أجرت صحيفة لوموند الفرنسية حوارا مع راشد الغنوشي زعيم حركة  النهضة الإسلامية في تونس ، وأثارت مراسلة الصحيفة "إيزابيل ماندرو" جملة من القضايا الداخلية والخارجية في هذا اللقاء الذي نورده كاملا دون تصرف.

- سؤال : بعد ثلاث سنوات على سقوط النظام السابق ، النهضة تغادر الحكومة التي كانت تقودها .. كيف فسرتم ذلك لمناضليكم ؟

- جواب: عندما تغادر الحكومة لا يعني ذلك أنك انهزمت ، إنه خروج من الباب الواسع. لماذا البقاء في منزل قد يقع على رأسك. كان ذلك هو حالنا على اعتبار أن وجودنا كان من شأنه أن يعيق صياغة دستور مع معارضة كانت تقاطع أشغال المجلس التأسيسي . لم يكن بإمكاننا أن نكتب الدستور بمفردنا ، أو بالأحرى كان بإمكاننا أن نفعلها حتى بثلثي الأصوات ، ولكن كنا سنجد أنفسنا أمام مأزق على الطريقة المصرية بمجتمع منقسم بين مؤيدين للإسلامين ومؤيدين للعلمانيين. لم نرد ذلك . كان علينا أن نختار: إما أن نُنجح المسار الديمقراطي أو أن نبقى في الحكومة .

غادرنا بمحض إرادتنا من منطلق أخلاقي. ووقّعنا في الخامس أكتوبر خارطة الطريق في هذا الاتجاه ، وهذا لم يكن  سهلا.  اتًخذ هذا القرار تحت مسؤوليتي بمعية عدد من الإخوان. لم نخسر الانتخابات ، ونقدم تضحية في مصلحة البلاد لإنجاح المسلسل الديمقراطي . هناك اليوم ارتياح عام ، نحن جزء من هذا البلد ونحن مرتاحون أيضا.

- سؤال : ما حصل إّذن في مصر كان حاسما ؟

- جواب: بطبيعة الحال ، ما حصل في مصر زلزال . وهذا دفع المعارضة إلى رفع سقف مطالبها واقتراح سيناريو على الطريقة المصرية. ولكن التونسيين لم يتجاوبوا . لقد احتج عشرات الالاف ضد الاغتيالات لكنهم رفضوا توظيفها في انقلاب . بمعنى أنهم رفضوا في وقت واحد الاغتيالات ورفضوا توظيفها سياسيا

- سؤال: كيف ترون الآن دور النهضة ؟ كحزب معارض؟

- جواب: لايمكننا الحديث عن معارضة أو حزب حاكم .. إنه وضع جديد الآن مع تشكيل حكومة توافقية ومحايدة مكلفة بقيادة البلاد نحو الانتخابات القادمة. هذه الحكومة سيكون لها كل السلطات ، وستكون مدعومة ممن كان حتى عهد قريب داخل الحكومة ومن المعارضة. هي لا تمثل لا هؤلاء ولا أولئك.

- سؤال: بعد سنتين من الحكم، ما هي إخفاقات النهضة التي تود الاعتراف بها ؟ فالبلاد ما زالت تشهد توترات اجتماعية ؟

- جواب: هذه العملية الانتقالية استغرقت طويلا. كل المشاكل حصلت في السنة الثانية، لأن الوقت طال ولكن لم يكن ذلك عمدا. من البداية وقعنا في خطأ أننا يمكننا أن ننجز كل شيء في غضون عام بينما لم يكن المجلس التأسيسي منشغلا بالدستور  فقط. بل كان من مهامه أيضا  - كما هو شأن أي برلمان – التصويت على القوانين والمصادقة على المعاهدات الدولية. و كان من الواجب ربما أن يركز المجلس التأسيسي على الدستور وأن تسير الحكومة البلاد بالمراسيم. على المستوى الاجتماعي، لما استلمنا الحكومة كان النمو سلبيا  -2 في المئة ، بينما يصل اليوم إلى ثلاثة فاصل خمسة في المائة. ثم إن الميزانيات المرصودة للتنمية لم تستغل أحيانا إلا في حدود ما بين 20 و30 في المئة ، ولهذا فإن بعض الجهات لازالت تحتج. كان علينا أن نتحلى بأسلوب أكثر ثورية في إصلاح البيروقراطية الموروثة عن النظام السابق خاصة في ما يتعلق بطلبات العروض.

