خصص السياسي والصحفي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري مقاله الأسبوعي للحديث عن المؤتمر الوطني الليبي الذي طال انتظاره والمقرر عقده في مدينة غدامس منتصف الشهر المقبل.

وقال الفيتوري  أخيرًا أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسان سلامة مواعيد ومكان انعقاد المؤتمر الوطني الليبي الذي طال انتظاره، ومن المقرر الآن أن يجري في الفترة من 14 إلى 16 أبريل في مدينة غدامس الليبية الواقعة في جنوب غربي البلاد وهي مدينة تاريخية كانت ذات يوم نقطة جذب سياحي في ليبيا عندما كانت البلاد مستقرة وسلمية.

وقدم سلامة لأول مرة المؤتمر الوطني الليبي كجزء من خارطة طريق من ثلاث خطوات وقد وافق عليها مجلس الأمن الدولي في سبتمبر 2017،  تهدف خارطة الطريق أولاً إلى تعديل الاتفاق السياسي الليبي الموقع في المغرب في ديسمبر 2015 ، ثانياً تنظيم الحوار الليبي للتوفيق بين الليبيين وتشجيعهم على إيجاد حل لمشكلة بلادهم، وأخيرا تنظيم كل من الانتخابات التشريعية والرئاسية على أساس دستور جديد وقانون انتخابات جديد.

وبعد ست جولات من المفاوضات  تخلت الأمم المتحدة في صيف عام 2018 عن تعديل قانون العمل السياسي لأن البرلمان والمجلس الأعلى للدولة وهما الطرفان الرئيسيان رفضا التسوية. لم تتم الانتخابات كما كان متوقعًا في الأصل في ربيع العام الماضي. حتى مشروع الدستور لا يزال في الهواء لأنه يواجه تحديات قانونية قبل طرحه في الاستفتاء لاعتماده، فعند نقطة واحدة بدا أن كل شيء كان ينهار حول سلامة!

وبقى غسان سلامة بدون خيار سوى لعب آخر ورقة له  وهي تنظيم المؤتمر الوطني الليبي الذي أعلنه في مؤتمر صحفي في طرابلس يوم 20 مارس مباشرة بعد إحاطة مجلس الأمن والحصول على دعمه.

الآن تم إعداد المرحلة للمؤتمر الوطني الليبي أن يجري في أقل من ثلاثة أسابيع ولكن المسائل اللوجستية والقانونية لا تزال دون إجابة.

ولكن ما هو هذا المؤتمر وما مدى نجاحه؟ ببساطة  فإن الاجتماع  الذي يشار إليه أحيانًا باسم المنتدى، هو اجتماع ليبي جامع مكلف بجمع أكبر عدد ممكن من الممثلين الاجتماعيين والسياسيين والقبليين والمدنيين الليبيين للمناقشة  -لمدة يومين- ، والتوصية بطرق للحصول على للخروج من الانقسام والصراع. لقد غرقت ليبيا في حالة من الفوضى والصراع منذ أن ساعد الناتو المتمردين في الإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي  في أكتوبر 2011 بعد حرب دموية دامت ثمانية أشهر.

وقال سلامة إن ما بين 120 و 150 شخصًا سيشاركون في المنتدى دون الكشف عن كيفية اختيار المشاركين. وبناءً على الوضع السياسي والعسكري السائد على الأرض من السهل تخمين من سيشارك.

وبالتأكيد سيتم دعوة ممثلي مراكز القوى الحالية في البلاد سواء كانت قانونية أو غير ذلك. وهذا يعني أن الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر  -الذي يسيطر الآن على ما يقرب من ثلثي ليبيا- سيتم دعوته وممثلي البرلمان في شرق البلاد في طرابلس  وحكومة الوفاق الوطني  وبعض ممثلي الميليشيات المتحالفة معها هم بالتأكيد على قائمة المدعوين. كما سيتم ضم زعماء القبائل والمجتمع المدني.

والأمل هو أن ينتج عن هذا المزيج وثيقة واسعة  في شكل توصيات تدعمها "غالبية الليبيين" لتشكيل خريطة طريق جديدة تنتهي بالانتخابات، وهو الاتفاق الذي يدعمه شريحة واسعة من المجتمع.

