تستمر أعمال العنف في العاصمة الليبية ومحيطها، بما في ذلك القصف العشوائي الذي تلجأ إليه ميليشيات مسلحة تتصارع فيما بينها منذ أيام في قتال هوو  الأعنف منذ سنوات.وعلى الرغم من محاولات التهدئة وإتفاقات وقف إطلاق النار،فإن نيران القتال تستمر في إسقاط المزيد من الضحايا.

وبحسب آخر حصيلة صدرت عن وزارة الصحة بحكومة الوفاق الوطنى الليبية،الأحد 02 سبتمبر 2018،فإن حصيلة قتلى ومصابى اشتباكات العاصمة طرابلس،وصل إلى 74 قتيلًا و129 جريحًا.وأشارت الوزارة إلى أن ارتفاع حصيلة الخسائر البشرية كان نتيجة تجدد المواجهات المسلحة بعد خرق الهدنة إثر جهود عدة من وقف إطلاق النار، مطالبة جميع الجهات والمنظمات والمواطنين بضرورة الإبلاغ عن أي قتيل أو جريح أو مفقود على إثر هذه الاشتباكات.

وتشير تطورات الأحداث وتأزمها،إلى أن المشهد في العاصمة الليبية دخل في فوضى عارمة نتيجة الانفلات الأمني وغياب سلطة الدولة،في وقت تنتشر فيه الميليشيات ذات الولاءات المختلفة والساعية لتحقيق مكاسب في صراع نفوذ متجدد تشهده المدينة منذ إندلاع الأزمة في البلاد.


** فوضى السجون

أول مشاهد الفوضى،يأتي مع دخول السجون الليبية على خط الأزمة التي عصفت بالعاصمة،حيث فر نحو 400 معتقل،الأحد بعد أعمال شغب في سجن يقع في الضاحية الجنوبية للعاصمة الليبية.وقالت الشرطة القضائية في بيان لها،إن "المعتقلين تمكنوا من خلع الأبواب والخروج بعد أعمال شغب" على هامش المعارك بين مجموعات مسلحة قرب سجن عين زارة ، من دون أن تحدد طبيعة الجرائم التي سجن هؤلاء بسببها.

وأوضح جهاز الشرطة، في بيان على صفحته الرسمية على فيسبوك أن حالة "تمرد وهيجان حدثت بين صفوف نزلاء مؤسسة الإصلاح والتأهيل عين زارة في القاطع (أ) بسبب ارتفاع أصوات الأسلحة جراء الاشتباكات الحاصلة في محيط المؤسسة بمنطقة عين زارة"، مشيراً إلى أن حالة الفرار الجماعي تمت بعد أن خلع النزلاء الأبواب وتساهلت معهم شرطة السجن خوفاً على أرواحهم.

وفي المقابل،إتهم اللواء السابع ،ميليشيات ليبية بإطلاق سراح السجناء للمشاركة في القتال معهم، بعد فرار مجموعة كبيرة من المغرر بهم.وأوضح اللواء السابع مشاة، أن الميليشيات أفرجت عن السجناء بشرط القتال معهم ضد الجيش المتقدم لتحرير العاصمة من قبضة دواعش المال العام وأصحاب السوابق.

ويأتي هروب السجناء، في الوقت الذي ترددت فيه أنباء محاولة هروب عدد من السجناء،معظمهم من الدواعش،من سجن معيتيقة الليبي شرقي العاصمة طرابلس،صباح الإثنين 3 سبتمبر 2018،مستغلين حالة الفوضى التي ضربت قوات تأمين السجن بعد سقوط قذائف دون وقوع إصابات.ونقلت "المرجع"،عن مصدر تأكيده إنه جرى تأمين السجناء وإجلاؤهم إلى عنابر أكثر تأمينًا، خاصة مع وصول كتيبة الحلبوص، وكتيبة مكافحة الاٍرهاب زليطن، ومصراتة للتعاون في حماية مقرات قوات الردع الخاصة.

من جانبه، أكد أحمد بن سالم الناطق باسم قوة الردع الخاصة في صفحته الرسمية على "فيسبوك" أن قوات الردع مازالت متمركزة في مقراتها، ولم تقم بتسليم سجن معيتيقة، منوهًا إلى وصول 300 سيارة عسكرية بالعتاد إلى سجن ومطار معيتيقة، وكذلك الانتشار في طريق الشط لحماية مؤسسات الدولة من النهب وعدم فرار الدواعش والترتيب لحمايه العاصمة.

