة وتعيين مجلس إدارة جديد بدلا عنه برئاسة نجيب الجمل المقرب من محافظ مصرف ليبيا المركزي في طرابلس الصديق الكبير. 

وفي المقابل، أعلن موظفون في المصرف الليبي الخارجي رفض إقالة المدير العام ومجلس إدارة المصرف، وقاموا بالتوقيع على بيان تم تقديمه إلى النائب العام، والمدعي العام، وديوان المحاسبة. وأكد بيان الموظفين أن هناك مؤامرات تحاك ضد المصرف الليبي الخارجي، المؤسسة الوحيدة التي ما زالت متماسكة وموحدة ولم تشهد أي انقسامات طيلة الفترة السابقة وحتى تاريخه. 

وأعلنوا رفضهم المساس بمجلس الإدارة والمدير العام من أجل المحافظة على المؤسسة الليبية الموحدة، وخاصة أنها هي التي تستلم إيرادات النفط وأي خلل فيها سيؤدي إلى اتخاذ إجراءات بإيقاف التعامل مع البنوك الدولية، وهو ما قد يكون له تأثير سلبي على الدولة الليبية بشكل عام. 

وجذب هذا الصراع الجديد الاهتمام الأوروبي والدولي، حيث إهتمت نشرة "مغرب كونفيدونسيال"الفرنسية، بخفايا وكواليس هذا الصراع. وأكدت النشرة، أن الصديق الكبير يبدو مصممًا على "تركيع" إدارة المصرف الخارجي الليبي، وهي المؤسسة المالية ذات البعد الاستراتيجي الفعلي. وبينت النشرة أن "هدف الكبير الذي يوجه تشكيكًا متناميًا في أدائه هو التشبث بمنصبه"، مضيفة أن محاولته التي رفضها مجلس إدارة مصرف ليبيا الخارجي، إقالة محمد بن يوسف المدير العام للمصرف، تهدف في الواقع إلى السيطرة والتحكم في قطاعين حيويين يدريهما هذا المصرف بالنسبة للاقتصاد الليبي. 

وأوضحت النشرة أن الكبير اتهم محمد بن يوسف بـ"عمليات استثمارية غير سوية" في الخارج وشراء سندات غير مضمونة، كما اعتمد على تقرير لديوان المحاسبة. وقالت النشرة إن المصرف الليبي الخارجي شكك في مصداقية تقرير ديوان المحاسبة نفسه، وقال إن المصرف المركزي عمد إلى تسريب مضمونه إلى وسائل الإعلام. 

وكان المصرف الليبي الخارجي، قد عبر في بيان له، عن استغرابه لتسريب مسودة أولية لتقرير ديوان المحاسبة بشأن عمل المصرف. وهدد المصرف بوضع من قام بتسريب المسودة الأولية للتقرير وعمل على نشرها تحت طائلة المُساءلة القانونية باعتباره خرقاً لقوانين العمل الرقابي والسرية المصرفية علاوة على كونه جريمة اقتصادية في حد ذاتها تمس الأمن القومي الليبي "وفقا لنص البيان". وأكد المصرف الليبي الخارجي على جاهزيته للتوضيح والرد على جميع التساؤلات الواردة بالمسودة، كما يؤكد على اتباعه للطرق القانونية والإدارية للرد على جميع الجهات الرقابية. 

وذهبت نشرة "مغرب كونفيدونسيال"، إلى أن "مجمل تحركات الكبير تهدف في الواقع للحفاظ على منصبه في مواجهة محمد شكري المدعوم من البرلمان في طبرق ومن فرنسا". وأضافت أن "الكبير سيسعى إلى تجديد دعم الدبلوماسيين الإيطاليين وبريطانيا والولايات المتحدة له"، حيث نقلت عن مصادر قولها:"إن الكبير ذهب إلى روما في 24 يوليو الماضي وسيعود في نوفمبر المقبل". 

وأكدت النشرة أن الأمر الذي قد يتغير هو أن "واشنطن تتجه إلى تغيير موقفها تجاه الكبير، وأن مساعدة المبعوث الأممي، الأميركية ستيفاني ويليامز، اجتمعت مؤخرًا بشكل غير معلن مع المشير خليفة حفتر وجرى التوصل معه إلى صفقة يكون الكبير ضحيتها". كاشفة عن أن المبعوث الأممي غسان سلامة سيخضع قريبًا لمساءلة صارمة، حين يقدم تقريره السنوي أمام مجلس الأمن يوم 9 سبتمبر المقبل، وهي خطوة إلزامية قبل تجديد مهمة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا. 

ويأتي هذا الصراع الجديد وسط تصاعد حالة الانفلات الأمني التي تشهدها ليبيا منذ العام 2011 ، وخاصة في العاصمة الليبية طرابلس، التي ترزح تحت وطأة الميليشيات المسلحة التي تتنازع فيما بينها للسيطرة على مؤسسات الدولة وسط عجز حكومي. وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم بليبيا، إتهمت مؤخرا حكومة الوفاق بالتواطئ مع الميليشيات المسلحة. 

وأعبت البعثة في بيان لها عن "إدانتها الشديدة لأعمال العنف والتخويف وعرقلة عمل المؤسسات السيادية الليبية من قبل رجال الميليشيات"، الذين يشكلون ما يعرف بـ"كارتيل طرابلس"، في مقاربة مع وفاق الوطني، المؤسسات السيادية ويمنعونها من أداء عملها بشكل فعال"، مؤكدة أن "التدخل في عمل المؤسسات السيادية وفي الثروة الوطنية الليبية أمر خطير ويجب أن يتوقف على الفور. 

وتعاني ليبيا، أحد أهم منتجي النفط في إفريقيا، من أزمات متلاحقة حيث تعرضت ثروات البلاد خلال السنوات الماضية، لعمليات سلب ونهب من طرف الميليشيات وعمليات الفساد. ويأمل الليبيون في أن يتم تأمين ثروات البلاد، وإنهاء خطر المليشيات، وتوحيد مؤسسات الدولة وعلي رأسها المؤسسات الاقتصادية.