"للكلمة الشاعرة تأثيرها الإيجابي ولا شك، متى أخلص الشاعر في توجيهها والتعبير بها عن الهم الإنساني منحازا إلى الإنسان أولا وأخيرا، فأن ذلك سيكون له دور في التغيير الإيجابي في المجتمع"، بهذه الكلمات وصف الشاعر الليبي محمد المزوغي في حوراه مع بوابة أفريقيا الإخبارية دور الثقافة في حل الأزمات في البلاد، مؤكدا على ضرورة أن يرأس المؤسسات الثقافية الليبية مثقفون معنيون بالهمّ الثقافي ولديهم القدرة على الإدارة وتوفر لهم الإمكانات الضخمة، حيث أن الثقافة القادرة على التغيير لابد أن تكون أوّلا قادرة على الوقوف. 


وإلى نص الحوار: 

بداية.. كيف تقيم واقع الثقافة الليبية اليوم؟ 

الثقافة الليبية من حيث المنجزُ الإبداعيُّ جيدة إلى حدّ ما ولكن من حيث المؤسسات الثقافية واهتمامها بالمبدع ورعايتها له دون المستوى بكثير ولعل ذلك مرجعه إلى عدم الوعي بأهمية الثقافة ودورها الفاعل في تقليل هوّة الخلافات وطرح الحلول وإيضاح الرُّؤى التي تسهم كثيرا في حل الأزمات، المسؤولون هم أناس لم تجلبهم الكفاءات بقدر ما جلبتهم الولاءات والمحاصاصات وبالتالي من الطبيعي أن يكون نتاج هذا هو ما نراه من تخبط على جميع الصعد. 


برأيك.. ما هي أسباب الأزمة الثقافية في ليبيا؟ 

لعلي أجبت على هذا السؤال في ثنايا الإجابة السابقة لكن لا بأس من الاستفاضة والإضافة وأظن أنّ علينا أوّلا معرفة ماهيّة الكائن الذي نسميه ثقافة هل هو مجرد تكديس لمعلومات وحشد لمجموعة من المصطلحات يلوكها المرء على لسانه ليُسمّى مثقفا أما أنها اختزال للمعرفة الإنسانية واستيعابها والتماهي معها لتنتج في النهاية مجموعة من قيم الحق كالحرية والعدل والانتماء وتقبل الآخر إنسانيا، والإيمان بكل هذه القيم وسواها والدفاع عنها واستخدامها لتشكيل وجدان أمّة تدافع عن قيمها وهويتها وتقف سدًّا منيعا في وجه محاولات الاستلاب. 

إنّ الثقافة بهذا المفهوم تكاد لا تُرى في زوايا الوعي الليبي لأسباب عدة منها سيطرة الانتماء الفردي والقبلي في مقابل الانتماء المجتمعي والتعصب المقيت للأنا في مقابل الآخر أيّا كان الآخر، وهذا بالطبع نتيجة لمقدمات تراكمية تتعلق بالبعد عن الثقافة كقيمة وسلوك والتلبس بها كمظهر وقشور.


ماذا عن تأثير الحرب والانقسام السياسي على الحقل الثقافي وعلى المبدع الليبي؟ 

من الطبعي أن تؤثر الحرب والانقسامات السياسية على الثقافة لأنها تنتج في الغالب صنفين من المثقفين؛

- الأول مثقف السلطة الذي يتحول إلى أداة طيّعة في يد السياسي يوجهه حيث شاء وكيف شاء ولا علاقة لهذا الصنف بالثقافة بمفهومها الحقيقي 

- الثاني المثقف المنزوي خوفا على حياته وحياة أسرته فلا يستطيع ممارسة الثقافة كفعل إنساني حضاري.

وأخشى أن لا يوجد صنف ثالث قادرٌ على الصمود في وجه القمع غير المعقول الذي يشهده المواطن العربي.


الحروب عادة رغم جانبها المأساوي تمثل مادة محفزة لتفجير العديد من الأعمال الثقافية الأدبية وغيرها؟ هل ترى ذلك في ليبيا؟ 

نعم وتماهيا مع مقولة المفكر العربي محمود المسعدي :"حيث لا مأساة لا أدب" فقد أنتجت الحرب بعض الأعمال الإبداعية والتي تشكل إضافة مهمة للنتاج الإبداعي الليبي منها على سبيل المثال رواية حرب الغزالة للروائية عائشة إبراهيم المرشحة لجائزة بوكر لهذا العام.


