أطلّ رئيس الحكومة التونسيّة الجديد مهدي جمعة مساء الثالث من مارس، ليتحدّث بإسهاب عن مشاكل الاقتصاد التونسيّ ومدى العجز الذي تعرفه ميزانيّة 2014. لقد حاول هذا الأخير في إطلالته تلك التي درج الإعلام على تسميتها بلقاء “المصارحة”، على أن يعطي صورة كاملة وواضحة للشعب عن الوضع الاقتصادي للبلاد في هذه الفترة الانتقالية. هذه الجلسة لم تكن مجرّد سرد للأرقام والمعطيات ومحاولة من مهدي جمعة لتوضيح الواقع الاقتصادي للبلاد، بل تجاوزتها لتعكس قراءة الفريق الحكوميّ الجديد وتصوّراته حول الحلول الممكنة وربّما بداية لحملة الإقناع لتسهيل قبول النّاس بالحلول الجديدة/القديمة.

الرسائل التي بعثها رئيس الحكومة تناولت رؤية عامّة لمستقبل الوضع الاقتصادي وأهمّ خطوط عمليّة الإنقاذ، فبالنسبة للعجز الهائل لم يطرح مهدي جمعة من حلّ سوى الاقتراض الداخلي والتداين من “الأصدقاء والأشقاء” لإنقاذ ميزانيّة هذه السنة والإيفاء بمصاريف الإنفاق بالإضافة إلى إيقاف الانتدابات في السلك العموميّ وأكّد أنّ لا نيّة لحكومته في المستقبل القريب لبعث مشاريع تنمويّة عاجلة، بل محاولة إكمال تلك التي دخلت حيّز التنفيذ. أمّا بالنسبة للخطوات المستقبليّة، فدعا إلى ضرورة التفكير جديّا في إعادة هيكلة الاقتصاد التونسيّ ككلّ ومراجعة منظومة الدعم والضمان الاجتماعي وبدأ عمليّة التدقيق في البنوك العموميّة.

كانت هذه الرسائل الواضحة، أمّا عن الأخرى المبطّنة، فتتجلّى من خلال عديد العبارات التي تعكس توجّه الحكومة الجديدة نحو تحرير الاقتصاد أكثر فأكثر واستقالة الدولة من دورها الاقتصادي والتنمويّ. لقد تكرّرت على لسان رئيس الحكومة لأكثر من مرّة عبارة “تضحيات” و”الحلول المريرة” التي لا يمكن إلاّ أن تتمثّل في التفريط في المؤسّسات العموميّة للدولة بعد أن أعلن صراحة أنّه لم يعد من الممكن دعمها في ظلّ تواصل الخسارة التي تتكبّدها سنويّا. 

الوضع الاقتصاديّ الراهن في تونس

في حوار “المصارحة”، حاول رئيس الحكومة أن يوصّف الوضع الاقتصاديّ دون رتوش أو تلاعب بالأرقام والمعطيات، فتحدّث عن واقع الموازنات الماليّة للبلاد والتي تعرف عجزا مهولا بلغ هذه السنة ما يناهز 12 مليار دينار تونسي.

رقم مرعب بالنظر إلى حجم الديون التونسيّة التي بلغت خلال السنوات الأربع المنقضية 25 مليار دينار والتّي صارت تستنزف ما يقارب ال50 % من الناتج المحليّ الخام للبلاد، وقد صُرفت معظمها باعتراف رئيس الحكومة في الاستهلاك ومصاريف الإنفاق التي قفزت من 4,5 مليار دينار سنة 2011 إلى 11 مليار دينار سنة 2014، بالإضافة إلى الترفيع غير المدروس للأجور بنسبة بلغت 41 % وفي الدعم الذي ارتفعت نفقاته بنسبة 270 % منذ 2011. كما تحدّث رئيس الحكومة عن وضعيّة المؤسّسات العموميّة، كشركة الخطوط التونسيّة وفسفاط قفصة ومجمّع قابس الكيميائي. وقد بلغت خسائر المؤسّسات 3000 مليار دينار تونسي خلال العقدين الأخيريّن، بل وأصبحت كلفة المحافظة على موطن شغل تعادل بعث 10 مواطن شغل جديدة. أمّا عن البنوك العموميّة، فقد بلغت مخلّداتها وديونها ما يقارب ال2.5 مليار دينار، وهو ما جعلها عاجزة عن دعم بقيّة المؤسّسات العموميّة الأخرى أو تمويل مشاريع تنمويّة جديدة.