على صعيد آخر،دعا المرصد التونسي لحقوق الانسان، رئاستي الجمهورية و الحكومة ومجلس النواب في بلاده ، إلى التنسيق مع المنظمات الدولية والمسؤولين الليبيين لإنقاذ مئات السجناء وتسليمهم للسلطات.وذكر المرصد في بيان، الأحد، على أثر التطورات الأمنية في العاصمة الليبية طرابلس فإن السجون هي الواجهة الأولى للمخاطر الحاصلة، نظرا لعدم قدرتها على التنقل أو الهروب والابتعاد عن مناطق النزاع.

وأكد  رئيس المرصد مصطفى عبد الكبير، في تصريح ل"بوابة إفريقيا الإخبارية"،أن أكثر من 300 سجين تونسي يقبعون داخل السجون والزنزانات الليبية.وأضاف أن 40 طفلا تونسيا يقبعون في مراكز الإيواء،مقابل ما يفوق 30 إمرأة داخل السجون الليبية،بالإضافة إلى حوالي 23 مختطفا أو مفقودا في هذا البلد.

ودعا عبد الكبير السلطات التونسية إلى التدخّل الفوري لحماية التونسيين المسجونين في ليبيا وإنقاذ حياتهم.كما دعا منظمات حقوق الإنسان العربية والإفريقية والدولية والجمعيات المدافعة عن السلام في كل مكان إلى حماية المساجين القابعين في الزنزانات الليبية، موضحا أن هؤلاء المساجين هم من جنسيات مختلفة بالإضافة إلى عدد هام من رموز النظام السابق.


** فوضى النهب

وأحدثت الاشتباكات التي تعيشها العاصمة الليبية،فراغا أمنيا رفع من وتيرة الأحداث الإجرامية ومن عمليات النهب والسرقة والتي إستهدفت الممتلكات العامة والخاصة.وأكد مصدر أمني من مديرية أمن طرابلس،لـ"العربية.نت"، وصول 134 بلاغا عن سرقات لممتلكات خاصة، إلى مختلف مراكز الشرطة بالمدينة، من قبل مواطنين على خلفية الفوضى المسلحة التي تعيشها طرابلس. 

وبحسب المصدر الأمني،الذي فضل عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية منصبه، فإن عصابات مسلحة تقوم بمداهمة المحال التجارية، ونهب الممتلكات الخاصة، سيما في المناطق التي نزح أهاليها جراء الاشتباكات، في أحياء الكريمية وطريق المطار وقصر بن غشير.وأكد المصدر أن أجهزة الأمن عاجزة عن القيام بدورها بسبب الاشتباكات القائمة وحالة الاقتتال في تلك المناطق.

ولم تنجو المساجد من عمليات السطو،فقد تداولت عدد من صفحات التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مقطع فيديو يظهر تعرض أحد المساجد بمنطقة منطقة كشلاف في العاصمة طرابلس للسرقة، فيما أحدث المقطع غضبا شديدا على مواقع التواصل بالفضاء الإلكتروني.وأكد عدد من رواد موقع "فيسبوك" أن المسجد الذي تعرض للسرقة هو مسجد أبى هُريرة بمنطقة كشلاف، حيث رصدت كاميرات المراقبة المعلقة بالمسجد اقتحام شاب لسرقة صندوق التبرعات.

ومن طرائف ما وثقته كاميرات نشطاء على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي سرقة مليشيات لطائرة هيلوكبتر وأخرى يبدو أنها بقايا طائرة مدنية، تم نقلهما على متن سيارات مسلحة كبيرة إلى وجهة غير معلومة، يبدو أنهما من بقايا الطائرات التي بقيت في مطار طرابلس القديم إثر إحراقه على يد مليشيات فجر ليبيا في العام 2014.بحسب ما نقلت "العربية نت".

من جهتها،أكدت شركة الخدمات العامة طرابلس تعرض مكاتبها بمنطقة الحي الاسلامي للنهب والسرقة من قبل مجهولين.وأوضحت الشركة في بيان نشره المكتب الاعلامي للشركة،الاثنين 03 سبتمبر 2018، أن شاشات المكاتب وأجهزة الحاسوب واسطوانات الغاز سرقت، بالإضافة للعبث بالأثاث وكسر لأبواب جميع المكاتب من قبل من وصفتهم بمجموعة من "عديمي الضمير والوطنية".كما أكدت وسائل إعلامية قيام عناصر مسلحة بأعمال سرقة ونهب طالت شركة المدار في منطقة قدح ومعرض سيارات التايوتا في منطقة أبونواس بالعاصمة طرابلس.


