تحيي الكشافة الاسلامية الجزائرية، اليوم الخميس، يومها الوطني المصادف لـ 27 ماي/أيار من كل عام، المخلد لذكرى إعدام الشهيد محمد بوراس، مؤسس الحركة الكشفية في الجزائر، وهي الذكرى 80 في هذا العام.

قامت المنظمة الكشفية بأدوار محورية قبيل وإبان الثورة التحريرية وبعدها، وأسهمت منذ نشأتها في ترسيخ مبادئ الأخوة وحب الوطن والوفاء لرسالة الشهداء، وإبرازا لأهمية هذه الأدوار، وافق رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في شهر أبريل/نيسان الماضي على تكريس يوم 27 ماي/أيار يوما وطنيا للكشافة الإسلامية الجزائرية، وذلك "تخليدا للملاحم ومحافظة على الذاكرة الوطنية وتعزيزا للتضامن الوطني وتعبيرا على إرادة الدولة في تطوير الحركة التربوية التطوعية التي تغرس روح العطاء والقيادة".

وصرح حمزاوي عبد الرحمن، القائد العام للكشافة الاسلامية الجزائرية، أن قرار الرئيس تبون يعد "تعزيزا للمكانة المرموقة للكشافة الإسلامية وتقديرا لمدرسة الشهيد محمد بوراس الرامية إلى إعداد وتربية النشء وكذا تشجيعا لمسيرة هذه المنظمة الكشفية."

وأضاف أن هذا التكريس الذي يجعل من تاريخ 27 مايو يوما وطنيا للكشافة الاسلامية يحتفل به كل الجزائريون سيجعلها "منظمة رائدة تتطور باستمرار لمواصلة مسيرتها في خدمة الوطن والمجتمع"، على اعتبار أن من مهامها، المساهمة في "تنمية القدرات الروحية والفكرية الاجتماعية للشباب وغرس فيهم القيم الوطنية ليكونوا مواطنين مسؤولين وصالحين لمجتمعهم"، كما تسهر على تلقينهم مبادئ "الحوار والإبداع والمسؤولية".

ويذكر أن الكشافة الاسلامية الجزائرية كانت في الطليعة خلال كل مسارات الثورة التحريرية، خاصة من خلال القيام بالعمل التحسيسي لدى مختلف فئات المجتمع الجزائري آنذاك، حيث كانت بمثابة الشعلة الأولى لاندلاع الثورة لما قدمته من خيرة أبنائها دفاعا عن الجزائر واستقلالها ومن بينهم العربي بن مهيدي وديدوش مراد وأحمد زبانة وزيغوت يوسف وسويداني بوجمعة وآخرين.

وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن غالبية أعضاء مجموعة ال 22 (النواة الأولى للثورة التحريرية) كانوا ينتمون الى الكشافة الإسلامية الجزائرية، كما أن أول شهيد سقط خلال مجازر 8 مايو 1945 هو الكشاف بوزيد سعال.

وكانت المنظمة المحرك الأساسي لجيل نوفمبر الذي دافع عن الشخصية الوطنية الجزائرية الإسلامية وتواصل اليوم بث القيم السامية في نفوس الأجيال الناشئة، مستلهمة من نضال المؤسس الشهيد محمد بوراس.    

وقد ولد محمد بوراس يوم 26 فبراير 1908 بمدينة مليانة من عائلة فقيرة، وتابع تعليمه الابتدائي بالمدرسة الفرنسية "موبواجي" بمسقط رأسه سنة 1915.

وبعد وفاة والده، تحمل محمد بوراس مسؤولية إخوانه، لهذا عمل بمناجم زكار عام 1924 متحملا أعباء العائلة.

والتحق بعدها بمدرسة "الفلاح" بمليانة بعد طرده من المدرسة الفرنسية وهذا لإتمام دراسته باللغة العربية، وفي سنة 1922 انضم للجمعية الرياضية لألعاب القوى ثم تخصص في كرة القدم وأصبح عضوا رياضيا بارزا بفريق مليانة لكرة القدم.

وتوجه إلى الجزائر العاصمة مغادرا مسقط رأسه سنة 1926 وعمل في مطحنة للحبوب بالحراش كمحاسب واغتنم الفرصة للتعلم على الآلة الراقنة وفي سنة 1930 وجد وظيفة بالبحرية العسكرية.

في سنة 1935، انضم محمد بوراس إلى نادي الترقي وأسس فوج "الفلاح" بالقصبة ( الجزائر العاصمة)، وقد دعا من خلاله جميع الأفواج الكشفية المستقلة على مستوى الجزائر، إلى الاتحاد وتشكيل تنظيم وطني موحد، وقد لبت مجمل الأفواج الكشفية نداء محمد بوراس وشاركت في المؤتمر التأسيسي الذي كان في يوليو 1939 بالحراش (الجزائر العاصمة) وخرج المؤتمر بميلاد وتأسيس الكشافة الإسلامية الجزائرية كمنظمة وطنية وانتخب المؤتمرون محمد بوراس رئيسا لها.

وقام الشهيد محمد بوراس بتوعية وتربية الشبيبة عن طريق الأفواج الكشفية، مقتنعا بأن الكفاح الحقيقي من أجل الحرية يكون أولا بتعليم الشعب الجزائري وغرس الروح الوطنية في شبابه.

وفكر في الاتصال بألمانيا بعد هزيمة الجيش الفرنسي في يونيو 1940 للحصول على الأسلحة، فاغتنم فرصة طلب اتحادية الكشافة الفرنسية منه بأن يضم الأفواج الجزائرية لها وإلا يسحب منها الاعتراف، عندها تنقل بوراس إلى مدينة فيشي في 26 أكتوبر 1940 بفرنسا وحصل على وعود غامضة بعد اتصاله بالألمان.

بعد عودته إلى الجزائر، ظل تحت المتابعة والمراقبة من طرف مصالح الاستخبارات الفرنسية وألقي عليه القبض في 8 مايو 1941 من طرف مصالح مكافحة التجسس الفرنسية.

وبعد عملية التعذيب والاستنطاق أحيل على المحكمة العسكرية يوم 14 مايو 1941 ليصدر في حقه حكم بالإعدام، تم تنفيذه فجر يوم 27 مايو 1941 رميا بالرصاص في الميدان العسكري بالخروبة، لتنتفض بعد استشهاده همم رجال أنبتهم على مبدأ التضحية بالنفس في سبيل الوطن واستودعهم أمانة الجزائر بشعار "كن مستعدا".