هذه الوضعيّة الحرجة أدّت إلى ارتفاع نسبة الضخّم بشكل محسوس وهو ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائيّة للمواطن التونسيّ. فقد بلغت نسبة التضخّم خلال شهر مارس 2014 نسبة 5.8 %. ولكنّ هذا الرقم يبقى عامّا ولا يعكس بشكل واضح حدّة الأزمة وتأثيرها على حياة المواطنين و على مقدرتهم الشرائيّة. فهو يبقى معطى نسبيّا وعاماّ، إذ تختلف النسبة من قطاع إلى آخر ومن منتوج إلى آخر، فقد شهدت الأسعار ارتفاعا كبيرا، وبالأساس أسعار مجموعة التغذية والمشروبات التي ارتفعت بنسبة 7.8% على مدى سنة بين أكتوبر 2012 وأكتوبر 2013، و قد فسر المعهد الوطني للإحصاء نسبة التضخم بارتفاع أسعار اللحوم 9.3% والزيوت الغذائية 23.5% والغلال ب10.8% والمشروبات %5 والمشروبات الكحولية 14.2%. وتطورت أيضا أسعار اللباس والأحذية والأقمشة بنسبة 4.4%، علما وان نسبة الإنزلاق السنوي للمواد الغذائية بلغت نسبة 9.3%.

كما ارتفعت أسعار خدمات النقل العمومي والخاص بنسبة 5.6% وكذلك أسعار السيارات بنسبة 5%، وعرف مؤشر مجموعة السكن والطاقة المنزلية بدوره خلال ديسمبر 2013 زيادة بنسبة 5.1% مقارنة بأكتوبر 2012 نتيجة ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز والوقود ب 4.8% وأسعار الإيجار 5.2% وسجل مؤشر أسعار الإستهلاك العائلي زيادة بنسبة 0.9% خلال شهر ديسمبر 2013.

وضعيّة القطاع العام ومنظومة التغطية الاجتماعيّة

- البنوك العموميّة

هذه المشكلة القديمة عادت لتصبح محور اهتمام المتابعين للشأن الاقتصاديّ نظرا لحساسيّة وأهميّة القطاع البنكيّ العموميّ في الدورة الاقتصاديّة المحليّة. إذ تمثّل المصارف الحكوميّة الثلاث وهي بنك الإسكان والبنك الوطني الفلاحي والشركة التونسية للبنك، عصب القطاع المصرفيّ في تونس. وتعود أهميّتها إلى كون هذه المؤسسات تمثل 40 % من حجم تداولات الاقتصاد التونسي وتشارك الأصول البنكية بنسبة 23 % من قيمة التمويل الإجمالي للاقتصاد بما أن التمويل يتم أما عبر الإمدادات البنكية أو المالية التي تطرحها البورصة. وتشغل البنوك الحكومية حاليا ما يقارب 9000 موظفا وتساهم بنسبة 3 % من الناتج الداخلي الخام.

ولا يقتصر دور البنوك الحكومية على تمويل الاقتصاد، بل تتحول هذه المؤسسات إلى أداة لتعديل الاقتصاد، إذ تتكفّل بالمشاريع الإستراتيجية على غرار السياحة والفلاحة والمؤسسات الكبرى والإستراتيجية .
وتموّل هذه المصارف جميع القطاعات تقريبا، أي الفلاحة والصناعة والسياحة، وهو ما يجعلها تكتسب أهميّة كبرى على صعيد القروض التي تتمتّع بها تلك المؤسّسات في مختلف القطاعات والتي بلغت حتّى شهر مارس 2014 ما يناهز 12,5 مليار دينار، كان للقطاع السياحيّ منها ما نسبته 23 % وللقطاع الصناعيّ 30 %.

هذا “الدينامو” الماليّ يعيش اليوم على وقع أزمة كبرى تلقي بظلالها لا على القطاع المصرفيّ فحسب، بل على النسيج الاقتصاديّ ككلّ، فقد بلغ عجز البنوك العموميّة سنة 2014 وباعتراف رئيس الحكومة معدي جمعة ما يناهز 2,5 مليار دينار وهو ما يجعلها مشلولة تماما وغير قادرة على المضيّ قدما في لعب دورها الأساسي من حيث تمويل الاستثمارات والمشاريع التنمويّة ودعم المؤسّسات العموميّة الأخرى، وهو ما أعلنته صراحة الحكومة الجديدة على لسان أكثر من مسؤول.

