تشير العديد من المصادر إلى أن ليبيا تعتبر أول دولة ينضبط فيها التشريع عبر صدور أول قاعدة بيانات فيها على مستوى دول الوطن العربي في موسوعة التشريعات القانونية، والتي تغطي المرحلة من الاحتلال الإيطالي وحتى المرحلة المعاصرة، وتتمثل في موسوعة ضخمة يتم تحديثها بشكل مستمر بإضافة عدة ملاحق تضاف إليها بشكل دوري. 

ومر القضاء الليبي والقوانين بعدة مراحل تاريخية وفقا لما مرت به المنطقة التي تمثل ليبيا الحالية من أحداث وتغيرات سياسية، وهنا نتوقف عند المرحلة التاريخية التي اعقبت ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 وبدء مرحلة الجمهورية، حيث تم تعطيل كل القوانين والتشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية، ليرتكز النظام القانوني الليبي على مجموعة من القوانين المدنية والجنائية التي تتخذ من الشريعة الإسلامية مصدرًا لها، وكذلك المبادئ القانونية الإسلامية ويطبق القضاة مبادئ الشريعة الإسلامية في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية.

وينتظم القضاء الليبي في هيكل شأنه شأن معظم الأنظمة القضائية السائدة في العالم من حيث الشكل، فهو يترتب في تنظيم تدريجي من أربع طبقات رئيسية بداية من المحكمة العليا ونزولا إلى المحاكم الجزئية وهو على الشكل التالي:-

أولا-المحكمة العليا : وتمثل قمة الهيكل القضائي، وتتخذ من العاصمة طرابلس مقرا لها، و تتألف من رئيس، وعدد من المستشارين يتم اختيارهم من قبل مؤتمر الشـعب العام "الذي يمثل السلطة التشريعية" -يوازي البرلمان في النظم السياسية المتعارف عليها.

 وتتكون المحكمة العليا من خمسة غرف تخصصية هي: 

غرفة للقضايا المدنية والتجارية، وغرفة للجنايات، وغرفة للإدارة، وغرفة دستورية، وغرفة شرعية.

ثانيا-محاكم الاستئناف : وهي محاكم الدرجة الثانية وتسبق المحكمة العليا في درجات المقاضاة حيث تقبل الطعون التي ترفع ضد أحكام المحاكم الابتدائية الصادرة عنها كمحكمة أول درجة. وتبقى الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف قابلة للطعن فيها بالنقض أمام المحكمة العليا سالفة الذكر.

ثالثا-المحاكم الابتدائية تعتبر من محاكم القانون العام، وهي محكمة ثاني درجة للنظر في الأحكام الصادرة عن المحاكم الجزئية.

رابعا-المحاكم الجزئية : هي محاكم الدرجة الأولى، وتختص بالفصل في المسائل المدنية، والتجارية، والأحوال الشخصية، كما تختص بالنظر في الجنح والمخالفات، مقارها المدن الصغيرة.

ويعتمد الجهاز القضائي في ليبيا على جملة من التشريعات والقوانين الأساسية التي تنظم العملية القضائية وتتم عبرها المقاضاة وإصدار الأحكام، وتندرج التشريعات الليبية في خمسة قوانين هي:

قانون المرافعات المدنية والتجارية.

قانون الإجراءات الجنائية.

قانون القضاء الإداري رقم 88 لسنة 1971.

قانون نظام القضاء رقم 51 لسنة 1976.

قانون المحكمة العليا لسنة 1953، والمعدل بالقانون رقم 6 لسنة 1982.

ويرتكز القضاء على ستة مبادئ أساسية تكفل استيفاء الحقوق، ورد المظالم، وردع متجاوزي القانون، وتتمثل هذه المبادئ في:

مبدأ استقلال القضاء.

مبدأ المساواة أمام القانون.

مبدأ المساواة أمام القضاء.

مبدأ علانية التقاضي.

مبدأ التقاضي على درجتين.

مبدأ تأمين حــق الدفاع.


محكمة الشعب

في عام 1988 أستحدثت في ليبيا محكمة جديدة استثنائية باسم محكمة الشعب، تم إقرار تأسيسها من قبل مؤتمر الشعب العام (البرلمان) في دور إنعقاده في الثاني من مارس 1988 بعد إقرارها من قبل المؤتمرات الشعبية الأساسية، وجاء في ديباجة القانون رقم 5 لسنة 1988 الخاص بتأسيها، "تنشأ بمقتضى أحكام هذا القانون محكمة تسمى محكمة الشعب تهدف إلى تعزيز الحرية وإنصاف المظلومين ومنع العسف والجور وتوطيد دعائم العدالة والأمن وتوكيد سلطة الشعب في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى".

