بعد سنوات طويلة من الانقسامات والصراعات التي ادخلت البلاد في دائرة الفوضى والأزمات على جميع الأصعدة،تتجه ليبيا الى مرحلة جديدة بعد انتخاب حكومة وحدة هدفها توحيد مؤسسات الدولة واستعادة الاستقرار تمهيدا للاستحقاقات السياسية.وتطرح المصالحة الوطنية كأولوية في المرحلة القادمة كونها بوابة للخروج بالبلاد من ازماتها وتحقيق الوحدة.

تطور جديد ومهم شهدتها ليبيا اليوم مع أعلان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة حكومة شرعية ليبية واحدة في البلاد.وحصلت حكومة الوحدة الوطنية ثقة النواب الأسبوع الماضي.وتتألف حكومة الدبيبة، التي تسعى لتكون ممثلة لجميع الليبيين، من نائبي رئيس الوزراء، و26 وزيرا، وستة وزراء دولة.

وأدى اليوم الإثنين رئيس وأعضاء الحكومة اليمين الدستوري بمقر مجلس النواب بمدينة طبرق، أمام رئيس وأعضاء مجلس النواب، بحضور رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي ورئيس المحكمة العليا ورئيس مجلس ادولة. وشارك في جلسة أداء اليمين عدد من ممثلي بعثة الأمم المتحدة وسفراء دول غربية.

وقال  رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في كلمة له عقب أداء الدبيبة وأعضاء حكومة الوحدة لليمين الدستورية أمام مجلس النواب في طبرق، :"أعلن ميلاد حكومة جديدة لخدمة ورعاية الليبيين، حان الوقت لنتسامح في ليبيا، علينا أن نبدأ ببناء الدولة الليبية بعد تحقيق الأمن في البلاد، حان الوقت للمصالحة الوطنية وبناء الوطن وإتاحة الفرصة للجميع دون إقصاء أو تهميش".

من جانبه،أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبه بدء صفحة جديدة عنوانها الوحدة الوطنية والتنمية وتوفير الخدمات.وأعرب الدبيبه عن سعادته بما شهدته مراسم أداء الحكومة اليمين الدستورية من استحضار للروح الوطنية والشعور بالمسؤولية تجاه الشعب الليبي، الذي يعقد الكثير من الآمال على توحيد سلطاته التنفيذية والتشريعية للخروج بالبلاد من مأزقها ولكي نبدأ معا صفحة جديدة عنوانها الوحدة الوطنية والتنمية وتوفير الخدمات.بحسب المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية.

وتطرح المصالحة الوطنية كأولوية للحكومة الجديدة حيث أكد رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، أن الحكومة الجديدة أمامها مهام كبيرة، وأنها مكلفة بتهيئة المناخ المناسب لإجراء الانتخابات العامة نهاية هذا العام.وقال المنفي: "نؤكد على المصالحة المجتمعية والمواطن ينتظر تحسين ظروف معيشته، نسعى لتكوين نواة تحقق مصالحة حقيقية في بلادنا".

وشهدت ليبيا انقساماً حاداً منذ اندلاع الأزمة في العام 2011، وتغلفت البلاد بمشاهد العنف المتكررة خلال السنوات الماضية، ما تسبّب في نمو غريزة الكراهية بين أبناء المجتمع الليبي. حيث انتشر العنف بكافة أشكاله في ليبيا خلال الأعوام الأخيرة،وأسفر عن سقوط العديد من الضحايا وساهم في زيادة التفكك الاجتماعي.

ويرى مراقبون،ان المصالحة تمثل اولوية قصوى وان تحقيقها يشترط ىليات وتدابير معينة من شأنها القطع مع الاحداث التي شهدتها السنوات الماضية.في هذا السياق، أكد المحلل السياسي سعيد رشوان أهمية إطلاق سراح السجناء وإلغاء كل القوانين المعيبة التي فرضتها أقلية وشكلت عائق كبير في وجه المصالحه الوطنيه والاستقرار.

وقال رشوان في تدوينة له بموقع "فيسبوك" "الشئ الأهم والمرحب به من كل الليبين هو توحيد السلطة وفتح الرحلات الداخليه بين المدن الليبيه وطوي صفحة الحرب والمقاطعه بين   الاقاليم والمدن".وأضاف رشوان "تبدأ المرحلة المهمة الأخرى هي إطلاق سراح السجناء وإلغاء كل القوانين المعيبة التي فرضتها أقلية وشكلت عائق كبير في وجه المصالحه الوطنيه والاستقرار".

وبدوره،أكد المتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية المبروك أبو عميد ضرورة المحافظة على وحدة ليبيا وسيادة شعبها وتحقيق المصالحة.وشدد أبو عميد في تصريحات صحفية، على رفض القبائل المطلق لوجود أي قوات أجنبية على أراضيها وأهمية الدفع باتجاه المصالحة الوطنية التي تقوم على حسن النوايا بإطلاق سراح المعتقلين وعودة المهجرين.

وأشار المتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى للقبائل إلى أهمية تنفيذ قرارات المؤتمر العام للقبائل والمدن الليبية الذي تأسس عام 2014 بمدينة العزيزية، والذي شدد على أهمية المصالحة الوطنية وتفكيك المليشيات ودعم القوات المسلحة الليبية والأجهزة الأمنية والشرطية.

وفي سياق متصل،أعلن رئيس المؤسسة الليبية للإعلام محمد بعيو إطلاق المؤسسة مبادرتها الهادفة إلى إنجاز وتحقيق الـمـصالـحـة الإعـلامـيـة الـوطـنـيـة الـشـامـلـة،وبيّن رئيس المؤسسة أن المبادرة المذكورة أساسها لــيـبـيــا فوق وقبل كل الانتماءات والولاءات والأجندات، وغايتها إعلاء شأن لــيـبـيــا وقيمتها ومكانتها، ووسيلتها صدق النية وصلاح العمل.

وأكد بعيو أن المصالحة الإعلامية الوطنية الشاملة لا تهدف إطلاقاً إلى فرض الرؤية الواحدة والخطاب الواحد والصوت الواحد، أو إلغاء الخصوصية التي تُميّز، والتمايز الذي يُثري، أو الحد من الحريات الشخصية والتعبيرية،بل تهدف إلى جعل سلام وسلامة الوطن واستقراره وازدهاره، سقفاً مرفوعاً لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه، وجعل التنابز والتنابذ والتحريض والتكريه والفتنة، حضيضاً مكروها لا يجوز للإعلام الليبي والإعلاميين الانحدار إليه.

وشدد بعيو على أهمية المصالحة مع انطلاق مسيرة العمل الوطني الجامع، بإعادة إنتاج وتكليف السلطة التنفيذية الجديدة، المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، والتئام السلطة التشريعية في مدينة سرت، واعتزام وإصرار الشعب الليبي، ودعم العالم، على إجراء وإنجاز الإنتخابات الوطنية العامة، يوم 24 ديسمبر2021.

وتحضى التطورات السياسية التي تشهدها ليبيا بدعم محلي ودولي واسع وسط ترحيب وآمال كبيرة بانفراج الأزمة المستعصية في البلاد منذ سنوات.ويشير كثيرون الى أن الحكومة الليبية الجديدة ستواجه الكثير من الملفات الحارقة والتحديات وأن اولويتها يجب ان تكون تحقيق المصالحة الوطنية لأنها الضامن الوحيد لاصطفاف كل مكونات الشعب الليبي خلف حكومته والبدئ في اعادة بناء الدولة وتحقيق مستقبل افضل.