وتعود الأزمة الحاليّة التي يعيشها القطاع المصرفيّ الحكوميّ إلى عدّة عوامل منها ما يرتبط بتفاقم التدهور الاقتصاديّ الذي تعرفه البلاد منذ سنوات وأخرى مرتبطة بالفساد الذي كان ينخر المؤسّسات العموميّة وتغوّل النفوذ السياسيّ والمحاباة على القوانين والمصلحة العامّة.

على المستوى الأوّل، تعود المشاكل التي تعاني منها البنوك الحكوميّة إلى الوضعيّة الاقتصاديّة التي تعيشها البلاد منذ فترة. فكما تمّت الإشارة سابقا، تساهم البنوك العموميّة في دعم المشاريع التنمويّة والاستثمارات وفي تمويل المؤسّسات العموميّة والإستراتيجية، وقد انعكسّت حالة التراجع الاقتصاديّ والخسائر التي تعاني منها تلك المؤسّسات على مردوديّة وأداء البنوك وموازناتها، ولعلّ ما أعلنه رئيس الحكومة من تجاوز خسائر المؤسّسات العموميّة 3000 مليار دينار خلال العقدين الأخيرين، يعطينا صورة واضحة عن ارتدادات هذا الرقم على البنوك العموميّة التي تحمّلت عبأ تمويل وتغطية هذه الخسائر.

كما أعلن البنك المركزيّ عن تجاوز الديون المصنّفة أو المشكوك في خلاصها لدى البنوك العموميّة ما يقارب 12.5 مليار دينار، وتبدو مسألة استرجاع هذه الديون في غاية الصعوبة، خصوصا تلك الموجّهة لدعم القطاع السياحيّ المنهار أصلا والتي تمثّل ما نسبته 23 % من إجماليّ تلك القروض، دون أن نغفل القطاع الصناعيّ الذي يستحوذ على 30 % منها. وإذا عدنا إلى حجم المشاكل التي يعاني منها هذان القطاعان (الشركة التونسيّة للبنك تتحمّل 60 % من ديون القطاع السياحي)، بالإضافة إلى ديون الفلاّحين والتي تجاوزت بحسب اتّحاد الفلاحين ال200 مليون دينار تونسي. رقم يعكس مدى العبء الذي يتحمّله البنك الوطني الفلاحي في دعم هذا القطاع المنتكس أصلا، فهذه الديون الضخمة وفي ظلّ الوضعيّة الاقتصاديّة الراهنة وتراجع مردوديّة هذا النشاط وطبيعة النسيج القطاعيّ الذي يغلب عليه صغار الفلاّحين بنسبة تتجاوز ال80 %، تبدو صعبة الاسترجاع على المدى القريب.

المستوى الثاني، أو العامل الأساسي الآخر الذي تسبّب في تدهور وضعيّة المصارف الحكوميّة هي الفساد المستشري في الإدارة التونسيّة وسياسة المحاباة والتصرّف الغير مسؤول في أموال المجموعة الوطنيّة. فقد كانت العائلة الحاكمة فيما مضى تتصرّف في أموال البنوك الحكوميّة وتفرض عليها إسناد القروض دون ضمانات، وقد مولّت هذه الأخيرة شركات مرتبطة بعائلة الرئيس المخلوع بمبالغ تصل قيمتها إلى 1.75 مليار دينار وما يقارب من 30 % من هذه المبالغ قُدّمت نقدا دون أية ضمانات للسداد، وهو دليل على حجم الفساد وسوء التصرّف الذي كان ينخر هذه المؤسّسات العموميّة التي وضعها المسؤولون عنها تحت تصرّف الحاكم وحاشيته دون اعتبار للقوانين واللوائح المعمول بها.