وتساءل الكثيرون عما إذا كان المؤتمر الذي يستمر يومين طويلاً بما يكفي للتوصل إلى توافق في الآراء. بينما أشار آخرون إلى أن غدامس   -التي تبعد أكثر من 600 كم عن طرابلس- لا تملك بنية أساسية كافية لاستيعاب عدد الممثلين الذين يصلون إلى الاجتماع ويدعمونه.

ومع ذلك فإن مبعوث الأمم المتحدة كان يقوم بأعمال تحضيرية للمنتدى، وجرى الاستعانة بمصادر خارجية في مرحلة التشاور مع مركز الحوار الإنساني وهو مركز أبحاث سويسري ذو خبرة طويلة في مناطق النزاع من سريلانكا إلى مالي. وعقد المركز حوالي 77 اجتماعًا في جميع أنحاء ليبيا في ربيع وصيف عام 2018 وتلقى مئات الرسائل والتوصيات من ليبيين داخل البلاد وخارجها. تم إنتاج جميع المساهمات في وثيقة ملخصة من 80 صفحة،و ستستند مناقشات المؤتمر الوطني إلى هذه الوثيقة.

وهذا يعطي دفعة كبيرة للعملية مما يجعلها شأن ليبي حصري.و يلقي العديد من السياسيين والأكاديميين والناشطين وزعماء القبائل باللوم على الفشل في التوصل إلى تسوية سياسية في ليبيا على التدخلات الأجنبية.

وفي حين أنه ليس من المتوقع أن ينتج المؤتمر الوطني الليبي حكومة ولن يعمل كهيئة تشريعية لتحل محل البرلمان الحالي، فإن بعض النواب يشككون في أنه قد ينتهي الأمر به إلى أن يكون برلمانًا بحكم الأمر الواقع. وكان سلامة واضحا في مؤتمره الصحفي حول هذه النقطة بالذات عندما قال "المؤتمر ليس مؤسسة أخرى بل هو مؤتمر ولن يضيف مؤسسات جديدة إلى المؤسسات القائمة". ونأمل أن تكون هناك محاولة لإعادة طمأنة أصحاب الموقف السياسي الحاليين وأنه سيتم الطعن فيها فقط من خلال صناديق الاقتراع.

وفي حال نجاحه من المتوقع أن يحقق الؤتمر الوطني الليبي مصالحة وطنية ويحدد موعد الانتخابات ويضمن نتائج الانتخابات ويمهد الطريق للمضي قدماً للحكومة المنتخبة. والأهم من ذلك أنه من المتوقع توفير شبكة أمان للانتخابات المقبلة.

وكان آخر مؤتمر مماثل ساعدته الأمم المتحدة  مجلس اللويا جيرغا في أفغانستان الذي وافق على حميد كرازي كرئيس إلى جانب حكومته في عام 2002 وعمل كضامن للانتخابات في البلاد.

ومع ذلك ليس من المفترض أن يعيد المؤتمر الوطني الليبي إعادة إنتاج النموذج الأفغاني، لأن هذا سيعني التعدي على واجبات البرلمان المنتخب   باستثناء بمعنى التوصل إلى أوسع توافق في الآراء بين الليبيين حول الحل الذي يتخيلونه لبلدهم.

وفقًا لسلامة "الهدف الرئيسي من المؤتمر الوطني الليبي هو الاتفاق على الانتخابات"، والتي كانت مطلب الأغلبية الساحقة من الليبيين.

وأكد سلامة أن "المؤتمر سينجح"، مضيفا أن "الإجماع الواسع في الآراء الليبية سيجعل من الصعب على أي دولة أو دول التدخل"، موضحا علاوة على ذلك فأن هذا "الإجماع الواسع سيحصل على دعم المجتمع الدولي".

واختتم الدكتور الفيتوراي مقاله بتساؤل حيق قال "هل سينجح المؤتمر الوطني الليبي في إنقاذ ليبيا حيث فشلت العديد من الاجتماعات والمؤتمرات السابقة؟ أنا شخصيا أعتقد أنه لن ينجح!".
 
 


*"بوابة إفريقيا الإخبارية" غير مسؤولة عن محتوى المواد والتقارير المترجمة