إلى حدود العام 2017 بقي الغموض يلف قضية سيف الإسلام القذافي، ووضعية احتجازه في مدينة الزنتان. ورغم أن أصواتا كثيرة منذ 2015، بدأت تنادي بعودة سيف إلى الحياة السياسية الليبية بالنظر إلى الوضعية الصعبة التي تعيشها البلاد، وثبوت فشل تجربة مسار فبراير، لكن تلك الأصوات بقيت مجرّد دعوات قبلية أو ذاتية اقترنت أساسا بالولاءات السابقة، ومن خلال شجاعة لم تكن إلى تلك الفترة ممكنة لدى الكثيرين. لكن بعد تأكد خبر الإفراج عن القذافي من خلال قانون العفو العام، أصبحت الدعوات فعلية بأن يعود إلى الحياة السياسية ويدخل على خط المنافسة من أجل قيادة الدولة التي أصبحت في حاجة أكيدة لشخصية جامعة قادرة على إخراجها من أزماتها الكثيرة.

قبل حوالي عام أعلنت مصادر مقربة من سيف الإسلام اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية في بلاده، حيث نشر موقع الوطن المصري حوارا مع الهاشمي الصول الذي تحدّث بصفة الناطق باسم عائلة العقيد معمّر القذافي، أكد فيه اعتزام سيف الترشح معللا ذلك بحاجة البلاد إلى تغيير سياسي وإلى أن مطالب شعبية كثيرة تدعو إلى ذلك، مضيفا أن ذلك قد يساهم في إنقاذ البلاد. الواقع أن دخول سيف على خط المنافسة خدمته الظروف التي تعيشها البلاد. لم يكن شيء ينبئ بانفراجه للوضع إلا بعملية سياسية شاملة كانت بطبيعتها مطلبا لدى الأطراف الداخلية والخارجية، ومن الطبيعي أن القذافي الابن وما يمثله من رمزية داخل قطاع واسع من الليبيين، تجعله طرفا منافسا حقيقيا باعتباره أولا جزءا من نظام قديم مازال يلقى صداه في المجتمع الليبي وباعتباره أيضا شخصية قادرة على أن تجمع عددا من الفرقاء بالنظر إلى علاقاته وارتباطاته السابقة قبل الإطاحة بنظام والده.

ورغم تأكيد أكثر من طرف لترشح سيف الإسلام لأول استحقاق انتخابي قد ينظّم في البلاد، لكن الحقيقة أن المشهد القبلي هو الذي يحدّد أغلب الخيارات ويعطي الصورة على إمكانيات نجاحها أو فشلها. فليس خاف على أحد في ليبيا الدور الذي تلعبه القبائل في بعض القضايا المصيرية لعل من بينها مسألة ترشيح سيف الإسلام للانتخابات الرئاسية المفترض إجراؤها في ليبيا رغم مسألة التقييد ليست مطلقة وهناك قبائل أيضا مازالت مأخوذة بحماسة سنوات فبراير وترفض أي دور لعناصر قديمة في مستقبل ليبيا.

والصول في ذلك الحوار قال إن سيف الإسلام يحظى بتأييد 80 بالمئة من القبائل الليبية بما يجعله في طريق مفتوح نحو قيادة ليبيا وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد سنوات من الفوضى الأمنية والسياسية. وبغض النظر عن حقيقة النسبة والمبالغة النسبية فيها، لكن هناك حقيقة ثابتة ولا أحد ينكرها أن هناك رغبة شعبية في عودته لقيادة البلاد سواء لقناعة بقدرته على التغيير أو حتى لمسألة عاطفية تستحضر سنوات الاستقرار التي كان يعيشها الليبيون في ظل حكم والده.

الإسناد القبلي لنجل القذافي بدأ الحديث عنه من لحظة الإفراج في يونيو 2017. وقتها لم يكن في وارد أحد دخوله مباشرة للعملية السياسية، أو على الأقل كل شيء كان يدور في الكواليس في إطار عمل مدروس يأخذ في الاعتبار التشابك الحاصل بين فرقاء السياسة والسلاح. لكن منذ إعلان مقربين منه نيته في الترشح بدأت أصوات كثيرة ومن أكثر من منطقة في البلاد تصدر مواقفها صراحة بمساندته لقيادة البلاد بعد الانتخابات المقبلة.