وتتألف محكمة الشعب من رئيس وعدد من الأعضاء يتم اختيارهم دورياً بقرار من مؤتمر الشعب العام، وهم مستقلون، وتتكون محكمة الشعب من:-

دائرة استئنافية تتكون من هيئة أو أكثر برئاسة رئيس محكمة الشعب أو مساعدة وعضوية أربعة من أعضائها ويكون مساعد رئيس المحكمة أقدم الأعضـاء العاملين بها.
 - 
دوائر ابتدائية تشكل كل منها من ثلاثة أعضاء وتكون لكل دائرة اختصاصات قاضي الإشراف المنصوص عليها في قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية

وتختص محكمة الشعب دون غيرها من المحاكم في ليبيا في البت في بعض القضايا المتعلقة بأمن الدولة، وبعض القضايا السياسية، وحالات إساءة استعمال الوظيفة أو المهنة أو الانحراف بأعمال التصعيد الشعبي "الانتخاب"، إضافةإلى الجرائم الماسة بحريات الأفراد في حالة عدم إحالة الموضوع إلى الجهة القضائية المختصة لأي سبب

كما تختص المحكمة في قضايا الطعون في الإجراءات والقرارات الماسة بحرية المواطن وحقوقه الأساسية الأخرى، والطعون المتعلقة بالتصعيد الشعبي، ودعاوى التعويض عن الأموال المنقولة الناتجة عن الانحراف في تطبيق المقولات الثورية مثل "البيت لساكنه" و "شركاء لا أجراء" وغيرها من المقولات التي شاب تنفيذها استغلال البعض للاستفادة الخاصة، ومجانبة الهدف الأساسي منها.

وقد أصدر مؤتمر الشعب العام في شهر يناير سنة 2005 قانونا بألغاء محكمة الشعب، وإحالة اختصاصاتها إلى المحاكم العاملة في البلاد كل حسب اختصاصها.

الوثيقة الخضراء لحقوق الإنسان

في الثاني عشر من شهر يونيو من عام 1988 أصدر مؤتمر الشعب العام دورة انعقاد استثنائية بمدينة البيضاء الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان، والتي أعتبرت وثيقة لدعم الحريات وتأكيد حقوق الإنسان، لتكون مكملة لدور القضاء في رفع المظالم وإثبات استيفاء الحقوق للمواطن، وحددت الوثيقة اشتراطات لصالح حرية وحياة المواطن في تطبيق القوانين في أقل نطاق ممكن، كالحبس وعقوبة الإعدام، حيث جاء من بين نصوصها أنه، " الحبس فقط لمن تشكل حريته خطرا، أو إفسادا للآخرين وتستهدف العقوبة الإصلاح الاجتماعي وحماية القيم الإنسانية ومصالح المجتمع."، كما جرمت الوثيقة العمل السري واستخدام القوة بأنواعها والعنف والإرهاب.

ونادت الوثيقة بالتضييق في تنفيذ عقوبة الإعدام، بحيث يكون الإعدام فقط لمن تشكل حياته خطرا أو فسادا للمجتمع ، وللمحكوم عليه قصاصا بالموت طلب التخفيف أو الفدية مقابل الحفاظ على حياته.

واعتبرت الوثيقة أن الدين شريعة مقدسة ذات أحكام ثابتة لاتخضع للتغيير أو التبديل وهو إيمان مطلق بالغيب وقيمة روحية مقدسة خاصة بكل إنسان عامة لكل الناس ، فهو علاقة مباشرة مع الخالق دون وسيط، ويحرم احتكار الدين واستغلاله لإثارة الفتن والتعصب، والتشيع، والتحزب والاقتتال.

كما تناولت نصوص الوثيقة العديد من الموضوعات القاضية بتأكيد حقوق الإنسان، ودعم تحقيقها، والحد من الانتهاكات، وإلغاء كل القوانين المعرقلة لها، وقد تموضعت الوثيقة في مجمل نصوصها بين الاحتكام للشريعة السماوية ومحاولة البحث عن حقوق الإنسان بمنظوره الحديث ضمن مسلك يحترم القوانين والتشريعات النافذة.