علي الشورابي قاض تونسي من الدرجة الثالثة وهي أعلى درجات القضاء ويتحوز على تجربة هامة تمتد على 26 سنة بالمحاكم التونسية وبالتالي تصح عليه المقولة التالية: المحكمة والروب ومكاتب التحقيق تعرفني ...و النيابة العمومية و الضحية والمتهم" مدفوعا بهذا الرصيد الأكاديمي والقانوني أعلن بكل ثقة الترشح كمستقل لمنصب رئيس الجمهورية معتبرا نفسه الأجدر من بين كل المترشحين بقيادة البلاد والعباد وأنه الرجل المناسب في المكان المناسب بحكم حياديته واستقلاليته من كل تحزب أو انتماء سياسي مما من شأنه تجميع كل التونسيين بمختلف إيديولوجياتهم وفق تعبيره.

الشورابي الموسوم بالهدوء والرصانة والخجول أحيانا القادم من أعماق تونس المنسية وتحديدا من منطقة حاجب العيون من محافظة القيروان وسط تونس حيث ولد بتاريخ 26 جويلية 1963 كسر النمطية الجهوية للسلطة في تونس بإعلانه صراحة وبصوت مسموع أن أبناء الشعب هناك، حيث مناطق الظل ومن لا ظل له، وحيث المقاعد الخلفية دوما، من حقهم الحلم والسعي إلى تحقيق الحلم
وتغيير وجهة الخارطة السياسية لتونس التي تحكم بها ومازال أبناء الساحل وأبناء مناطق الضوء انطلاقا من بورقيبة إلى بن علي فالسبسي ثم مهدي جمعة نحو وجهة الشعب في عمقه وبساطته وآلامه وآماله..حلم قد يحققه قاضي الدرجة الثالثة وقد لا يحققه ولكن يبقى له شرف المحاولة.

الشورابي إبن عاصمة الأ غالبة الحائز على الأستاذية في الحقوق والعلوم السياسية سنة 1988 وعلى شهادة الكفاءة في مهنة المحاماة وعلى شهادة العلاقات الدولية وكذلك على دبلوم في اللغة الإنقليزية من المجلس الثقافي البريطاني بتونس تقدم على مهل لرئاسة البلاد معولا على هذه الحزمة من الشهائد العلمية والعملية التي قد تعبد له الطريق الوعرة في اتجاه قصر قرطاج حيث يتنافس المتنافسون وكل ينشد ليلاه الرئاسية ومعولا كذلك على انحداره من الطبقة الريفية وارتباطه الوثيق بالفئات الشعبية التي ربما قد تستشعر صدق تعهداته ووعوده الانتخابية اعتمادا على المثل القائل " اللي ليك ليك واللي خاطيك خاطيك" وبالتالي تمنحه أصواتها وثقتها فربما يستطيع ابن الشعب تحقيق مطالب الشعب وينجح حيث فشل الآخرون من أبناء الطبقة البرجوازية أو ما يصطلح عليهم ب "البلدية".

الشورابي راهن كذلك على فئة تعتبر القادح والمحرض والمنفذ أو هكذا خيل لها للانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم بن علي وهي فئة الشباب خصوصا شباب المناطق الداخلية بالشمال الغربي والوسط والجنوب، حيث أكد أن أحلام وأوهام الثورة خذلت هؤلاء في عدم تحقق أهم المطالب التي نادوا بها والتي انتفضوا من أجلها على النظام السابق وأهمها التشغيل والتنمية مشددا على أن إنقاذ الشباب التونسي من اليأس والإحباط هو من أولويات برنامج حزبه داعيا هؤلاء بكل وضوح إلى انتخابه لوضع حد لإحباطهم. ولعل الشورابي الإنسان الذي يؤكد المقربون منه أنه أبوي بالفطرة ولديه فائض من الأبوة وهو الأب لأربعة أبناء اندفع بوعي أو بدون وعي منه إلى توخي هذا الاتجاه الصريح خطابيا ومنهجيا وعمليا بحكم إصراره على المراهنة على الشباب الكادح والالتقاء به في كل جهات البلاد لثقته بأنه إن ربح أو خسر معركة الرئاسة سيكون المرشح الوحيد الذي أعلن تبنيه لمشاغل الشباب ووضع إصبعه على مواطن أدوائه بصدق جلي يحسب له حتى مع وجود معطى المصلحة الانتخابية أو الشخصية.

