لم يكن المغرب مختلفا عن بقية دول المغرب العربي من حيث بناء المدن القديمة. الحضارات التي مرت على المغرب تركت أثرها في الثقافة والتجارة والمعمار وطبيعة الناس، وحتى في الأسواق، حيث تنتشر الأنهج بمختلف أحجامها داخل المدن العتيقة وتسمى أسواقا. يحصل أن تلقى نفس التسمية ونفس الحرفة ونفس الأجواء في أكثر من بلد، بشكل يدرك الزائر "الغريب" دون جهد كبير، أن هناك مشتركا ما بين تلك الدول.

وبالحديث عن الأسواق تعرف المغرب، بأسواقها القديمة، ومن بينها سوق اللبادة، أو سوق اللبادين، خاصة في مدينتي فاس ومراكش، باعتبارهما من المدن الحاضنة لموروث حضاري استثنائي، حيث كانت إلى وقت قريب مليئة بدكاكين الحرفيين ومحبي المهنة من مختلف الأعمار قبل أن تنحسر تدريجيا بسبب التخلي عن الأفرشة التقليدية وطغيان السلع الجديدة التي سيطرت كل ما هو قديم.

اللبادة هي حرفة قديمة موروثة عن العثمانيين، تعتمد أساسا على صوف الأغنام بعد جزها أو ذبحها، ثم تتم عبرها صناعة الأفرشة والأغطية، بعد مراحل عمل مختلفة تنتهي في الأخير بالمنتوج المرغوب. واللبدة هي جمع قطع الصوف وغسلها بالماء أو بالماء والصابون بشكل يجعلها نقية من كل الأوساخ، ثم يتم تجميعها وصبغها بألوان مختلفة وسط الماء المغلي سواء كقطة كاملة أو كخيوط يتم العمل عليها قبل الغلي.

تختلف المواد المصنوعة في مدة الإنجاز، حيث تكفي ساعات قليلة في إنجاز حقيبة يدوية أو طربوش، في حين قد يستغرق البساط عدة أيام بحسب حجمة وزخرفته. بالإضافة إلى الأغطية واللحافات التي تنجز في أوقات سريعة، لكن يبقى إتقانها مختلفا بين حرفي وآخر.

والمعروف في اللبادة أنها تعتمد على رئيس ومعاونين (معلّم وصنّاع)، كل واحد له دور خاص يقوم بها، بين من يجمع الصوف ومن يفركه ويغسله ومن يغسله، إلى أن تصل العملية مرحلة الإنجاز الحقيقي والتي تكون عادة تحت أعين الرئيس أو بمشاركته باعتباره صاحب الخبرة الأكبر والعارف بأسرار المهنة بكل تفاصيلها.

والطريف أن اللبدة، تستعمل للإنسان والدواب على حد سواء؛ الإنسان في مستوى الأغطية والـأفرشة، وحتى سجادات الصلاة للفرد أو للجماعة، والدواب في مستوى "العرّاقية" التي توضع فوق ظهر الحصان أو بقية الدواب لكي تكون مريحة للراكب وللحيوان على حد سواء، حيث تصنع خصيصا بشكل مناسب لهما معا.

مشكلة اللبادة أنها مهنة منفرة، حيث بدأت الأجيال الجديدة تتخلى عنها تدريجيا. والحرفيون اليوم بعد أن ينجزوا أعمالهم يتفاجأون بضعف الإقبال وبعدم تطابق المصاريف مع المقابيض، بسبب وجود سلع حديثة وبأثمان أقل، وهذا ما يفسر الانقطاع التدريجي عن ممارستها مما يهدد تواجدها في الأسواق المغربية.