الدعم القبلي لابن القذافي بدأ من وسط وجنوب البلاد أين أعلنت قبائل مناطق غات والبركت والفيوت وتهالا والعوينات عن  مساندتها له نحو كرسي الرئاسة، وأعربت في بيان نشرته بوابة إفريقيا الإخبارية في يوليو 2018، عن "دعمها ووقوفها معه، داعية كافة أبناء الشعب الليبي إلى مساعدته في الانتخابات الرئاسية القادمة ليكون رئيساً ومنقذاً لليبيا"، مشيرة إلى أنها "لا ترى أحدا مؤهلاً تأهيلاً تاماً لقيادة ليبيا ويتولى زمام أمورها غير الدكتور سيف الإسلام القذافي صاحب مشروع ليبيا الغد".

كما نشر موقع العربي اليوم المصري مقالا تحليليا حول الدعم الشعبي للقذافي الابن مستندا إلى معلومات عن جريدة الشروق التونسية، التي ذكرت أن قبائل ورفلة، وورشفانة، وترهونة، والمقارحة، والقذاذفة، والأمازيغ، والتبو، والطوارق، كلها تدعمه نحو الرئاسة. وتلك القبائل أو أغلبها، بل حتى التي كانت تاريخيا على خلاف مع والده اليوم ترى في سيف زعيما منقذا وقادرا بكاريزمته الخاصة على إعادة ضبط العديد من الأمور. والقبائل المذكورة والمتمركزة أساسا غرب البلاد، بالإضافة إلى قبائل الجنوب بالإمكان أن تفتح أفاقا كبيرة لسيف الإسلام لكي يكون على رأس الحكم في الانتخابات المقبلة.

الموقع أشار كذلك إلى أن الموقف من جماعات الإسلام السياسي وما تسببت فيه من مشاكل خلال سنوات ما بعد "فبراير" شجّع تلك القبائل على المضي في تأييدها، حيث ترى في سيف الإسلام الشخصية الجامعة والقادرة على التحكم في دواليب الدولة مستقبلا. والواضح في هذه المسألة بالذات أن الإسلام السياسي يعيش نكبة حقيقية في الداخل الليبي بعد تأكد الغلبية العظمى من الشعب أن جماعاته بمختلف تفريعاتها هي المتسببة في حالة الفوضى التي عاشتها البلاد في المرحلة الماضية.

وبعيد عن التأييد الذي يجعل سيف الإسلام رقما صعبا في الانتخابات القادمة المتوقعة قبل نهاية 2019، هناك أطراف في الداخل تعارض الخطوة باعتبارها أطراف منتفعة من حالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد، أو هي أطراف اعتقدت في لحظة "فبراير" أن المستقبل لها مستندة في ذلك على دعم إقليمي واضح وهي أساسا جماعات الإسلام السياسي التي انتشت في لحظة من اللحظات "بانتصار" مركزت فيه نفسها واعتقدت من خلاله أنها اكتسبت شرعية لا منافس لها فيها.

وإذا كان التأييد بالنسبة إلى سيف الإسلام يلقاه من التركيبة القبلية أساسا لما لها من تأثير وتحديد في مسائل السياسة والأمن، فإن معارضته تركّزت أساسا مناطقيا وفي جغرافيا محدودة أصبحت بدورها منقسمة بين من يريد المضي قدما في مسار "فبرير" رغم ثبوت فشله لأنه منحها "مجدا" جديدا ما كانت لتتلقاه خارج ذلك المسار، وبين من اختار السير نحو مصالحة وطنية وعيا منه أن المرحلة لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الانقسامات، وهذا الطرف يعتقد أنه لن يرى حرجا في وجود طرف من النظام القديم على رأس الحكم لكن بالتأكيد وفق ضمانات وشروط قد تقبل من جميع الأطراف، لعل من بينها تمثيلية قطاع واسع من الليبيين وفق ما تقتضيه المصلحة العليا للبلاد، وهذا المسار قد يتم القبول حتى من الأطراف الخارجية التي لم تتمكن رغم كثرة مبادراتها والتحشيد الدولي على أكثر من سياق، في إيجاد حلحلة للملف.

بغض النظر عن إمكانية سيف الإسلام في الوصول إلى قيادة الحكم في ليبيا. ورغم أن مؤشرات كثيرة تدلّ عن رغبة شعبية واسعة في ترشحه، لكن المؤكّد أن كم القضايا وتعقيدها سيجعلان من سيف الإسلام أو حتى غيره ممن ستضعهم الأقدار في ذلك الموقع أمام امتحانات سياسية وأمنية صعبة، الفرق فقط أن التجربة السياسية لسيف وإمكانية الرضى النفسي شعبيا قد تتيحان للأخير إمكانيات أفضل من غيره لقيادة البلاد.