منذ بدء العملية العسكرية الأخيرة التي بدأت في الرابع من أبريل من السنة الماضية والتي قرر فيها الجيش الليبي بسط السيطرة على العاصمة طرابلس، ارتفعت أصوات العديد من الدول التي أحست بأن مصالحها في ليبيا أصبحت في مهب الريح لارتباطها بمن يسيطرون على طرابلس المتمثلين في حكومة الوفاق وزعماء التنظيمات المسلحة على حد سواء.

ولعل أبرز هذه الأصوات صدرت من انقرة واسطنبول، لتكشف حقيقة المشروع التركي في ليبيا والمنطقة، فكانت أبرز المعارضين لتلك العملية، بل أن الدور التركي تجاوز التدخل في الشأن الليبي "المستباح أصلا"، ليصبح غزوا خارجيا متكامل الأركان، لمحاولة عرقلة تحرك الجيش الليبي، الأمر الذي بعثر الأوراق وغير الكثير من المعطيات ومدد زمن المعركة حتى أنها دخلت منعرجات عدة.

ولمناقشة أهداف الجيش الليبي، ومراحل عملية الكرامة، ومن ثم معركة طرابلس، والغزو التركي، وآخر المستجدات، واستشراف المستقبل أجرينا هذا الحوار مع المتحدث الرسمي باسم قيادة القوات المسلحة العربية الليبية أحمد المسماري، وكانت مجريات الحوار على النحو التالي:


بداية.. ما مستجدات العمليات العسكرية في طرابلس في ظل الهدنة؟

"الهدنة انتهت بشكل ميداني".. ولا نقول بشكل رسمي لأن هذا يحتاج إلى بلاغ وقرارات ولكن يمكننا القول بإنها انتهت ميدانيا، وخلال الـ48 ساعة الماضية، رصدت إدارة الاستخبارات العسكرية وجود تحشيد كبيرة للمليشيات في شرق مصراتة، كما تم رصد قيام المليشيات التركية بتركيب تقنيات عسكرية مثل رادارات، ومحطات صواريخ للدفاع الجوي، وغيرها ومن ثم قامت القيادة العامة للجيش بإصدار الأوامر بالرد على هذه الخروقات وتدمير هذه الأهداف على الفور، ولا زالت العمليات مستمرة لتدمير باقي الأهداف التي تشكل تهديداً عسكريا لقواتنا شرق مدينة مصراتة، ويعد تحرك هذه القوة وتركيب هذه المعدات خرقاً للهدنة المعلنة منذ 12/1/2020م، والتي تمكسنا وقت قبولنا بها بحقنا في الرد القاسي، وبالتالي تركيب هذه المعدات والصورايخ والمنظومات هو خرق للهدنة ولذلك قمنا بتدميرها.

أردوغان والإخوان لا يريدون السلام

برأيك من المستفيد الأكبر من الهدنة؟

نحن كعسكريين نقاتل باستمرار، ومعركتنا لم تتوقف، وكل يوم هناك خروقات ونقوم بالرد عليها، ولكن الالتزام أمام المجتمع الدولي بالهدنة أعطى فرصة للمليشيات لإدخال الكثير من الإرهابيين، والأسلحة، والمعدات من تركيا إلى غرب ليبيا، فأردوغان استفاد كثير من الهدنة، وتحصل كذلك على الوقت اللازم، وهو كان بحاجة لهذا الوقت، وللأسف عندما كنا في برلين لتوقيع الهدنة كان أردوغان حاضر في المؤتمر، وفي ذات الوقت كانت عمليات نقل الأسلحة إلى ليبيا مستمرة أثناء توقيع البيان، وكانت الأسلحة تصل إلى طرابلس ومصراته، وهذا يدل دلالة قاطعة على أن اردوغان والإخوان، لا يريدون السلم، ولم تكن لديهم من البداية النية لذلك، ولكن نحن جاهزون باستمرار ونقوم بالرد بالقصف والتدمير على أي عمليات إنزال وتركيب لمعدات عسكرية في الأراضي الليبية.

البعض يتساءل لماذا تم القبول بالهدنة؟ 

معركة طرابلس هي معركة شاملة، وتختلف بشكل كبير عن معركة بنغازي التي استمرت لنحو 4 سنوات، ومن أبرز الاختلافات في معركة طرابلس وجود أطراف دولية ضمن المعركة مثل تركيا وإيطاليا التي لديها مستشفى ميداني في مصراتة ولا نعرف نواياها، كذلك التحرك في تونس والذي أصبح تحرك مشبوه جدا، وخاصة في مناطق جنوب تونس الواقعة خارج سيطرة الحكومة التونسية وهذا الأمر معروف للجميع، إضافة إلى ذلك وجود دول عظمى أصبحت لها تدخلات في الشأن الليبي، وبالتالي كان حتما علينا الذهاب مع المجتمع الدولي الذي يطالب بالسلام في ليبيا، ويحاول تقديم صورة مشوهة للقوات المسلحة على أنها غازية وتسعى للسلطة، وقبولنا للهدنة رسالة للعالم عكس ذلك مفادها أن حربنا ليست من أجل السلطة، وأن القيادة العامة للجيش مع أي مساعي حميدة لحل الأزمة الليبية، وكذلك إقناع العالم بأن الأزمة في ليبيا هي أزمة أمنية، وأي توصيف غير ذلك هو توصيف خاطئ، وهو ما أضر بسلامة، وكوبلر، وليون، لعدم توصيف الأزمة الليبية بتوصيفها الصحيح.

