يعيشون بعيدا عن وطنهم الذي عشقوه حتى النخاع، يتنقلون بجوازات سفر أغلبها منتهية الصلاحية، يعملون ولا يعملون ويأملون ويتألمون ، منهم من يعيش في مخيمات تم إنشاؤها خصيصا للاجئين، ومنهم من اعتمد على نفسه وغادر الجنوب نحو الشمال بحثا عن المأوى والمعاش، وبين كل ذلك جيل ولد بعيدا عن الوطن وأطفال صغار أراد لهم القدر أن يولدوا تحت سماء وفوق ارض ليستا ليبيتين، هي الصورة عامة للاجئين الليبيين في الجزائر، هذه الأخيرة تتشارك بريا مع ليبيا بنحو 982 كلم طولي، جعل منها مقصدا لعشرات الآلاف من الليبيين منذ الحرب على النظام السابق كما تسمى، ووسط تعتيم إعلامي لما يكابده اللاجئون الليبيون خارج بلدهم ارتأت بوابة إفريقيا الإخبارية أن ترصد واقعهم في الجزائر.

أزيد من 29 ألف لاجئ متشتتون بين الشمال والجنوب

اختلفت الارقام بشأن العدد الحقيقي للاجئين الليبيين في الجزائر،باعتبار أن العدد ما زال في تزايد مستمر رغم الحدود المغلقة بريا، ففي الوقت الذي تحدث فيه الهلال الأحمر الجزائري عن وجود أكثر من 50 الف لاجئ دخلوا الجزائر هربا من الاوضاع في ليبيا ،ذكر مصدر مسؤول من وزارة الداخلية والجماعات المحلية في الجزائر لبوابة إفريقيا الإخبارية أن عددهم يقارب الـ 30 ألف لاجئ وبالضبط 29030 لاجئ، أغلبهم دخلوا عبر المعابر الحدودية المشتركة ويستقرون بشكل أوسع بالمحافظات الجنوبية الشرقية للوطن وبالضبط بمحافظات ايليزي، وادي سوف، ورقلة والجهة الجنوبية لمحافظة تبسة، وهناك أعداد حسب المصدر اختارت التوجه نحو الشمال بحثا عن العمل والاستقرار،ويؤكد المصدر أن الجزائر كانت حريصة لخلق جو حياتي يليق بالإخوة الليبيين بحث تم إنشاء 3 مراكز لإيواء العائلات الليبية ، مركزان بمحافظة ايليزي ومركز واحد جنوب محافظة وادي سوف، وهي مراكز تتوفر على خيام ويتم دعمها بالمؤونة بصورة منتظمة.

سليم ورفلة من إطار في بلده إلى مساعد بناء في الجزائر

بمحافظة قسنطينة 500 كلم شرق الجزائر، التقينا بسليم ورفلة وهو مواطن ليبي يعيش منذ سنتين في الجزائر رفقة عائلته المتكونة من 4 أفراد (زوجته وولداه)، وقد عثرنا على سليم يعمل في ورشة للبناء بالمدينة الجديدة علي منجلي جنوب المحافظة، ليروي لنا قصته بألم يحمل وراءه أملا كبيرا حيث قال:" في الحقيقة أنا من العاصمة طرابلس ، كنت أعمل كمسير لمصلحة مصافي التخزين بإحدى الشركات البترولية ،كنت أعيش كالملك لا ينقصنا شيء، نسكن، نشرب نأكل ونتنزه، بحكم الراتب الذي كنت اتقاضاه ، وبعد سقوط النظام السابق (العقيد معمر القذافي) ،تواصل عملي بالشركة بشكل عادي تماما، الى أن بدأت التهديدات بتصفيتي وتصفية عائلتي من أشخاص مجهولين، بحيث تعرضت سيارتي للحرق ،وبلغتني رسائل من مجهولين جعلتني مهددا وعائلتي في اي لحظة،بعدها قررت التخلي عن العمل والرحيل بحثا عن الأمان بحيث استقريت بمنطقة طويرة الغزالة اين يستقر اهلي، لكن التهديدات ما فتأت تطالني وتتهمني بموالاة النظام السابق والخيانة وغيرها فنصحني اهلي بالتوجه إلى تونس، لكن بعدما بلغت تونس قررت الانتقال بعدها بشهرين فقط الى الجزائر وكان قدري ان اعيش بقسنطينة اين أعمل الآن بورشة للبناء ،ولا اخفيكم رغم الظروف التي اعيشها إلا أن الأمان الذي احس به يجعلني انسى الآلام والتعب ،حتى الجزائريون طيبون ويقدمون يد المساعدة كلما أردناها".

الليبيون يتنقلون بجوازات سفر منتهية الصلاحية

يؤكد سليم انه على تواصل مع عدد من أبناء بلده في الجزائر،واغلبهم يعيشون الآن هنا بين مختلف المحافظات ويتنقلون بجوازات سفر منتهية الصلاحية ،ما يعرضهم لمشاكل كبيرة في الحواجز الأمنية وفي مقرات العمل وأثناء طلب الوثائق الإدارية،واعتبر سليم ان وضعية هؤلاء معقدة في ظل التشديد الذي تقوم به الجزائر لمراقبة حدودها أمام الانفلات الأمني المعروف،ويتم التفتيش والتحري مع كل شخص ليبي حتى وان كان بعائلة، ويكون في هذا الموقف جواز السفر لابد منه لتأكيد الهوية وانتهاء مدة صلاحيته يعد مشكل يعرض صاحبه لضيق أكبر، وعن طبيعة عمل الأصدقاء الليبيين الذين يعيشون في الجزائر ، فأكد أن ورشات البناء والفلاحة ونقاط بيع مواد البناء هي الأكثر ضما لليبيين هنا في الجزائر، باعتبارها متاحة، ولعل الشيء الواضح في الجزائر هو أن الليبيين لا يصنعون ديكورات التسول عبر الطرقات كما هو ملاحظ بالنسبة للاجئين الآخرين.