هناك مشكل في عدم بروز الكثير من الاعلام الثقافية الليبية على المستوى العربي والدولي؟ ماهي الأسباب لذلك؟ 

هذا المشكل بالذات سببه الأول المؤسسات الثقافية التي لا تنحاز للمبدع الليبي ولا توليه اهتمامها على الرغم من أنها تتحدث باسمه وتستمد شرعية وجودها منه شخصيا


ما هو تقييمك للمنجز الشعري في ليبيا؟ 

المنجز الشعري في ليبيا يمرُّ بفترة صحوة وهناك قصائد كثيرة تتشكل الآن في ديوان الشعر الليبي بأقلام شابة مثل هود الأماني، وحسن إدريس، ويوسف سليمان، وفاطمة الرقعي، وفاطمة عموم، وأيوب البرعي، وعصام الفرجاني، وفاطمة العويمري.

بالإضافة إلى أقلام سابقة كعمر عبد الدائم وعلاء الدين الأسطى ومنى الساحلي والقائمة تطول من الأجيال السابقة واللاحقة، المنجز الشعري بخير لكن من يعنيهم الأمر لا يهتمون ويبدو أن هناك قصدية وتعمدا في أن يظل هذا المنجز في الظل.


يبدو الشعر الشعبي أكثر حضورا في الساحة الثقافية الليبية.. أين تبدو نقاط ضعف الشعر الفصيح؟

مرّ الشعر الفصيح بفترة اعتنق فيها الغموض طريقة ومذهبا وأغرق في ذلك إلى الحد الذي أصبح الشعراء أنفسهم لا يفهمون ما يقوله زملاؤهم ولا حتى ما يقولونه هم، حاولت القصيدة أن تتقمص دور الموسيقى تحسُّ بها ولا تفهمها ولكنها فشلت فشلا مدويّا وضربت على نفسها سورا عاليا من العزلة حيث فقدت أهم ما يمنحها مبرر الوجود وهو القاريء الذي أدار لها ظهره وذهب يبحث عن الشعر الذي يعبر عنه فوجده في الشعر الشعبي والمحكي.

هذه الإشكالية لا تخص الشعر في ليبيا وحسب بل تنسحب على الشعر الفصيح في كل الدول الناطقة بالعربية، وهذا ما دفع الجيل الجديد من الشعراء إلى ابتكار نصِّ يجمع بين الأصالة والمعاصرة فكانت القصيدة العمودية الحديثة وأنا أسميها عمودية تجوّزا إذ أنها لا تنقاد لشروط العمود كما حددها المرزوقي في مقدمة الحماسة، هذه القصيدة تخلص لوزن الشعر العربي ولكنها تخاطب القاريء بلغته اليومية وتعبر عنه وقد استعادت جمهور الشعر العربي إلى حدّ ما.

هذه التجربة بدأت بالبردوني ثم تبنها كثيرون في مصر وليبيا واليمن والسودان وسوريا والسعودية وكثير من الدول وأنتجت أسماء مهمة منهم على سبيل المثال لا الحصر: أحمد بخيت، وحسن شهاب الدين من مصر، ومحمد عريج من المغرب، ومحمد عبد الباري من السودان، ويحيى حماد من اليمن، وسالم شرفي وهندة محمد من تونس، وغيرهم كثير. 

الآن نستطيع أن نقول : إنّ الذين يكتبون هذه القصيدة يصلون إلى أكثر من ألف شاعر ولكنها قصيدة مازالت لم تنتج نقادها بعد.


هل للشعراء دور ممكن في الدفع نحو حل الأزمة الليبية؟ أو المساهمة في أي تغيير إيجابي في المجتمع؟ 


نعم للكلمة الشاعرة تأثيرها الإيجابي ولا شك متى أخلص الشاعر في توجيهها والتعبير بها عن الهم الإنساني منحازا إلى الإنسان أولا وأخيرا.


ماهو تقييمك للمنتج الثقافي الليبي في حقول الرواية والسينما والمسرح؟ 

في الرواية هناك إنتاج يتشكل بحرفية عالية وأسماء جديدة تطرح كل يوم وأسماء أثبتت مقدرتها الإبداعية كعائشة إبراهيم وعائشة الأصفر ونجوى بن شتوان أما على صعيد السينما والمسرح فالمنتج خجول من حيث الكم والحرفية وربما يرجع هذا إلى أن السينما تتطلب دراسة معمقة وملاحقة لأحدث التقنيات وإمكانات مادية أكثر وكذلك المسرح بعكس الرواية التي تعتمد على الموهبة أكثر من الإمكانات المادية .


السياسات الثقافية في ليبيا.. ماهو تصورك للتوجه المثالي في هذه السياسات من اجل دور فاعل للثقافة والمثقف في المجتمع؟ 

أن يرأس المؤسسات الثقافية مثقفون معنيون بالهمّ الثقافي ولديهم القدرة على الإدارة وتوفر لهم الإمكانات الضخمة وأقول الضخمة لأن الثقافة القادرة على التغيير لابد أن تكون أوّلا قادرة على الوقوف.