خصص السياسي والصحفي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري، مقاله الأسبوعي للحديث عن حكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة وكيف أنها تتغافل عن واجبها الحقيقي تجاه الشعب الليبي.

وقال الفيتوري، يوم الثلاثاء الماضي -17 ديسمبر-مر أربعة أعوام على توقيع الاتفاق السياسي الليبي في الصخيرات بالمغرب والذي إنشاء حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج. وكان من المفترض أن تكون تلك الحكومة سلطة مؤقتة لفترة انتقالية مدتها سنتان على الأكثر. وكُلفت بمهمتين أساسيتين: تقديم مسودة دستور وجعل الليبيين يصوتون عليه بالإضافة إلى نظيم الانتخابات على أن تدير البلاد والاقتصاد في غضون تلك الفترة.

وفي مارس 2016 وصلت حكومة الوفاق الوطني إلى طرابلس قادمة من تونس حيث كان مقرها بعد توقيع اتفاق الصخيرات. وأجرت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا مفاوضات شاقة مع ميليشيات مختلفة في طرابلس للحصول على موافقتها على تولي حكومة الوفاق الوطني السلطة في العاصمة. ورفضت مليشيات قوية السماح لحكومة الوفاق الوطني بدخول طرابلس لكنها غيرت رأيها. وفي 30 مارس وفي سرية تامة استقل السراج وزملاؤه فرقاطة إيطالية وتوجهوا إلى طرابلس في مكتب مؤقت في قاعدة بحرية بشرقي المدينة.

ونظرًا لعدم وجود جيش ولا قوة شرطة وجدت حكومة الوفاق نفسها تحت رحمة ميليشيات مختلفة تسيطر على العاصمة والمناطق المحيطة بها. وفي 23 ديسمبر 2016 في محاولة لتعزيز سلطتها اتخذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 2259 واعترف بأن حكومة الوفاق الوطني هي الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا مما منحها السيطرة على ثروة البلاد النفطية الهائلة.

ومن خلال الحصول على إيرادات هائلة من احتياطيات ليبيا من النفط بدأت الحكومة في دفع رعاياها والميليشيات مما جعلها أكثر ثراءً وقوة. ومع ذلك لم يتم إنفاق أي مبالغ لتخفيف معاناة الشعب الليبي. لقد أصبحت حكومة الوفاق الوطني حرفيًا رهينة لجماعات مسلحة مختلفة لم يكن لها سوى سيطرة ضئيلة عليها، بينما زودت حكومة الوفاق الميليشيات بالشرعية لأن الأخيرة تدعي أنها تخضع لسيطرة الحكومة كلما كان ذلك مناسبًا لها.

وبدأت سيطرة الميليشيات على الجيش الوطني تتدخل في عملها مما أعاق الخدمات القليلة التي يمكن أن تقدمها لعموم الشعب الليبي. وتحت أعين حكومة الوفاق أصبح الفساد اللعبة الوحيدة في المدينة واكتسبت الميليشيات المزيد من الشرعية والمال.

وبدأت شرعية حكومة الوفاق تتآكل في مواجهة فشلها في تحسين حياة الشعب الليبي. لقد وجد السراج وحكومته أنفسهم يفعلون كل شيء باستثناء ما ينبغي عليهم فعله. وبعد مرور أربع سنوات وما زال الدستور في شكل مسودة؛ وهناك فقدان كبير للأمن؛ ولم يتم إجراء الانتخابات؛ وحكومة الوفاق الوطني نفسها لم تحصل مطلقًا على موافقة البرلمان. لقد أصبحت سلطة الأمر الواقع نظراً للمصداقية التي تشتد الحاجة إليها حيث تسبقها الكلمات السحرية "الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة" كلما تم ذكرها.

والاتفاق الذي أنشأ حكومة الوفاق لا قيمة له حيث أن العديد من السياسيين الذين تفاوضوا عليه في المقام الأول قد تبرأوا منه. وعلى هذه الخلفية ازداد التدخل الأجنبي في ليبيا مما حول الصراع إلى حرب بالوكالة.

وعندما تسلم مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامه الدور في 22 يونيو 2017 ورث عملية محطمة في بلد مقسم حيث تنشغل النخبة السياسية في كسب المال والتشاجر حول قضايا تافهة مثل أثاث المكاتب ونوع السيارة. ضغط سلامه بشدة لإطلاق خارطة الطريق الخاصة به للبلاد حيث حدد يوم 14 أبريل 2019 موعدًا لعقد مؤتمر وطني. وقبل عشرة أيام فقط من الموعد المقرر شن الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر هجومًا على طرابلس مما جعل العملية السياسية بأكملها عديمة الفائدة. بعد ثمانية أشهر ولا يزال الجيش الوطني الليبي غير قادر على الدخول إلى طرابلس بينما أصبح الصراع حربًا بالوكالة في حين يتحمل الليبيون وطأة القتال. 

وكانت مسألة وقت فقط قبل أن تدخل روسيا في الفوضى، وهي تقف إلى جانب الجيش الليبي. ولطالما أنكرت موسكو أي دور لها في النزاع الحالي حول طرابلس لكن الطائرات الروسية بدون طيار تساعد حفتر. وتدعم الطائرات بدون طيار التركية والمرتزقة الأفارقة حكومة الوفاق في حرب جويّة طويلة الأمد من الاستنزاف والتدمير على حساب الشعب الليبي.

ومما زاد الطين بلة خضوع حكومة الوفاق لابتزاز أنقرة بتوقيعها على معاهدة تحدد الحدود البحرية الليبية مع تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط في مقابل الحصول على مزيد من المساعدة العسكرية. وكان هذا هو الغرض من مذكرة التفاهم التي وقعها الجانبان في 27 نوفمبر. وأطلقت مذكرة التفاهم مجموعة من الإدانات من اليونان وقبرص ومصر والشعب الليبي على حد سواء. ومن المتوقع أن يصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا يرفض فيه المعاهدة باعتبارها "انتهاكًا للقانون الدولي". وقد عبر الزعماء الأتراك بمن فيهم الرئيس رجب طيب أردوغان مرارًا وتكرارًا عن استعدادهم لإرسال قوات إلى ليبيا، لكن فقط إذا طلبت حكومة الوفاق. وفي ظل ضغوط عسكرية هائلة من قوات حفتر قد تطلب حكومة الوفاق هذا قريبًا جدًا ما لم يتغير الوضع على الأرض بشكل كبير.

وفي الوقت الذي تدور فيه الحرب وتقتل وتشرد المزيد من الليبيين تواصل حكومة الوفاق القيام بكل شيء ما عدا وظيفتها الرئيسية. قد تكون "الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة"، ولكن أيا كانت الشرعية الوطنية التي حظت بها في يوم ما حكومة الفقا فقد اختفت وانتهت تماما.

وبعد مرور أربع سنوات على ذلك فإن أولئك الذين وقعوا على اتفاق الصخيرات لا يعتبرونه وثيقة قابلة للحياة يمكن أن تضع حداً للحالة البائسة في ليبيا. وستواصل الأمم المتحدة التوسط بين النخب السياسية الليبية المتصارعة التي تتخذ قراراتها الرئيسية بشأنها في أنقرة والقاهرة وأبو ظبي وموسكو، لكن تدمير ليبيا من قبل شبابها بتمويل من أموالها الخاصة سيستمر بلا هوادة.