الآمال معلقة في حدود تظل مغلقة

راجت منذ فترة وجيزة اخبار عن عزم الحكومة الجزائرية اعادة فتح الحدود بين الجزائر وليبيا، وهو الخبر الذي استقبله الليبيون اللاجؤون في الجزائر بفرح كبير كونه سيتيح لهم التنقل بحرية بين البلدية والسماح لمئات العائلات العالقة من الجانب الليبي لبلوغ التراب الجزائري، غير أن القرار يظل مجرد كلام مقاهي، ويؤكد مصدر عسكري جزائري لبوابة افريقيا الاخبارية أن هناك عوامل كثيرة تجعل الحديث عن فتح الحدود مؤجلا والتي على رأسها الفوضى المتواصلة في ليبيا، لكن ذلك لا يعني أن الحدود ستبقى في كل الحالات مغلقة، الى ذلك سبق وأن طالب منسق العلاقات بين الاسر الجزائرية والليبية، من السلطات العليا في البلاد وعلى رأسها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من أجل اتخاذ اجراءات للسماح بتحرك أكثر لليبيين في الجزائر ،وفتح الحدود للسماح بصلة الرحم كون أن آلاف العائلات جنوب لبييا والجزائر تربطهما علاقة قرابة وتصاهر ،لكن الدولة الجزائرية لحد اللحظة اكتفت فقط بفتح الحدود لدواع إنسانية فحسب،ما يجعل قضية الفتح المطلق للحدود مؤجل كما سبق وتطرق اليه المحلل الأمني رمضان حملات في تصريح لبوابة افريقيا الاخبارية الى أن يعود الهدوء والأمن لكامل التراب الليبي.

الجزائر توسع من اجراءات دخول الرعايا الليبيين

ذكرت وسائل اعلام محلية وعلى رأسها موقع "الشروق أون لاين" أن السلطات العمومية قد وسعت منذ ثلاثة أيام الإجراء الخاص بالسماح للرعايا الليبيين الراغبين في الدخول للتراب الجزائري، يومين بعد مباشرة الإجراءات القاضية باستقبال الليبيين القادمين إلى الجزائر للعلاج، والذين سمح لهم بالدخول إلى التراب الجزائري على مستوى معبري الدبداب وتين الكوم بجنوب ولاية إيليزي ،ويمس الإجراء الجديد جميع الحالات الاجتماعية الخاصة لليبيين الراغبين في دخول الجزائر، خاصة بالنسبة للمواطنين ذوي القرابة المصاهرة. وخصصت السلطات العمومية لتنفيذ ذلك بطاقة خاصة يتوجب على الليبيين الراغبين في الدخول ملؤها، حيث تتضمن الوثيقة جميع المعلومات الشخصية وكذا الخاصة بمكان الإيواء والأشخاص الذين يتكفلون بذلك وكذا مدة الإقامة، وباقي المعلومات التي تسمح بمتابعة حركة المواطنين الأجانب على التراب الجزائري.

التاريخ المشترك بين البلدين ينبض

يقول الباحث في التاريخ بلال بارة لبوابة افريقيا الاخبارية:" من المعروف لدى العام والخاص أن العلاقات الجزائرية الليبية ضاربة في أصول التاريخ ..وقد تعددت مجالاتها متراوحة بين العلاقات الإقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية فيذكر المؤرخون أن الفتوحات الاسلامية التي أتت من المشرق الاسلامي مرت من ليبيا باتجاه الجزائر وكعادة الفتوحات كان يستقر الفاتحون في البلاد التي يفتحونها دائما من أجل نشر الدين الاسلامي وقد تطورت العلاقة تدريجيا خاصة بعد إعتناق الاهالي للإسلام ، فتوطدت بذلك العلاقة بعد أن أصبحت اللغة والدين والمصير مشتركا . فقد عرفت التجارة مثلا نشاطا مشهودا في العهد العثماني خاصة بين الشرق الجزائري متمثلا في ولايات ما يطلق عليها حاليا وادي سوف وورقلة وخاصة الطوارق فكانوا يسوقون منتوجاتهم المحلية ويجلبون الحمير المصرية من سوق مدينة غدامس وطرابلس .ولم تقصر هذه العلاقات على التجارة فقط بل امتدت الى الثقافة ..فالبعثات العلمية الجزائرية وقوافل الحجيج معظمها سارت على التراب الليبي فكان هناك مسافة كبيرة يقطعونها داخل التراب الليبي هذا ما جعل الفترة تطول والعلاقات تتوطد ...ويضاف اليها أن الجزائر ساهمت في ادخال ليبيا تحت الراية العثمانية خلال العصر الحديث ...لتتطور العلاقة خاصة خلال الثورة الجزائرية في العصر المعاصر اي خلال فترة من 1954 الى غاية 1962 فكانت بوابة للإمداد بالسلاح الذي كانت ترسله مصر فكان يدخل من وادي سوف . وللتاريخ فإن ليبيا إحتضنت مؤتمر طرابلس في ربيع عام 1962 الذي نظمه المجلس الوطني للثورة وفي الفترة المعاصرة عرف النظامان الجزائري والليبي خاصة في عهد هواري بومدين تقاربا كبيرا جدا تواصل حتى بعد الأحداث الاخيرة التي أطاحت بالقذافي الى درجة أن الليبين استغلوا النهر الصناعي الكبير الواقع في الجنوب الشرقي الجزائري والذي يمتد الى داخل الاراضي الليبية دون أن تنزعج الجزائر من هذا الامر".