القاضي تعهد كذلك بتكريس الأمن الجمهوري ودعم المؤسستين العسكرية والأمنية لإنقاذ البلاد من آفة الإرهاب و تحقيق الاستقرار وهو ذات التعهد الذي أعلنه أغلب المترشحين. كما وعد بالالتزام ببنود الدستور وحماية الحقوق والحريات لجميع التونسيين ولا سيما بمراجعة السياسة الخارجية معلنا بصريح العبارة التعهد بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والتآمر عليها تنفيذا لأجندات أجنبية في إشارة منه إلى الأخطاء الكارثية التي قام بها الرئيس المتخلي منصف المرزوقي بخصوص الملفين السوري والمصري وهي النقطة التي ميزت برنامجه الانتخابي مقارنة بغيره ، حيث اكتفى البعض بالتلميح لا التصريح إن مجاملة للرئيس المؤقت أو رغبة منهم في تجنب الدخول في مشاحنات معه ولو مؤقتا. في المقابل لاقى إعلان الشورابي بأنه سيعمل على مراجعة نظام التأشيرة بالنسبة إلى الأجانب الراغبين في دخول تونس عبر تفعيل المعاملة بالمثل من حيث القبول أو الرفض استهجان التونسيين، إذ تساءل البعض هل بمقدور تونس رفض منح التأشيرة لسياح أو مستثمرين أمريكيين أو فرنسيين أو ألمان وغيرهم لاسيما وأن اقتصادها الوطني يرتكز في جزء كبير منه على السياحة والاستثمار الخارجي؟ ورغم احترامهم لتعهد يدخل في باب السيادة الوطنية في معناه الطوباوي الحالم ولكنه يبقى غير واقعي ويفتقد إلى معطى هام وهو بعد النظرالذي يجب أن يتوفر
ضرورة ووجوبا في رئيسهم المقبل خاصة وأن حصيلة أداء مؤسسة الرئاسة في السنوات الثلاث
الفارطة كانت في أغلبها كارثية حسب تعبيرهم.

إصرار علي الشورابي في كل مناسبة على التذكير بمناقبه الريفية والشعبية والتأكيد على انحداره من الطبقات المهمشة وإن كان يندرج في خانة الفضيلة وإجلال لمسقط الرأس والأصل والمنبت في عيون البعض ، إلا أنه يثير امتعاض البعض ممن يعتبرون هذا التوجه مواصلة في نهج شراء الأصوات المعنوي ونوعا من الرشوة السياسية الأدبية للناخبين كما حصل خلال حكم الترويكا التي قدمت وعودا بالتنمية والتشغيل والكرامة ولكن الواقع أثبت زيفها وكذلك الشأن بالنسبة لمن يأتي بعدهم.

فوفق هذه المعادلة وبها وعبرها أصبح يفكر المواطن التونسي المحبط جراء السقوط من حالق الوعود الثورية التي خانت الطريق المؤدية نحو أحلام ومطالب البسطاء. هذا التوغل في الخانة الشعبية أو محاولة التوغل في الحقيقة فهمت وكأنها استجداء لأصوات هذه الفئات و أسقطت وقار رجل القانون
في الشعبوية التي لا يجب أن يسقط فيها المثقف حتى ولو كان الهدف كرسي الحكم. وهو ما يعاب على الشورابي الذي يري متابعون أنه ومدفوعا بصدقه ينسى في غالب الأحيان أنه يخوض معركة سياسية من أعلى طراز وعليه فمن الواجب من أجل كسبها التحلي بخصال سياسية بحتة أهمها "الخبث السياسي" واتباع خطاب ومنهج معينين يتعود من خلالهما على كيفية اقتناص أهدافه السياسية من علو و ليس بالضرورة من الأسفل أو الاثنان معا، لم لا؟ خاصة أن أغلب المترشحين في تونس لم يتوجهوا في حملاتهم الانتخابية إلى الطبقة المثقفة وهي طبقة بقيت مغيبة تماما في رئاسيات تونس على حد قولهم.

الشورابي الناشط المدني ومؤلف عدة كتب قانونية حول حقوق الإنسان والذي انتمى سابقا إلى بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الانتخابات في كمبوديا و مرشح الرئاسة المستقل ما فتئ يردد كذلك أنه الرئيس التوافقي الذي بإمكانه أن يحظى بدعم الأحزاب السياسية الكبرى والفائزة في الانتخابات التشريعية ليعيد ويؤكد في المقابل أنه لم يتلق أي دعم من أي حزب سياسي للترشح في الرئاسية وهو موقف وصفه الكثيرون ب"المتذبذب" فكيف يطالب بالشيء وضده ولو ضمنيا؟ يتساءل متابعون. كذلك الشورابي القاضي لم يول المنظومة القضائية في تونس أهمية كبرى في برنامجه الانتخابي لاسيما بخصوص تفعيل استقلالية السلطة القضائية التي يشكك البعض في استقلاليتها خاصة في عهد الترويكا مع العلم وأن الشورابي تجنب في حوار سابق ل "بوابة إفريقيا الإخبارية" الإجابة عن سؤال في الغرض.