إذا لم تكن تعرف الكثير عن تشاد  -هي بلد يقع في وسط أفريقيا- فمن المرجح أنك لمحت اسمها في 26 نوفمبر الماضي عندما وصل رئيسها إدريس ديبي إلى إسرائيل في زيارة غير معلنة للدولة الصهيونية. وقد تمت تغطية الزيارة بسرية إلى أن وصلت طائرة ديبي إلى مطار بن جوريون، ولم يكن لدى أقرب مساعديه أي فكرة بأنه كان متوجها إلى تل أبيب حتى اللحظة الأخيرة. وهذا يذكرني بتاريخ نوفمبر 1977 عندما قام الرئيس المصري آنذاك أنور السادات برحلته المفاجئة إلى إسرائيل.

وبرر السادات تحركه من حقيقة أن مصر وإسرائيل كانتا في حالة حرب مع بعضهما البعض وهذه الزيارة كما يعتقد ساعدت في صنع السلام. ومن ناحية أخرى  فأن ديبي في السلطة منذ ديسمبر 1990  وتشاد ليست في حالة حرب مع إسرائيل والبلدين على بعد آلاف الأميال. ما الذي دفعه للشروع في مثل هذا المسعى في هذا الوقت؟ أو  ما الذي منعه من القيام بهذه الزيارة قبل الآن؟.

ورد الصحفي الإسرائيلي هرب كينون على هذا السؤال موضحاً أن "تشاد قطعت علاقاتها مع إسرائيل في عام 1972 بعد تعرضها لضغوط من ليبيا"، وأفادت وكالة رويترز أن دور جولد  مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية في عام 2016 أوضح بعد زيارته إلى تشاد لماذا؟ قطعت الحكومة في نجامينا العلاقات مع إسرائيل قبل أربعة عقود من الزمان إذ "أخبره مضيفوه التشاديون بأنهم قطعوا العلاقات قبل 44 سنة تحت الضغط الليبي، وهو عامل أزيل مع الإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011".

في الواقع  كانت ليبيا تحت حكم القذافي أشد معارضي التوسع الإسرائيلي في أفريقيا. وفي وقت مبكر من عام 1972 - بعد ثلاث سنوات فقط من توليه السلطة - أجبر القذافي الرئيس التشادي آنذاك  فرانسوا تومبالباي على قطع العلاقات مع تل أبيب. وكان القذافي يؤمن بقوة بأن أي توسع دبلوماسي إسرائيلي في أفريقيا يقوّض الموقف المؤيد للفلسطينيين في القارة، واعتبر الزعيم الليبي الراحل إسرائيل عدوًا أفضل لو إبقى بعيدًا عن ليبيا وأفريقيا.

وتتمتع ليبيا بتاريخ من العلاقات مع تشاد يعود إلى غزو إيطاليا واحتلالها لليبيا في عام 1911 ، حيث  نزح مئات الليبيين يبحثون عن الأمان في تشاد ولا يزال أحفادهم يعيشون في الجارة الجنوبية لليبيا. واستفاد القذافي من ذلك لتعزيز العلاقات بين هذا المجتمع من المنفيين وبلدهم الأم كما سعى إلى منع تشاد من أن يشكل تهديداً لأمن ليبيا، وهذا هو السبب في تورط طرابلس في إسقاط الأنظمة التشادية التي تعتبر غير ودية خاصة بين عامي 1972 و 1990.

وأصبح إدريس ديبي نفسه رئيسًا لتشاد في ديسمبر 1990 بدعم سياسي وعسكري من ليبيا. واستثمر القذافي أموال ليبيا النفطية في تشاد ؛ وتمتلك ليبيا بنكين هناك وبعض الفنادق الفاخرة  وبنت عشرات المدارس والمساجد والمرافق الطبية بالإضافة إلى البنية التحتية للاتصالات والزراعة.

كما استخدم الزعيم الليبي الراحل نفوذه السياسي في أفريقيا لإبعاد الدول الأفريقية عن النفوذ الغربي  وهو يعلم جيداً أنه لن يفيد إسرائيل لأن العديد من العواصم الغربية ستشجعهم على احتضان ومساعدة تل أبيب على التسلل إلى القارة أكثر من ذلك. وفي هذا السياق أسست ليبيا الاتحاد الأفريقي في عام 1999 لتعاون عموم أفريقيا، كما أسست طرابلس مجموعة دول الساحل والصحراء مما جعل 24 دولة جنوب الصحراء الأفريقية أقرب إلى الدول العربية المجاورة في شمال أفريقيا لتبادل الاستثمارات  والتجارة الحرة  والأمن   وتنسيق السياسة الخارجية.

وهذا وضع ليبيا قبل عام 2011 في منافسة مباشرة مع القوى الغربية في أفريقيا، وكان أحد أهداف طرابلس على المدى الطويل هو إطلاق الدينار الذهبي المدعوم من احتياطياتها المالية الضخمة  كعملة للدول الأفريقية لتحل محل فرنك الاتحاد المالي الأفريقي الذي تدعمه الخزانة الفرنسية. وكان هذا أحد الأسباب وراء هجوم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على ليبيا للإطاحة بنظام القذافي في عام 2011.

