تتجه باريس للإستفادة من التجربة المغربية في تكوين وتأطير الأيمّة لمساجدها إنطلاقا من قناعتها بجدوى المدرسة الدينية في المغرب التي تعتمد الوسطية والإعتدال ، و في أواخر ديسمبر الماضي طلبت فرنسا من السلطات المغربية تدريب وتأهيل أئمة مساجدها على أن ترسل خلال الأيام القليلة القادمة 50 إماما الى الرباط لتلقي دورات تدريبية شرعية ومعرفية في المعهد التابع لوزارة الأوقاف المغربية خاصة في مجالات الفقه المالكي والعلوم الشرعية وضوابط الفتوى.
وحسب الخارجية الفرنسية فإن تكوين الأئمة الخمسين سيكون كمرحلة أولى على أن تتواصل هذه العملية في حال أثبتت نجاعتها، ومن بين الأهداف التي سطرتها باريس لهذه الدورة التكوينية هي أن يتمكن الأئمة من أخذ فكرة واضحة عن "الإسلام المستنير الوسطي الذي يعتمده المغرب » ، وتراهن الحكومة الفرنسية على أن ينجح الأئمة المُكوَّنون من تقديم الإسلام الصحيح لمسلمي فرنسا
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية أن تدريب هذا الفوج من أئمة المساجد في فرنسا ستتبعه أفواج أخرى، خاصة إذا أظهرت هذه التجربة الجديدة نجاحها وفعاليتها، حيث ترغب باريس في أن يستوعب أئمتها مبادئ الإسلام الوسطي والمتنور الذي ترتكز عليه السياسة الدينية في المغرب.
نموذج مغربي
ويأتي الطلب الفرنسي في إطار توجه دولي وإقليمي للإسترشاد والإستعانة بالنموذج المغربي في فهم وسطية وإعتدال الدين الاسلامي ، حيث كانت جمهورية مالي من أولى الدول التي استنجدت بالتجربة المغربية في هذا المجال بعد انتخاب إبراهيم بوبكر كيتا رئيسا جديدا للبلاد في سبتمبر ، وخلال الجولة الأفريقية الأخيرة للعاهل المغربي الملك محمد السادس في شهري فبراير ومارس 2014 أبرمت الحكومة المغربية اتفاقيات مماثلة مع كل من كوت ديفوار وغينيا كوناكري والغابون، وهي الدول التي شملتها تلك الجولة التي انطلقت من مالي.
كما انضمت إلى قائمة هذه الدول الأفريقية دولتان عربيتان، هما ليبيا وتونس، اللتين أبديتا رغبتهما الأكيدة في الاستفادة من التجربة المغربية في مجال تدبير الشأن الديني
وفي يونيو الماضي تم في الرباط تقديم “خطة دعم” تعنى بإصلاح وتأهيل الحقل الديني وتقوم على توعية المواطنين دينيا وتحصين المساجد وضمان حيادها التام وذلك في سياق دعم برنامج إصلاح الشأن الديني، الذي انطلق منذ حوالي عشر سنوات، برعاية الملك محمد السادس للتصدي لظاهرة الغلو والتطرف التي عانت من تبعاتها المملكة على غرار التفجيرات الإرهابية التي هزّت مدينة الدار البيضاء عام 2003.
خطوط عريضة
وكشف أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، عن الخطوط العريضة لهذه الخطة قائلا إنها تهدف إلى تحصين المساجد من أي استغلال والرفع من مستوى التأهيل لخدمة قيم الدين الإسلامي، ومن ضمنها قيم المواطنة، كما تسعى هذه الخطة، التي أعدّها برنامج “خطة دعم” في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي الأعلى، إلى توسيع تأطير الشأن الديني على المستوى المحلي، بواسطة جهاز تأطيري يتكون من 1300 إمام مرشد، موزعين على جميع أقاليم المملكة المغربية.
وتحدد هذه الخطة معالم المرحلة الجديدة من التأطير الديني على الصعيد المحلي، حيث ترتكز على تعزيز التدابير الوقائية والتنموية، وتعزيز التجهيز والتأطير لتحصين النظام الديني العام، علاوة على دورها في تحسين برنامج محو الأمية.
بنية تحتية
ومن أجل ضمان التواصل بين الأئمة المرشدين، أحدثت وزارة الأوقاف منظومة معلوماتية مندمجة تضم شبكة ومعدات معلوماتية وبوابة، تربط بين خمسة أطراف هي المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية والوزارة ومندوبيات الشؤون الإسلامية والأئمة المرشدون وذلك عبر الإنترنت.
وتتكون البنية التحتية للمنظومة من مركز معلوماتي ومعدات معلوماتية ثابتة للتحكم في المحتويات، و160 حاسوبا لدخول المجالس والمندوبيات، و1300 حاسوب محمول لدخول الأئمة المؤطرين، إضافة إلى بوابة تتوفر فيها قواعد المعطيات المتعلقة بالشأن الديني والعاملين فيه، وتضم مكتبة علمية موضوعة رهن إشارة جميع الأئمة وإمكانات الاتصال البريدي.
وتم اختيار الأئمة المرشدين على أساس معايير أهمها أن يكونوا “حاصلين على شهادة الإجازة من الجامعة، ويحفظون القرآن الكريم كاملا، وتلقوا تكوينا شرعيا تكميليا وتكوينا مهنيا عماده الالتزام بثوابت الأمة”، وفق البيان الذي نقلته وكالة أنباء المغربي العربي.
إصلاح ديني
ومن أبرز القطاعات الدينية التي طالها الإصلاح في المغرب قطاع الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجالس العلمية ودار الحديث الحسنية ورابطة علماء المغرب والتعليم العتيق والمساجد، والإرشاد الديني والخطابة والإعلام الديني. وواكب عملية إصلاح الحقل الديني سنّ مجموعة من القوانين والتشريعات في مجالات مختلفة من الشأن الديني كدور العبادة والتعليم العتيق والوعظ والإرشاد وتعيين الأئمة والخطباء والقيمين الدينيين والفتوى.
وفي محاضرة بعنوان «التجربة المغربية في مجال مناهضة الإرهاب»، شرح أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي خطة بلاده القائمة على التحكم في الشأن الديني، من خلال تكوين الأئمة وعدم السماح لأي كان بإلقاء خطب دينية ما لم تسمح له وزارة الأوقاف بذلك.
غير أن التوفيق شدد على أنه لابد بداية من إرساء الشرعية السياسية للنظام ودعمها من أجل مناهضة الإرهاب، ثم «تكوين مؤطرين دينيين من علماء وأئمة متكونين وواعين بمقاصد الدين ومصالح الأمة في انسجام مع شروط السلم والمعروف». وعن سبب ظهور الأفكار المتطرفة التي تؤدي إلى الإرهاب، قال: «إن التيار الإرهابي ينحدر من تيار ديني يقرأ النصوص قراءة حرفية مقطوعة في الغالب عن سياقها الزمني والموضوعي»، مشيرا إلى «أن انتقال أصحاب هذا التيار إلى النشاط السياسي يجعلهم يظنون أن هذه القراءة تُجيز لهم استعمال العنف».