بالرغم من ان التطورات التي شهدتها ليبيا على مدار الأشهر القليلة الماضية والتوافقات التي أسفرت عنها سلسلة الاجتماعات والمفاوضات بين الفرقاء برعاية أممية ودولية،تشي جميعها بامكانية اقتراب نهاية الازمة المستعصية في البلاد والوصول الى تسوية شاملة تنهي الانقسامات،فان معظلة انتشار المرتزقة لازالت تفرض نفسها في المشهد الليبي وتهدد بمزيد من التعقيدات.

مع اقتراب المهلة التي حددتها لجنة (5 + 5) لتفكيك المليشيات وإخراج المرتزقة، تمهيدًا لتنفيذ خارطة طريق، تنتهي بإجراء انتخابات أواخر 2021،يتواصل الجدل حول هذه الاشكالية التي تعتبر ابرز عراقيل التوافق الليبي حيث يمثل المرتزقة الذين دفعت بهم تركيا الى الأراضي الليبية عامل تأجيج للصراع في البلاد خدمة لأطماع انقرة الساعية للسيطرة على الثروات النفطية والتمدد في المنطقة.

وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقعت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة ( 5 + 5) اتفاقًا للوقف الفوري لإطلاق النار.ونص على إخلاء جميع خطوط التماس من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة بإعادتها إلى معسكراتها، بالتزامن مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية برا وبحرا وجوا في مدة أقصاها ثلاثة أشهر.

وأعلن الجيش الوطني الليبي، الخميس، عن توصل اللجنة العسكرية المشتركة لاتفاق مبدئي بحضور الدول الراعية لمقررات مؤتمر برلين.وقال اللواء خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة الليبية، إن اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) اتفقت على عدد من النقاط بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وممثلين عن الاتحادين الأفريقي والأوروبي وإيطاليا وتركيا.

وأشار إلى أن المجتمعين اتفقوا على ضرورة خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا فورا، بالإضافة إلى تفعيل حظر السلاح والالتزام و التقيد بهوطالب بضرورة التقيد بالاتفاقات السابقة ومنها فتح الطريق الساحلي بين شرق وغرب ليبيا، وإلزام الدول الراعية للاتفاق وبعثة الأمم المتحدة بتنفيذ هذا الاتفاق وإحالته لمجلس الأمن الدولي.

وبدورها شددت المبعوثة الأممية للدعم لدى ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز،في تصريحات صحفية، على ضرورة أن تسحب القوى الأجنبية قواتها من ليبيا، وفقا لما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر وبمقتضاه يتم ذلك خلال 60 يوما.

وأكدت وليامز، أن الموعد النهائي المقرر لانسحاب القوات "كان قرارًا ليبيًا سياديًا تم اتخاذه من قبل اللجنة العسكرية المشتركة"، مشيره إلى أنه إذا بقي المرتزقة على الأراضي الليبية فإنهم سيسلبون إرادة الشعب الليبي.وقدرت وليامز عدد المرتزقة المتواجدين في ليبيا بأن عددهم وصل إلى 20 ألف جندي أجنبي وفقا لأدلة قاطعة.

وفي المقابل،اعتبر عضو اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 مختار نقاصة،الأربعاء، إن عملية خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب، من بعض مناطق ليبيا تحتاج "مزيدا من الوقت"، مضيفا في تصريحات إعلامية، أن اللجنة العسكرية المشتركة ستبحث الأسبوع القادم، بمقرها الدائم بمدينة سرت شرق ليبيا تمديد فترة خروجهم 90 يوما إضافية.

وتأتي هذه التطورات في وقت تواصل فيه تركيا تحركاتها المشبوهة في ليبيا سعيا لتأجيج الصراع في البلاد،وكشف المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، الأحد 17 يناير 2021، إن هناك عمليات نقل مستمر خلال الأيام الماضية من تركيا وسوريا إلى ليبيا، لكن هناك متغير في هذا الملف وهو أن العناصر التي يتم نقلها من سوريا إلى أنقرة، حصلت على تدريب متقدم، وعلى الأسلحة.

وأضاف المسماري، في تصريحات تلفزيونية،أن "هذا المتغير يختلف عن السابق، حيث كان الجميع يتم نقلهم كأفراد مشاة دون تدريب، وهذا استعداد من تركيا للمرحلة القادمة، وهو خطف نقطة تماس غرب مدينة سرت".

