خصص السياسي والصحفي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري مقاله الأسبوعي لصالح موقع ميدل إيست مونيتور  المتخصص في التحليلات السياسية لمنطقة الشرق الأوسط للحديث عن تأثير تدخل ألمانيا في ملف الصراع في ليبيا، ومدى قدرة برلين على إعادة الاستقرار إلى ليبيا.

وقال الفيتوري إن ألمانيا ستستضيف اجتماعًا دوليًا بشأن ليبيا في وقت ما قبل نهاية أكتوبر، فيما يقول البعض قبل نهاية العام. وهذه هي أحدث محاولة لإيجاد حل للصراع في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا والتي عانت من الاضطرابات منذ ما يقرب من تسع سنوات. 

وتدخلت برلين بعد فشل جهود الوساطة الأخرى تقريبًا في جمع الليبيين المتحاربين معًا لإجراء محادثات سلام. واضطر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسان سلامه إلى إلغاء مؤتمره المزمع عقده حول السلام والمصالحة في ليبيا في أبريل الماضي  بعدما اندلع نزاع مسلح بشكل مفاجئ على طرابلس. 

وشن الجيش الوطني الليبي  بقيادة المشير خليفة حفتر هجومًا مفاجئًا على مجموعة من الميليشيات المتحالفة اسمياً مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. وبعد مرور خمسة أشهر يمكن وصف المعارك بكل شيء ولكن ليس بالمتوقفة مما أسفر عن مقتل المئات وتشرد الآلاف وتسبب في دمار واسع النطاق.

ويطرح الفيتوري سؤال مهم هو هل يمكن أن تنجح ألمانيا حيث فشلت بلدان أخرى بما فيها فرنسا وإيطاليا؟

 بالتأكيد يأمل سلامه ذلك ويرى بعض الفرص الضيقة. وفي تقريره الأخير إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اشتكى سلامه من انتهاكات لأهم قرارات المجلس بشأن البلاد. ويحظر القراران 1970 و 1973 اللذان تم اعتمادهما على التوالي في فبراير ومارس 2011 عمليات نقل وبيع الأسلحة إلى ليبيا، لكن العديد من الدول وفقًا لسلامه تواصل إرسال الأسلحة والذخيرة إلى الأطراف المتحاربة في ليبيا. 

وقد تم إلقاء اللوم إلى حد كبير على توافر الأسلحة والمساعدة التقنية والتمويل في استمرار القتال في البلاد. وفشل هجوم الجيش الوطني الليبي في 4 أبريل في اختراق العاصمة مع الحفاظ على حصارها. وهذا يعزز فقط اعتقاد سلامه الذي تشترك فيه العديد من البلدان أن الحل العسكري يكاد يكون مستحيلاً.

ويضيف الفيتوري في مقاله أنّه من المرجح أن تنجح ألمانيا -إحدى دول الاتحاد الأوروبي الكبرى- إذا كان المجتمع الدولي مستعدًا لدعم جهودها. واعترضت برلين على تدخل الناتو العسكري في ليبيا في عام 2011 والذي أدى إلى تدمير البلاد مع الإطاحة بحكومة الرئيس الراحل معمر القذافي. 

وظلت برلين حتى الآن محايدة وامتنعت عن لعب دور في الصراع مكتفية بدعم السياسة المشتركة للاتحاد الأوروبي تجاه ليبيا. في الواقع تعترف برلين بحكومة الوفاق الوطني مثلها مثل العديد من البلدان الأخرى باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا لكنها لم تقف إلى جانب أي من أنصارها المختلفين. وكان مارتن كوبلر -الدبلوماسي الألماني السابق- مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا قبل أن يحل محله غسان سلامه في يونيو 2017. وكان كوبلر هو الذي ساعد في تثبيت موقف حكومة الوفاق الوطني في طرابلس في مارس 2016 بعد أن كانت تعمل من خارج البلاد تحديدا في تونس.

ويعتبر الكثير من المراقبين الليبيين برلين محايدة في النزاع ، على عكس باريس وروما الذين يتهمون بدعم الجيش الوطني الليبي وحكومة الوفاق الوطني على التوالي. واستضافت باريس مؤتمراً دولياً حول ليبيا في مايو 2018 لكنها فشلت في تقديم أي خريطة طريق عملية. وردت إيطاليا باستضافة مؤتمرها الخاص في باليرمو  في نوفمبر من نفس العام ولكنها فشلت مرة أخرى في إحلال السلام في ليبيا. وبعد ذلك  ترأستا الدولتان اجتماعًا وزاريًا في نيويورك الأسبوع الماضي يُنظر إليه على أنه مشاورات أولية لاجتماع برلين.

ومن المؤكد أن سلامه يعتمد على الدور الألماني الجديد لا سيما في تقريب المجتمع الدولي بشأن تنفيذ حظر الأسلحة وإجبار دول المنطقة على التوقف عن التدخل في الأزمة الليبية. ما يريده حقًا هو التزام بوقف تدفق الأسلحة وتعليق ما يسمى بالمساعدة غير الإنسانية، وقبل كل شيء ترك جهود الوساطة للأمم المتحدة وفقًا لعشرات القرارات الصادرة عن المنظمة الدولية.








وألمانيا لديها أيضا سبب وجيه لمحاولة تحقيق الاستقرار في ليبيا. فليبيا بعد كل شيء  هي واحدة من الطرق الرئيسية التي يتخذها المهاجرون غير الشرعيين في جهدهم لعبور البحر الأبيض المتوسط  للوصول إلى أوروبا ويستقر الكثير منهم في ألمانيا بعد الهبوط على الشواطئ الإيطالية.

لكن عقد اجتماع ناجح حول ليبيا ليس بالأمر السهل. ويعتمد الكثير على من تتم دعوته وعلى نوع جدول الأعمال الذي تتم مناقشته. ولقد حافظ الألمان حتى الآن على جدول الأعمال طي الكتمان. ويعتمد الكثير من النجاح على المشاركة الفعالة لدول المنطقة بما فيها مصر والإمارات وتركيا وقطر.

وفي خطاب ألقاه أمام رئيس حكومة الوفاق الوطني العامة فايز السراج اتهم المشير حفتر مرارًا وتكرارًا بارتكاب جرائم حرب قبل أن يصفه بأنه المعتدي متعهداً بعدم مقابلته. وهذا النوع من اللغة لا يساعد المبادرة الألمانية. 

لكن من المثير للدهشة كان رد المشير حفتر بتكرار التزامه بالحوار ولكن فقط بعد مغادرة جميع الميليشيات للعاصمة. ولا يمكن أن تقبل حكومة الوفاق الوطني هذا لأنه يعني الانفصال عن تلك الجماعات التي تساعد في إبقائها في السلطة   وإبقاء قوات الجيش الوطني الليبي بعيدة عن طرابلس.

لم يتضح بعد ما إذا كانت القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا مستعدة لدعم الخطة الألمانية. ولم يصدر اجتماع نيويورك -الذي شاركت فيه الدول الثلاث- أي بيان يشير إلى الخلافات بين القوى الكبرى. وبالطبع ستظل ليبيا الضحية كلما اختلفت القوى العالمية حول مستقبلها. وفي نهاية المطاف يقع على عاتق الليبيين أنفسهم أن يجتمعوا وينقذوا بلدهم قبل أن يفوت الأوان. فلن يتمكن الغرباء من التدخل ما لم يقبل بعض الليبيين هذا التدخل.



* "بوابة إفريقيا الإخبارية" غير مسؤولة عن محتوى المواد والتقارير المترجمة