تحاول القوى الداعمة لتيار الإسلام السياسي في ليبيا جرّ البلاد نحو دوامة من الفوضى العارمة وذلك لمنع القوى التقدمية من الوصول إلى السلطة وبلورة دستور ليبيا الجديد الضامن للحقوق والحريات الأساسية. وبدخول التنظيمات الجهادية على خطّ الصراع بين الإخوان ودعاة المدنية، تصاعدت أعمال العنف واهتزّت أركان مؤسسات الدولة، ورغم حالة الفوضى والتناحر تصرّ قوات حفتر على المضي قدما في مكافحة الإرهاب واجتثاثه.

نفى قائد عملية الكرامة اللواء خليفة حفتر ما تردد بشأن عودته إلى ليبيا من أجل الثأر وإظهار القوة، مؤكدًا أن مغادرته البلاد كانت بهدف رفع الظلم لأن الفرصة لم تتح من الداخل.

وفند ما قاله البعض بشأن تطبيقه أجندات خارجية، مؤكدا تطبيقه أجندة الشعب الليبي، ومعربا عن استعداده لتنفيذ ما يقوله الشعب.

وذكر في تصريحات لصحيفة “الشروق” الجزائرية أن مجموعات تدعي الإسلام تمكنت من السيطرة على مفاصل الحكم، وجرَّت الشعب إلى الفوضى، موضحا أن عملية الكرامة تستهدف أولا وبالأساس الإرهاب والتطرف.

وأفاد أن “المجتمع الدولي ليس له أي دور على الإطلاق سوى كثير من القرارات المعرقلة التي نسمع بها، وهناك دول تغض الطرف عن وضع مثل ما تشهده ليبيا وتساند دولاً أخرى تراها أكثر أهمية”.

وأشاد بوقوف مصر إلى جانب ليبيا، نافيا في الوقت نفسه ما تردد بشأن دعم مصر ليبيا بالطائرات والمقاتلين.

واعتبر حفتر أن قطر زجت بنفسها في الشأن الداخلي الليبي، مشيرا إلى أنه كان يعتقد في بادئ الأمر أنها فعلا تقف مع ليبيا وقفة عربية صادقة، لكن مناورتها سرعان ما انكشفت “فقطر تنفذ أجندة خارجية وتدعم الميليشيات المتشددة بالسلاح وبكل شيء”.

يشار إلى أنه بعد سقوط نظام العقيد القذافي تحولت ليبيا إلى قبلة لجماعات متشددة، ينتمي أغلبها إلى تنظيم القاعدة أو إلى الإخوان المسلمين، ووجدت هذه الجماعات دعما من دول مثل قطر وتركيا، وهو ما مكنها من تكوين ميليشيات واقتطاع أجزاء من الأراضي الليبية وإقامة كيانات صغيرة خاصة بها مثلما يجري في طرابلس على يد ميليشيا “فجر ليبيا”، أو في بنغازي على يدي ميليشيا “أنصار الشريعة” التي بايعت خلافة داعش.

ويرجح مراقبون صعوبة القضاء على المتشددين في ليبيا، لعدم وجود حلفاء أقوياء في الداخل الليبي يمكن الاعتماد عليهم، ولعلاقة الجماعات المتطرفة بجماعات الإسلام السياسي، المدعومة من قوى إقليمية، مثل تركيا وقطر، اللتين تتهمهما الحكومة الليبية المنتخبة، بتقديم السلاح والدعم اللوجستي لهذه الجماعات.

وتدعم قطر وتركيا الميليشيات الإسلامية المتشددة وبعض التنظيمات الجهادية مثل “أنصار الشريعة” الذي تعتبره الولايات المتحدة تنظيما إرهابيا.

يُذكر أنّ محمود جبريل، رئيس وزراء ليبيا الأسبق، أكّد أن دماء الليبيين في رقبة حكام قطر، وكشف عن أن الأمير السابق، الشيخ حمد بن خليفة، رفض تفكيك الميليشيات في ليبيا، بقوله: “الثوار لا يلقون السلاح، وبإمكاني جمع السلاح من أيدي الثوار في مصراتة، خلال 24 ساعة إذا أردت”.

وفي سياق متصل بالوضع الليبي، حذر ميخائيل بوجدانوف مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا، أمس الأحد من مخاطر وقوع الأسلحة الكيميائية في ليبيا بأيدي المسلحين المتشددين.

ونقلت قناة “روسيا اليوم” عن بوجدانوف، الذي يشغل كذلك منصب نائب وزير الخارجية الروسية، قوله إن “موسكو تلفت نظر شركائها في العالم إلى خطر الأسلحة الكيميائية، التي تم العثور على أطنان منها في ليبيا واحتمال وقوعها في أياد غريبة”.

ولفت إلى أن ليبيا تعاني فوضى عارمة تجعلها بمثابة الصومال، الذي يعاني نزاعًا مسلحًا منذ 35 عامًا، متسائلاً: “كم من الوقت ستطول الأزمة في ليبيا؟”.

وأكد بوجدانوف ضرورة إيلاء أهمية لمشكلة المنظومات الصاروخية المضادة للطائرات والأسلحة الخطيرة الأخرى الموجودة في ليبيا وضرورة العمل على ضمان عدم سقوطها في أيدي المسلحين، وفقا لصحيفة العرب.

وكانت الجزائر، وتونس، ومصر ودول غربية قد طالبت في وقت سابق، منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية، بضرورة وضع خطط لشحن مخزون يبلغ 850 طنا من الكيميائيات إلى الخارج بسبب تدهور الأمن واستشراء الفوضى، وتجنبا لوقوعها بين أيدي الجماعات المسلحة والإرهابية، بعد توقف برنامج تدمير المخزونات الكيميائية في 2011، أي في نفس الشهر الذي اندلعت فيه الثورة ضد نظام القذافي.

وكان النظام الليبي السابق قد أعلن أن لديه ثلاث منشآت لإنتاج الأسلحة الكيميائية، وأن لديه أيضا 25 طنا مكعبا من غاز الخردل، و1400 طن مكعب من مواد كيميائية أخرى تستخدم لصنع الأسلحة، فضلا عن 3500 من القنابل الجوية المعبأة والمصممة للاستخدام مع مواد كيميائية مثل خردل الكبريت.

وتوقف برنامج تدمير المخزونات الكيميائية في ليبيا في فبراير من سنة 2011 أي في نفس الشهر الذي اندلعت فيه الثورة بسبب خلل فني في المنشأة المخصصة لذلك، وفق ما أكدته منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية. وسبق أن حذّر خبراء أمنيون من عدم تدمير المخزون الكيميائي في ليبيا، واحتمال وقوعه مستقبلا في أيدي الجماعات المتطرفة، خصوصا في ظل التوترات والتحولات العميقة التي يشهدها العالم في المدة الأخيرة وظهور تنظيمات جهادية نافذة تسعى إلى بسط سيطرتها في المغرب العربي، مما يستدعي استحداث إطار ردعي وفرض مراقبة مشددة على إنتاج المخزون الكيميائي وتدميره بصورة عاجلة، للحد من انتشار هذا النوع من الأسلحة وحماية المدنيين في ليبيا من خطر استخداماته غير السلمية.