يعيش حوض المتوسط حالة صراع شديدة على موارد الطاقة و يظهر الغاز كأحد أدوات الصراع و أحد أهدافه الاستراتيجية. الجزائر ليبيا ومصر وسوريا و حتى لبنان و الأراضي الفلسطينية المحتلة قد تجد نفسها في بؤرة هذا الصراع....

من الشواطئ السورية في شرق البحر الأبيض المتوسط إلى شبه جزيرة القرم على البحر الأسود، يرتسم من جديد مناخ الحرب الباردة. والخلفية التي تكمن وراء الصراعات المستجدة ليست سياسية بحتة، إنما تتعلق أيضا بالغاز وموارد الطاقة الأخرى.

صراع الكبار

تلوّحُ روسيا من دون مواربة باستخدام سلاح الغاز ضد أوروبا رداً على احتمال فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية عليها نتيجة ضمها شبه جزيرة القرم، وهذه الحاجة للغاز الروسي تدفع بالولايات المتحدة لطرح الغاز الصخري كبديل على المدى المتوسط.

وتُولي واشنطن، كما موسكو وبكين وبرلين، اهتماما كبيرا بمصادر الطاقة والغاز في الخليج وشرق المتوسط وشمال أفريقيا. وكم كان ملفتا قرار جون كيري بزيارة الجزائر والمغرب، وذلك عقب بحثه أمن الطاقة في أوروبا، في دلالة على أهمية الغاز الجزائري للقارة العجوز، وكإشارة إلى أهمية المخزون غير المكتشف في المغرب.

الجهد الروسي في السيطرة على حيز هام من سوق الطاقة، والمسعى الأميركي لربط أمن الطاقة لدى الحلفاء بدبلوماسيتها ومظلتها الأمنية، يمثلان نموذجين لأدوات الصراع بحلته الجديدة. في هذا السياق، تؤكد نظريات الأمن الاستراتيجي المعاصرة على أهمية الطاقة ليس من الناحية الاقتصادية فحسب، بل كونها محرّكاً للصراعات ومؤشرا على عناصر القوة لدول المنشأ أو دول الممر أو المصب. حسب وجهة نظر العديد من المراقبين ترتبط عدة اضطرابات راهنة بالسيطرة على حقول النفط والغاز وأسواقها وممراتها.ففي جنوب المتوسط حيث يشتعل فتيل الازمات السياسية، هناك موارد هامة للغاز الطبيعي، ليبيا الجزائر و مصر تمثل مناطق انتاج هامة يمكن أن يعوض الغاز الروسي المصدّر نحو أوروبا. و الحرب الليبية كانت شرارتها الأولى هي السيطرة على الغاز الليبي من طرف قطر التي تعد من اهم مصدري الغاز الروسي و ذلك بعد ان استحوذت قطر على نسبة من شركة طوطال الفرنسية. لذلك يمكننا فهم التدخل الفرنسي السريع للاطاحة بنظام معمر القذافي. و التحالف الفرنسي القطري للإطاحة بالنظام السوري.

طاقة المستقبل

يشكل الغاز الطبيعي فعلياً مادة الطاقة الرئيسة في القرن الحادي والعشرين، سواء من حيث كونه بديلا مناسبا للنفط الذي تم تراجع احتياطيه عالميا، أو من حيث كونه أقل ضررا للبيئة من الغاز الصخري، ولهذا فإن التحكم أو السيطرة في المناطق الغنية بالغاز في الخليج والشرق الأوسط، أو في دول أفريقية معينة، أو حتى في إيران- التي تملك ثاني احتياطي للغاز في العالم- يعتبر بالنسبة إلى القوى الكبرى وجها أساسيا للصراع الدولي في أبعاده الحالية. و يربط الكثيرون التدخل الأطلسي في ليبيا مع اكتشافات كبرى للغاز والنفط فيها وتكررت “نظرية المؤامرة” مع اندلاع الأحداث في سوريا. ووفق آخر الإحصاءات يحوي حوض البحر المتوسط على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أما حقول الغاز المكتشفة حديثاً في شرق الحوض، فهي مدار تنازع بين إسرائيل ولبنان وقبرص وسوريا وتركيا ومصر وقطاع غزة على الأحقية المشتركة.

في عام 1967 كان تحويل روافد المياه سببا لاندلاع الحرب الإسرائيلية- العربية، وحاليا هناك تخوف من أن يصبح الصراع على حقول الغاز أو استخراجه في المياه الإقليمية من أسباب ديمومة أو تفاقم الصراع المزمن وخلق صراعات جديدة. في هذا الإطار تحاول روسيا بأي ثمن التشبث بموطئ قدم في شرق المتوسط وهذا يتيح لها الوصول إلى المحيط الهندي وحماية أمن خاصرتها الجنوبية. ويرتبط هذا القلق الروسي الاستراتيجي بمراقبة إنتاج الغاز الطبيعي وتسويقه، خاصة وأن منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، أصبحت مرشحة لمزيد من المخاطر مع بدء ضخّ الغاز الإسرائيلي والمس الاستكشافي للغاز بالقرب من سواحل المنطقة التي تخفي احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي. بيد أن ذلك لا يعني روسيا مباشرة إذ أنها تملك لوحدها نحو ربع إجمالي احتياطات الغاز المؤكدة في العالم (1680 تريليون قدم مكعبة، ويشكل إنتاجها 71 بالمئة من واردات الغاز لوسط وشرق أوروبا).

الغاز الصخري

في العام الماضي، كشف البنك الإفريقي للتنمية، أنّ المغرب من بين سبع دول أفريقية، تملك احتياطيات ضخمة من الغاز الصخري، وأكبر هذه الاحتياطيات موجودة في جنوب أفريقيا وليبيا والجزائر كما توجد كميات مهمة في كل من تونس وموريتانيا. واللافت هو سعي واشنطن وأوروبا إلى الاستفادة من الطاقة الموجودة أو الكامنة في منطقة المغرب العربي، حيث يخيّم النزاع الجزائري- المغربي على المشهد، وإذ يمنع بلورة منظومة تعاون اقتصادي يمكن أن تكون نموذجية.نستنتج من دون تردد أن سلاح الغاز والطاقة يبقى من الأسلحة المؤثرة في رسم ملامح نظام إقليمي شرق أوسطي، كما في بلورة التوازنات بين الدول الكبرى والدول الصاعدة.