** فوضى النازحين

من جهة أخرى دفعت الإشتباكات المصاعدة في العاصمة الليبية،بالعديد من المدنيين إلى مغادرة مناطقهم خوفا على حياتهم.وأعلن الناطق باسم جهاز الإسعاف والطوارئ أسامة علي نزوح 1825 عائلة من عين زارة، خلة الفرجان، السدرة، القرقني، وادي الربيع، الدبلوماسي، سيدي فطرة، باتجاه مناطق آمنةخلال الفترة من 27 أغسطس الماضي وحتى الأحد 02 سبتمبر.

وأضاف علي لبوابة إفريقيا الإخبارية أن حوالي 30% من السكان بمنطقة الاشتباكات يرفضون مغادرة بيوتهم خوفا من أعمال السرقة بالإكراه والنهب لممتلكاتهم، موضحا ان جزء كبير من هذه العائلات يعاني نفاد تموين البيت، ولديها احتياجات عاجلة كأولوية المياه والمواد غذائية، وغيرها.

ويخشى مسؤولون من تزايد أعداد النازحين في وقت تصعب فيه عمليات الإيواء وتوفير الخدمات،وكان جهاز الإسعاف والطوارئ بطرابلس،أعلن في وقت سابق، عن زيادة عدد النازحين من مناطق الاشتباكات بضواحي العاصمة، مما ترتب على ذلك وجود عراقيل في توفير أماكن لإيواء النازحين.

ودعا الجهاز في بيان له، أطراف النزاع إلى إيقاف القتال نهائيا، وذلك لتمكين الأسر النازحة من العودة إلى منازلها حتى لا يتفاقم الوضع الإنساني.وأكد البيان، أن جهاز الإسعاف والطوارئ يعمل في خندق واحد مع الهلال الأحمر الليبي والمفوضية الوطنية للكشافة والمرشدات وجميع الأطراف من أجل سلامة المواطن الليبي.

ولم يسلم النازحون من نيران الإشتباكات،حيث قتل 4 أشخاص وأصيب 7 آخرون، بسقوط قذيفة على مخيم نازحي تاورغاء بمنطقة الفلاح المعروف باسم المخيم "رقم 2".ودفع ذلك المجلس المحلي تاورغاء،لمطالبة كافة أجهزة الدولة بتحمل مسؤولياتها لحماية المدنيين بالمخيمات وغيرها، متمنياً أن يتم لم شمل جميع الليبيين وحقن الدماء.كما طالب المجلس، بحسب المكتب الإعلامي التابع له كافة الأهالي بالمخيمات بأخذ الحيطة والحذر وعدم الاقتراب من أماكن الاشتباكات، مؤكدا على أن مدينة تاورغاء مفتوحة وآمنة لكل العائلات الراغبة بالعودة إلى أرض الوطن.

وكان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج،إلتقى بكل من وزير الدولة لشؤون النازحين والمهجرين يوسف جلالة، ووزيرة الدولة لشؤون هيكلة المؤسسات إيمان بن يونس، ووزيرة الدولة لشؤون المرأة والتنمية المجتمعية أسماء الأسطى، وتناول الاجتماع سبل معالجة الآثار السلبية للاشتباكات في ضواحي العاصمة وما خلفته من عمليات نزوح وتهجير.

ووفقا للمكتب الاعلامي لرئيس المجلس،فقد وجه السراج، المجتمعين للبدء الفوري في اتخاذ الخطوات الفعلية لعمليات الإغاثة، وتلبية الاحتياجات العاجلة للنازحين من مواقع الاشتباكات المسلح وجميع المتضررين من جرائها، وتقديم الخدمات لهم، التي تشمل الإيواء والمعيشة والرعاية الصحية، مع الاستعانة بقطاعات ومؤسسات الدولة ذات العلاقة.وطالب السراج، بتقدير حجم الأضرار التي خلفها الاعتداء وتحديد إجراءات جبر الضرر.

وفيما أعلنت حكومة الوفاق حالة الطوارئ في العاصمة طرابلس وضواحيها،في محاولة لإحتواء الوضع الخطير،تتواصل الاشتباكات المُسلحة، والتهديدات المتبادلة بين الميليشيات المُتحاربة.ويخشى مراقبون من أن تواصل الإقتتال يهدد بدخول البلاد في حروب أهلية ستكون ضربة قاسمة للجهود المتسارعة للوصول إلى تسوية شاملة في هذا البلد الممزق.