وتجاوزت سياسة المحسوبيّة وإهدار المال العام الرئيس السابق وحاشيته لتشمل مجموعة من رجال الأعمال الذين استفادوا بحكم نفوذهم وقربهم من دائرة السلطة، من تسهيلات بنكيّة كبرى وقروض دون ضمانات. وقد أعلن المقرر العام للجنة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد في المجلس الوطنيّ التأسيسي، نجيب مراد، أنّ 126 رجل أعمال تحصلوا على حوالي 7 مليارات دينار من البنوك العمومية في عهد بن علي دون إرجاعها إلى اليوم، وكأنّ تلك الأموال قد محيت مع هروب بن عليّ في حين أنّها لا تزال ضمن الدورة الاقتصاديّة الوطنيّة وتعود بالفائدة على المقترضين في الوقت الذّي تعيش فيه المؤسّسات البنكيّة العموميّة أزمة قد تعصف بالقطاع العامّ بمجمله.

إذن، أصبحت إعادة هيكلة البنوك الحكومية توجّها لا مناص منه، لذلك كان الإعلان عن بداية مراجعة قوائمها  وإخضاعها إلى تدقيق شامل للوقوف على وضعياتها الماليّة الحقيقيّة ووضع سبل انتشالها من أزمتها.

-  منظومة التغطية الاجتماعية

إنّ الدور الاجتماعيّ الذي تلعبه منظومات التقاعد والضمان الاجتماعي في تونس يتجاوز دوره التقليديّ أو النمطيّ المتمثّل أساسا في جرايات التقاعد والعلاج لتتحوّل إلى جدار ضمان أخير لعموم الطبقة الوسطى والفقيرة في تونس والتي تعاني من الاهتراء ومزيد التآكل وتفاقم الحاجة 

 ترتكز هذه المنظومة على إحداث نظام ضمان اجتماعي يراعي القدرات التمويلية لكل فئة مهنية وتضمن لهم المنافع الاجتماعية الدنيا من تغطية صحية وجرايات تقاعد، وتعويض وعلاج لحوادث الشغل والأمراض المهنية.
أمّا هياكلها فتتوّزع على ثلاث مؤسّسات هي؛ الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية الذي يتولى تأمين التغطية الاجتماعية لأعوان الوظيفة العمومية والقطاع العمومي بصفة عامة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يسهر على توفير التغطية الاجتماعية لأعوان القطاع الخاص من الأجراء وغير الأجراء العاملين في مختلف قطاعات النشاط بالإضافة إلى الصندوق الوطني للتأمين على المرض الذي يدير مختلف أنظمة التغطية الصحية للمضمونين الاجتماعيين للقطاعين العمومي والخاص وإسناد منح المرض والأمومة ويتولى كذلك إدارة أنظمة جبر الأضرار الناتجة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية.

وقد توسّعت الصناديق الاجتماعيّة لتشمل تقريبا كلّ الفئات المهنيّة و الاجتماعيّة من الأجراء الفلاحيّن والعمّال والموظّفين والحرفيّين والفنانون بالإضافة إلى الطلبة وحاملي الشهادات العليا والمتربصين والعملة التونسيّين بالخارج.
ولكنّ، ومنذ ما يقارب العقدين من الزمن بدأت هذه المنظومات تسجّل عجزا متواصلا في ميزان مصاريفها ومداخليها تواصل إلى حدود هذه اللحظة ليقرع بجديّة ناقوس الخطر ويطرح بشكل عاجل ضرورة البحث عن مخرج عاجل ونهائيّ للوضعيّة المتدهورة التي شملت الصناديق الثلاث والتي تعتبر شريان الحياة بالنسبة لمئات الآلاف من المتقاعدين ومحدودي الدخل.

وفي هذا الإطار، صرّح “سيّد بلال” رئيس مدير عام الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية أنّ وضعيّة المنظومة الاجتماعيّة صعبة للغاية مع بعض التفاوت بين مختلف الصناديق، إذ يبلغ عجز صندوق الضمان الاجتماعي 80 مليون دينار، أمّا صندوق للتأمين على المرض فقد بلغ به العجز 17.5 مليون دينار. ولكنّ الصندوق الوطني للحيطة للتقاعد والحيطة الاجتماعية فيبدو أكثر المنظومات تضرّرا بعجز بلغت قيمته 123 مليون دينار سنة 2014 بحسب تصريح السيّد رئيس مدير عام الصندوق.