وبعد مقتل القذافي في عام 2011  تم التخلي عن العديد من مبادراته الأفريقية طويلة الأجل تحت الضغط الفرنسي، وعلى سبيل المثال  يتم استبدال مجموعة الساحل والصحراء بمجموعة أصغر مكونة من دولة "الساحل" فقط وهي  تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو. ومن المفارقات  أن أعضاء دول الساحل الخمس هم الأضعف في أفريقيا ويركزون على الأمن من خلال السماح لفرنسا والولايات المتحدة بإنشاء قواعد عسكرية في مالي والنيجر. كان هذا لا يمكن تصوره إذا كان القذافي لا يزال موجودًا.

ولقد أصبح إدريس ديبي  -الذي يمتلك أفضل جيش بين بلدان مجموعة دول الساحل الخمس-أكثر تأثيراً في إفريقيا وهذا يجعل علاقته مع إسرائيل أكثر خطورة.

وبوصفها القوات المسلحة الرائدة ضمن مجموعة الساحل  فإن جيش تشاد مسؤول عن مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. يسعى ديبي ومحمد ولد عبد العزيز من موريتانيا إلى تعزيز دور مجموعة الساحل شريك موثوق به في أفريقيا. وفي هذا السياق تعتبر زيارة إسرائيل خطوة مهمة لفتح الباب أمام المزيد من الدعم الدبلوماسي والعسكري.   

لقد جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هدفه منذ عام 2016 زيارة أكبر عدد ممكن من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، ولن يكون من المستغرب أن نرى نوعا من التقارب بين إسرائيل ومالي وموريتانيا والنيجر أو الثلاثة. وقد ساعدت زيارة ديبي في إذابة الجليد مع تل أبيب وفتح الباب أمام هذا التقارب في أفريقيا التي كانت في يوم من الأيام منطقة محظورة لإسرائيل.

وإلى جانب المكاسب الدبلوماسية  تهتم إسرائيل أيضاً باستخدام تشاد وجيرانها كمحطات توقف للرحلات إلى أمريكا الجنوبية مما يوفر الوقت والتكلفة. فعلى سبيل المثال ستكون الرحلة من تل أبيب إلى البرازيل أقل أربع ساعات إذا أمكن استخدام المجال الجوي الأفريقي المركزي. وفي الوقت الحالي  تستغرق هذه الرحلات حوالي 17 ساعة  مع توقف واحد على الأقل في أوروبا أو أمريكا الشمالية للتزود بالوقود.

ويواجه ديبي مزيدا من التحديات الأمنية من قبل شعبه حيث أصبحت مجموعات المتمردين المسلحة أكثر تنظيما وأقوى بفضل القواعد الآمنة التي لديهم في جنوب ليبيا. وأصبح الشباب في منطقة الساحل في تشاد ببحر الغزال وكنم على وجه الخصوص يشعرون بخيبة أمل متزايدة من السلطة في نجامينا. ويستخدم جهاز أمن الرئيس أساليب تكتيكية وقاسية في المنطقة تحت ذريعة محاربة تنظيم بوكو حرام الإرهابي وغيره من الجماعات الإرهابية التي تسللت إلى هذه المنطقة الحيوية بعد أن دمرها حلف الناتو في ليبيا في عام 2011.

ومن المرجح أن يسعى الرئيس التشادي للحصول على مساعدة إسرائيلية لإبقاء نفسه في السلطة.و فرنسا  الداعم الرئيسي له  "شجعته على زيارة إسرائيل" ، وفقا لعقرين صالح  السفير الليبي السابق في تشاد الذي يعرف ديبي شخصيا. ويصر صالح على أن "الأمن لنظام ديبي هو الدافع الرئيسي وراء الزيارة إلى إسرائيل"  لأسباب ليس أقلها أنه على مدى السنوات الخمس الماضية تعرضت الحكومة في نجامينا لتحدي من قبل جماعات المتمردين التي تعمل من جنوب ليبيا.

ومع ذلك من المرجح أن يؤدي الذهاب إلى إسرائيل إلى نتائج عكسية  خاصة بين الأغلبية المسلمة في تشاد. خاصة وأنه من الناحية التاريخية  ومنذ حصول تشاد على الاستقلال كان المسلمون هم الذين قاموا ضد الحكومة المركزية وأطاحوا بها.

وقبل عام 2011  اعتمد الآلاف من التشاديين على ليبيا للحصول على فرص عمل. وهم الآن في طريقهم إلى ليبيا للانضمام إلى الجماعات المتمردة أو العمل كمرتزقة يقاتلون من أجل فصائل ليبية مختلفة مما يضاعف من مشاكل ديبي.

إن إدريس ديبي بحاجة إلى أسلحة ومعدات عسكرية لمحاربة التهديد الذي يمثله المتمردون الذين يعملون انطلاقاً من ليبيا وإسرائيل سعيدة جداً بإمداده بها. وفي غياب أي قيادة عربية قوية في أفريقيا بعد القذافي وتدمير ليبيا من المرجح أن يعتنق المزيد من القادة الأفارقة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي على حساب الدعم الأفريقي للفلسطينيين والارتباط بالعالم العربي.



*"بوابة إفريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن محنوى المواد والتقارير المترجمة