هل كانت طرابلس جزء من الخطة الشاملة لعملية الكرامة التي انطلقت في 2014؟

منذ أن تم إطلاق عملية الكرامة أعلنت القيادة العامة للجيش الليبي عن أهداف العملية بشكل رسمي، "فأينما كان الإرهاب والجريمة تكون القوات المسلحة العربية الليبية لمحاربته"، وطرابلس تعد صفحة من صفحات هذه الحرب، وهي مرحلة من مراحل عملية الكرامة، لقتل واجتثاث الإرهاب في ليبيا، ومن ثم دخول الشرطة وتسليم المدينة للحكومة الليبية وللشعب الليبي، ومن ثم ستذهب القوات المسلحة إلى مهمة أخرى في مدن ليبية أخرى.

ما هي المدن الليبية التي مازالت تضم بؤر إرهابية حتى الآن؟

هناك مدن لازالت تعاني من الإرهاب والإرهابيين مثل الزاوية، صبراتة، زوارة، ولعل من أخطر التهديدات الآن، هو ما تم رصده مؤخرا حول الوجود التركي في مناطق جنوب تونس، ورصد قواعد تركية تقوم مجموعات بالخروج منها في الليل والفجر في قوارب سياحية، والانتقال إلى منطقة أبوكماش وزوارة، هذه المجموعات التي تم رصدها تضم خبراء وعسكريين أتراك، يقومون حاليا بتركيب قواعد في هذه المنطقة، ونحن نعتقد أنهم يقومون بتهيئة مكان جديد تحسبا لخسارتهم في طرابلس، فإذا خسروا معركتهم في طرابلس يجدون مكان جديد للانتقال إليه على الحدود الليبية التونسية، مما يمثل تهديد كبير للأمن التونسي والليبي ويعد تصعيد جديد خطير للغاية.

ماذا يريد أردوغان من ليبيا؟ 

أردوغان يحلم بأن يكون خليفة المسلمين، ويسعى إلى ضرب الدول المتقدمة ليكون قوة إسلامية مؤثرة في المنطقة، وذلك ردا على رفضه في الاتحاد الأوروبي، ويقوم الآن بمساومة الاتحاد الاوروبي مقابل الانسحاب من ليبيا ومن سوريا ويهدد بملف الهجرة إلى أوروبا، ويستخدم كل هذه الأوراق للضغط على أوروبا

بعد استقالة المبعوث الأممي غسان سلامة.. هل تتأثر مشاركتم في المسار العسكري بجنيف؟

الآن دور الأمم المتحدة متوقف، ونحن في كل الأحوال قدمنا للمبعوث الأممي غسان سلامة ورقة الشروط الخاصة بنا للقبول بأي حوار عسكري والتي يأتي في مقدمتها القضاء على الإرهاب، وحل المليشيات، وإخراج الأتراك، وإنهاء التواجد أو التدخل التركي في المشهد الليبي، ولازلنا متمسكون بهذه الشروط.

شروط الجيش للهدنة ثوابت وطنية 


البعض يصف شروطكم بـ"التعجيزية" فما ردكم؟ 

ليست تعجيزية، كل شروطنا هي شروط مقبولة وهي ثوابت وطنية للقيادة العامة للجيش الليبي ومعلنة منذ 2014 وتتلخص في محاربة الإرهاب والقضاء عليه واجتثاثه من الأراضي الليبية، وحل وفك المليشيات، وأخيرا –بعد التطورات الجديدة في معركة طرابلس- أصبح هناك إضافة ضرورية في هذا الملف وهو محاربة الغزو التركي، ومقاومة التواجد التركي في ليبيا واخراج تركيا من المشهد الليبي، ونحن لا يمكن أن نوقف عملياتنا التي قدمت من أجلها تضحيات رجال وشباب من خيرة أبناء القوات المسلحة قبل أن يتم تحقيق أهدافها المعلنة


هل لديكم رؤية أو تصور لفك المليشيات المسلحة دون تدخل عسكري؟

مهمتنا الرئيسية هي القضاء على الإرهاب، والأمم المتحدة إذا تمكنت من تنفيذ هذا وإقرار الشروط أو "الثوابت الوطنية" التي وضعتها القيادة العامة للجيش الليبي في محادثات 5+5، وأصبح ذلك في قرار رسمي، بحل جميع المليشيات المسلحة واستثناء الحرب على الإرهاب من أي اتفاق لوقف اطلاق النار في ليبيا، وإخراج الأترك من الأراضي الليبية، فكفا الله المسلمين القتال، ونؤكد نحن ليست مهتمنا هي احتلال طرابلس ولم يكن يوما هدفا أو مهمتنا هي احتلال طرابلس، أو سرت، أو الجفرة، فمهتمنا الرئيسية هي القضاء على الإرهاب في ليبيا.  