وتعود هذه الوضعيّة الصعبة بحسب محدّثنا إلى تراجع الاشتراكات والمداخيل نظرا لارتفاع نسبة البطالة والتطوّر الديمغرافيّ السلبيّ في تونس، وهو ما أدّى إلى عدم التناسق بين المداخيل والمصاريف واختلال النظام التوزيعيّ.

كما أنّ مشاكل الصناديق الاجتماعيّة بدأت قبل الثورة بسنوات، إذ تمّ إهدار المال العام وميزانيّة هذه الصناديق لأغراض سياسيّة تمثّلت خاصّة في تمويل شركات ذات حضوة أو تمويل حملات الحزب الحاكم آنذاك وغيرها. أمّا الخطأ الأكبر بعد 14 جانفي 2011، كان في إهمال هذا الملفّ الشائك والمستعجل، فالوزير السابق خليل الزاوية كان خائفا ومتردّدا لاعتبارات سياسية وحسابات انتخابيّة ولم يستطع اتخاذ قرارات حاسمة أو البدء في إصلاحات هيكليّة لمشاكل متراكمة منذ عقود بينما مشكلة الصناديق الاجتماعيّة هي أولويّة وطنيّة فوق كلّ اعتبار أو مصالح حزبيّة ضيّقة.

أمّا بالنسبة للحلول والإجراءات اللازمة لانتشال منظومة الضمان الاجتماعي من وضعيتها الحالية، فيجب أن تبدأ باستشارة وطنيّة تظمّ كلّ المعنيّين والفاعلين في هذا القطاع، مع مراعاة الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي تمرّ بها البلاد وتدهور القدرة الشرائيّة للمواطن التونسيّ ممّا يجعل من فرضية الترفيع في المبالغ المقتطعة لفائدة الصناديق أمرا مستبعدا. وهو ما يجعل من  خطوة الترفيع في سنّ التقاعد الإجراء العاجل الوحيد و المتاح بحسبّ "السيّد بلال". بالإضافة إلى إلى تعديل صيغة الإقتطاع وبعث صندوق تكميليّ جديد في مرحلة لاحقة على غرار التجربة الأوروبيّة.

الاتحاد العام التونسي للشغل، كان بدوره حازما تجاه مثل هذه المقترحات أو الحلول، إذ اعتبرها وعلى لسان السيّد عبد الكريم جراد الأمين العام المساعد والمسئول عن التغطية الاجتماعيّة، بالونات اختبار لن تمرّ. وقد أضاف السيّد عبد الكريم أنّ تحديد سنّ التقاعد محدّد بقانون وبالتالي لا يمكن أن يتغيّر إلا بقانون يلغيه صادر عن السلطة التشريعيّة، كما أنّ الحلّ الحقيقيّ للأزمة يكمن في الأخذ بأسباب عجز الصناديق وهي مشاكل هيكليّة تتطلب حلولا جذريّة لا مجرّد إجراءات شكليّة كمسألة الترفيع في سنّ التقاعد والتي لن تكون سوى حلّ جزئيّ و مؤقّت.

أمّا مسألة إعادة النظر في قاعدة الاحتساب، فيرى الأمين العام المساعد أنّ الصيغة الحالية مكسب وطنيّ لا يجوز التفريط فيه بأيّ شكل من الأشكال وأنّه لن يتم السماح بالمساس به كون سيضرب المنظومة ككلّ، وقد رفض محدّثنا بصفة قاطعة أن تكون الإصلاحات أو القرارات مسقطة، بل شدّد على أنّ الحلّ يكمن في الجلوس والتحاور وفق العقد الاجتماعيّ الذي سبق توقيعه بين الدولة ومنظمة الأعراف والاتحاد والبدء في استشارة معمّقة وجدّية لتطوير أداء الصناديق وضمان عدم المساس بحقوق الأجراء وجوهر المنظومة ككلّ.

يدا عن الحسابات السياسيّة ومحاولات التوظيف والمزايدات، تبدو الأزمة الاقتصادية أعمق من أيّ حلول عاجلة أو مسكّنات ظرفيّة، وهو ما يستدعي بالفعل تجنّد جميع الأطراف لحلّ هذه المعضلة ذات الطابع الوطنيّ بعيدا، فالكارثة لو حلّت لن تستثني أحدا والقطاع العام لو انهار فإنّها ستكون واحدة من أكبر النكسات التي سيعرفها الشعب التونسيّ.