مع معاناة الصحفيين الليبيين من الواقع الأمني المتردي الذي انعكس عليهم بشكل مباشر، زادت القوانين من قمع الحريات الصحفية وتضييق الخناق عليها بتسديد ضربة موجعة عبر القضاء.

عبّر المركز الليبي لحرية الصحافة عن صدمته البالغة إزاء حكم محكمة الاستئناف في طرابلس، بالسجن لمدة خمس سنوات بحق رئيس تحرير صحيفة الأمة عمار الخطابي وحرمانه من حقوقه المدنية، مما يعد ضربة موجعة لحرية الصحافة ومؤشراً مقلقاً جداً لتسلط القضاء في التضييق على الحريات الإعلامية معتبراً أنها غير مقبولة بتاتاً.

وأضاف المركز في بيان، أنه يتعهد لحرية الصحافة بالعمل وتقديم كافة أساليب الدعم والمناصرة القانونية للصحفي الخطابي لإسقاط الأحكام الجائرة بحقه، مطالباً بضرورة الطعن في الحكم وتدويل القضية أمام المنظمات الحقوقية والهيئات الدولية، ومناشدتها للاضطلاع بمسؤولياتها في الدفاع ودعم الصحفيين الليبيين الذين يعيشون على وقع التضييق والانتهاكات المتفاقمة.

وأوضح أن وحدة الرصد والتوثيق بالمركز تابعت عن كثب وبقلق حكم الدائرة الجنائية بمحكمة استئناف طرابلس بالسجن خمس سنوات والحرمان من كافة الحقوق المدنية وتغريمه بمبلغ 50 ألف دينار ليبي لكل وكيل نيابة أو قاض ورد اسمه في صحيفة “الأمة” بتهمة التشهير والافتراء.

يأتي هذا الحكم القاسي على الخطابي في ظل هجمة شرسة على الصحفيين الليبيين من قبل الميليشيات المسلحة التي تحاول فرض أجندتها على عمل الصحفيين وتضيق الخناق عليهم بجميع الوسائل، وعبّر الكاتب الصحفي ورئيس تحرير صحيفة “برنيق” المحلية، معتز المجبري عن أسفه قائلا: “رغم خروجنا من ثورة كان أحد أهم شعاراتها “لا لتكميم الأفواه”، وبعد أن اعتقد العاملون بقطاع الإعلام في ليبيا أننا الرابح الأكبر من هذه الثورة، بعد معاصرتهم لعصر، كان الموت مصير كل من ينتقد”.

وتابع المجبري، “وسرعان ما تبلور الوضع واكتشفنا أننا الخاسرين، فالخطر في ليبيا للعاملين في مجالنا أصبح في كل خطوة ويرافق كل كلمة وكل خبر وكل مقال يكتبه الصحفي وعظُم ذلك وتجلى بشكل واضح بعد انطلاق عملية الكرامة والتي اصطف فيها الليبيون كلا في صف، فأصبحت كل كلمة تحسب هذا الوضع بالتأكيد قلل كثيرا من الزخم الإعلامي الذي صاحب ثورة فبراير”.

وأوضح، “على صعيد الصحف وبعد ظهور أكثر من 200 صحيفة الآن وبسبب الخطر الكبير، فجميع تلك الصحف أقفلت سواء الحكومية أو الخاصة ولا يوجد حاليا سوى 4 صحف على مستوى البلاد، وهذا في حد ذاته دليل جلي على الانتكاسة الكبيرة التي يشهدها الإعلام الليبي”.

وأشار رئيس التحرير إلى أن “أكبر دليل على ذلك هو اغتيال رئيس تحرير صحيفة برنيق “مفتاح بوزيد”، مشيرا إلى أن الصحيفة صودرت أكثر من مرة لاعتراض أحد الأطراف على محتواها رغم احتوائها على أخبار ومقالات تمثل كل الأطراف ومع ذلك نتعرض لضغوطات كبيرة جدا ما دفعنا لتغير السياسة التحريرية بعدم تبني أي خبر خاص والاكتفاء بنقل الأخبار عن صحف أخرى عالمية.

وفي نفس الموضوع، قال صحفي يعمل بإحدى الوكالات العالمية، فضل عدم ذكر اسمه، “أن تكون إعلاميا في هذا الوقت يعني أنك تحمل كفنك ضمن معدات العمل التي تحتاجها، ففي ليبيا أنت تسير لكشف الحقائق في حقل ألغام خريطته عشوائية تنتظر أن ينفجر عليك لغم في أي لحظة”.

وأضاف الصحفي، “لا تستطيع الكتابة عن الميليشيات الإسلامية بكل حرية، فلو فعلت يعني أن الهلال الأحمر سيسلم لأهلك جثة دون رأس أو العكس وفي أحسن الظروف سيسلمهما مفصولين عن بعضهما في آن واحد بعد العثور على جثتك في ضواحي المدينة”.

وأكد، “أن الجميع لديه أجندة سياسية يسير وفقها وإن لم تكن معه فأنت ضده، يعني أن الحرية والرقيب الذاتي والرقيب الخفي تسببت في تردي جودة المادة الصحفية وغيّبت الحقيقة عن المتلقي الذي بات في حيرة من أمره أمام هذا السيل من الدماء”.

وأوضح أن ليبيا شهدت حالات قتل عديدة منها رئيس تحرير صحيفة “برنيق” مفتاح بوزيد، والإعلامي عزالدين قوصاد، إضافة إلى توثيق عدة انتهاكات واعتداءات وتهديدات تعرض لها إعلاميون في مختلف مناطق ليبيا.

ويكشف الإعلامي الرياضي مراد الرياني قائلا: “منذ دخولي مجال الإعلام عام 2007 لم نشعر بذلك القدر من الخطر على حياتنا إلا بعد سنتين من انطلاق ثورة فبراير، فالفترة الأولى من تجربتي الإعلامية جاءت في المجال الرياضي وفي ظل نظام لم يسمح له بخصوم، أما بعد ثورة فبراير ظهرت أطراف اشتد بينها الصراع لدرجة أنها لا ترضى بالطعن في قدراتها أو أفكارها أو عقائدها”.

ويواصل الرياني، “بالنسبة إلي منذ تغلغلي في مجال الإعلام السياسي بعد ثورة فبراير سواء عند انطلاق بث قناة “ليبيا الحرة” أو أثناء عملي في راديو “أجواء” لم أتلق أي تهديد مباشر من أي جهة كانت، لكن بالنسبة إلى بعض زملائي فقد هددوا إما بالهاتف أو عن طريق “فيسبوك”، بعضهم لا زال يتواجد في مدينة بنغازي وبعضهم حفاظا على حياته غادر المدينة، وقد اختلفت توجهات هؤلاء الإعلاميين منهم من كان مؤيدا للطرف الأول متمثلا في الإسلاميين وآخرين معارضين له.

وعاد المركز الليبي لحرية الصحافة للتأكيد على كافة الصحفيين والإعلاميين والحقوقيين بضرورة زيادة تكثيف عملهم ومواصلة نضالهم لأجل تكريس مفهوم حرية الصحافة والتعبير بالمجتمع الليبي، ومنع أي أحكام قضائية قاسية قد تصدر بحق الصحفيين والإعلاميين، فضلاً عن التعبير على تضامنهم الكامل مع الخطابي بكافة الطرق.

وحمّل المركز المسؤولية الكاملة للسلطات التشريعية والتي تخاذلت في إصدار القوانين الضامنة لحرية الصحافة وحماية الصحفيين من عقوبات السجن التي تطالهم في ظل انعدام الإطار التشريعي لحرية الصحافة.

العرب