ماهي رؤية المؤسسة العسكرية لحل وتفكيك المليشيات المسلحة؟

أولا.. تفكيك المليشيات، وهو إلغاء المليشيا بصفة عامة، وجمع سلاحها إلى مخازن القوات المسلحة، وثانيا الأفراد.. فيما يخص الأفراد سيتم تصنيفهم فهناك من لديه متابعات قانونية، وهؤلاء سيتم إحالتهم مباشرة إلى وزارة الداخلية وإلى القضاء الليبي، ولكن هناك عناصر أخرى ليست لديها أي جرائم أو أي خروقات في الأمن العام، وتنطبق عليه لائحة التجنيد في الجيش الليبي، وبالطبع هناك لائحة تجنيد محكومة بمواصفات مثل الطول، والوزن، والعمر، والوضع الصحي، وغيرها، وإذا انطبقت على هؤلاء الأفراد هذه المواصفات يتم دمجهم في المؤسسات العسكرية، مثلما فعلنا في بنغازي، فإذا نجح أي فرد في الكشف الطبي والمقابلة الشخصية يتم نقله إلى مركز تدريب، أو المدرسة العسكرية، أو الكلية العسكرية، كلا حسب مستواه.

كما أن هناك إدماج بطرق أخرى، فليست كل المليشيات تذهب إلى الجيش، هناك أبواب أخرى، هناك المؤسسات المدنية والإنتاجية، وهناك ما يسمى بالقروض البسيطة والمصانع، هناك معالجات كثيرة، وهناك دول عدة لديها تجارب في هذا الشأن يمكننا الاستفادة من تجاربها والسير في هذا الاتجاه.

ماذا عن زيارة وفد من الحكومة الليبية وما تداول بشأن زيارة عسكريين إلى سوريا؟ 

نحن نفينا بشكل قاطع ما تداول بشأن زيارة أي عسكريين أو ضباط إلى سوريا، ولكن الآلة الإعلامية الإخوانية، تعمدت القيام بنشر أخبار مفادها أن القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر وجه الحكومة الليبية لزيارة سوريا وأن هذه الزيارة خرق للقرارات الدولية، ولكن الحقيقة هي أن القيادة العامة للجيش لا علاقة لها على الاطلاق بهذا الموضوع، فالحكومة الليبية المنبثقة عن البرلمان الليبي، لديها سياستها وأعمالها وتقوم بها بشكل حقيقي، والقيادة العامة لم تذهب سواء على مستوى القائد العام، أو على مستوى أي ضباط، أو عسكريين إلى سوريا، وهذا الكلام مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة وتأتي في إطار الحرب الإعلامية والبروبجاند ضد الجيش.

ومن جهة أخرى سوريا دول شقيقة وصديقة، وما يحدث في سوريا مطابق بشكل كبير لما يحدث في ليبيا، فهناك تدخل التركي في الدولتين، وتدخل للقاعدة وداعش، واستغلال الشباب وتوظيفهم في حرب الوكالة ضد الأنظمة، فنحن متفقين مع سوريا تماما في الحرب على الإرهاب ومقومة الاحتلال التركي.

برأيك.. هل من الممكن إعادة تكرار سيناريو غريان في سرت؟ 

من الصعب جدا، ففي غريان تعاملنا بنوع  من حسن النوايا، لكن سرت ليست كغريان، فمنذ التاريخ عرف عن مدينة سرت الوفاء بالعهود، ولا نعتقد أن تخون سرت القوات المسلحة الليبية، كما أن جميع المتطرفين في سرت هربوا وفروا منها وما تبقى منهم تم إلقاء القبض عليهم بالكامل، ولا ننسى أن الحاضنة الشعبية للقوات المسلحة في سرت قوية جدا، وما يدعم ويؤكد هذا هو ذهاب كل قبائل سرت إلى ملتقى ترهونة وبالتالي إبراز سرت ضمن المكون السياسي الاجتماعي الليبي، لكن في غريان كانت هناك شكوك في نوايا سيئة وذلك على الرغم من وجود الكثير من الوطنيين في غريان، ويوجد الكثير من أهالي غريان الذين أنقذوا وقدموا المساعدة إلى أبناء القوات المسلحة الليبية.