وفي وقت سابق،قال المرصد السوري، في بيان له، إن حوالي 200 من المرتزقة الموالين لتركيا توجهوا نحو ليبيا مؤخرا، وتم نقلهم سراً إلى هناك.وأوضح المرصد إن دفعة جديدة عادت إلى سوريا خلال الساعات الماضية، وتضم نحو 95 مقاتلا، مشيرًا إلى أنهم عادوا بعد وساطات من قبل قادة مجموعاتهم.

ومنتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أن إجمالي المرتزقة الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا بلغ 18 ألف سوري، إضافة إلى 2500 تونسي، مؤكدا أن من بينهم أطفالا أقل من 18 عاما وصل عددهم إلى 350 طفلا.وأضاف أن 10 آلاف و750 مرتزقا عادوا إلى سوريا، بعد انتهاء عقودهم وأخذ مستحقاتهم المالية، مؤكدا وجود 10 آلاف آخرين من الموالين لتركيا، بينهم 2500 من حملة الجنسية التونسية.

ويسعى أردوغان للسيطرة على مدينة سرت واشترط في وقت سابق وقف اطلاق النار في ليبيا بانسحاب الجيش الوطني الليبي من المدينة والحقول الليبية ما كشف بوضوح أطماع الرجل في الثروات النفطية الليبية.لكن هذه الأطماع تصطدم هذه المرة بمصر،الجارة القوية لليبيا والتي سبق أن أكدت أن منطقة سرت-الجفرة خط أحمر.

ويؤكد مراقبون أن الصمت الدولي تجاه الخروقات التركية من شأنها تعريض التوافقات الليبية للخطر.ونقل موقع "ارم نيوزالاخباري عن المحلل العسكري العميد عبدالمجيد الكاسح،قوله إن "نية المجتمع الدولي لم تكن صادقة وقوية، في إخراج المرتزقة من ليبيا"،مشيرا الى أن "العالم يشاهد تركيا وهي تدفع بالمئات من المرتزقة كل يوم إلى غرب ليبيا، قبل وبعد توقيع الاتفاق العسكري".

وأضاف الكاسح أن "الحديث عن بقاء المرتزقة أشهر، وعدم وضع آليات لخروجهم، مع ضمانات دولية، هو مجرد إطالة للأزمة"،محذرا من أن "يكون الهدف من وراء كل تلك الاتفاقيات إبعاد الجيش عن منطقة الحقول والموانئ النفطية أولا، على خلفية مزاعم انتهاء الصراع العسكري، والاتفاق المبدئي على خروج المرتزقة، مما لا يستلزم وجود قواته الراهنة هناك".

ويعتمد النظام التركي على حكومة الوفاق لمحاولة شرعنة غزو ليبيا والبقاء فيها بشكل دائم وتثبيت حكم الإخوان والاستيلاء على الثروات الليبية ومنطقة المتوسط الغنية بالمحروقات.وفي هذا السياق،أكد عضو مجلس النواب سعيد امغيب أن تركيا دخلت ليبيا بسبب تفريط البعض في السيادة الوطنية ولن يخرجوا منها إلا بالقوة أو إذا أراد الليبيون مجتمعين ذلك.

وفي تدوينة له بموقع "فيسبوك"،أكد امغيب أنه "يجب أن يستشعر أبناء وطني خطورة المرحلة فلا أحد سوف يفعل ذلك نيابةً عنهممردفا "كما يجب أن يعملوا بكل إخلاص من أجل وحدة بلادهم وعودة سيادتها وحفظ مقدراتها وثرواتها فلن يكون هنالك من يعمل من أجل ذلك بدلاً عنهم دون مقابل ".وأردف "الأتراك دخلوا إلى بلادنا بسبب تفريط البعض في السيادة الوطنية ولن يخرجوا منها إلا بالقوة أو إذا أردنا ذلك مجتمعين متحدين".

ويرى البعض أن الرئيس التركي يحاول جاهدا تنفيذ مخططاته التي تقوم على مزيد تثبيت أذرعه في ليبيا بما يدعم مد نفوذه واستمرار نهبه لثروات الليبيين.وباتت ألاعيب أردوغان مفضوحة للشعب الليبي الذي عبر مرار وتكرار عن رفضه الغزو التركي واستعداده لمواجهته.ويأمل الليبيون في انهاء الانقسامات بما يضمن التوجه نحو ارساء سلطة موحدة في البلاد قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.