- سؤال: يتهمونك أيضا بالتساهل مع السلفيين.

- جواب: خلال الأشهر الستة الأخيرة كان هناك تحسن في الوضع الأمني. ولكن كان ربما ضروريا منذ البداية أن نظهر بعض الصرامة. في البداية لم يكن هؤلاء المتشددون يمارسون العنف ، ولهذا سعينا إلى الحوار والعمل على أن يدخلوا في إطار قانوني كما كان الأمر بالنسبة لحزبين سلفيين. لكن آخرين اختاروا العنف ، والحكومة صنفتهم منظمة إرهابية.

- سؤال: هل تشكلون أنتم الصيغة المضادة للإخوان المسلمين في مصر؟

- جواب: لكل بلد تجربته الخاصة. نحن صدرنا الثورة السلمية ولكننا لا نريد استيراد الثورة المضادة المصرية العنيفة. ونحن فخورون بهذا الدستور الذي يزاوج بين إسلام معتدل وقيم كونية تعكس التحالف المشكل بين النهضة ( الحركة الإسلامية المعتدلة) و المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل (وهما حزبان علمانيان معتدلان) . هذا هو النموذج التونسي.  لاحظنا أن التنصيص على الشريعة لا يساعد الدستور لأن الكلمة ليست واضحة والدستور لا ينبغي أن يحتوي إلا  ما  هو واضح ومشترك.لا نريد أن يقسم هذا النص ونريد أن يحس المسلمون أنهم يعيشون في عالم منفتح على الآخر. هذا هو طموح الإسلاميين الإصلاحيين في تونس منذ القرن 19. وإذا كان نجاح هذا النموذج يتطلب تنازلات سنقوم بذلك كما فعلنا عندما غادرنا الحكومة.

بعض المقتضيات التي أثرتيها تمت المصادقة عليها بأغلبية واسعة أحيانا . تبقى لنا بعض النقاط التي نبحثها بشأن تنظيم السلط لأننا نبحث عن مزيج بين السلطتين الرئاسية والبرلمانية. ونعتقد أنه كلما كانت السلطة غير مركزة كان ذلك أفضل.لأن نريد نظاما مركزيا حتى لا نعود إلى الاستبداد لا بيد النهضة ولابيد الآخرين.

- سؤال: المعارضة ألم تمارس ضغوطا لتحقيق هذا التقدم ؟

- جواب: هي ساهمت في الحوار الوطني الذي لم يكن ليفضي إلى نتائج من دونها. في البداية المعارضة كانت تطالب بإسقاط الحكومة  وبحل المجلس التأسيسي. وفي النهاية الكل تنازل بشأن نقطة. حظنا أنه كان شيء بين أيدينا (الحكومة) فيما تنازلت المعارضة حيث كانت أقلية (المجلس التأسيسي).

- سؤال: بعد أن أجبرت على الرحيل ، النهضة حولت الوضع لصالحها . ولكن كيف ترون الانتخابات القادمة خاصة وأنه عليكم ان تقنعوا ناخبين محبطين ؟

- جواب: ليس هناك عصا سحرية في هذه القصة ولا تنويم مغناطيسي أيضا. الناس متمسكون بقيم أخلاقية، يحتاجون للتهدئة ويكرهون هذا التنافس المحموم على السلطة. سيكون بإمكانهم المقارنة وسيفهمون أن هناك مشاكل بنيوية في البلد. يكفينا أننا أنقذنا الدولة والمصالح العمومية وخاصة الحرية. وضعنا البلد على سكة الديمقراطية لدينا : لجنة انتخابية ودستور متقدم وهية مستقلة لوسائل الإعلام ، ولجنة لمكافحة التعذيب وأخرى للعدالة الانتقالية . لذا ترجمنا القيم الأساسية للثورة  إلى مؤسسات قائمة. نتمنى أن الانتخابات القادمة ، التشريعية والرئاسية ، تنظيم مابين يونيو واغسطس 2014. لإنه كلما طال موعد هذا الاستحاق كلما كان ذلك خطيرا. هذا ما اسقيناه من تجرتنا : المرحلة الانتقالية يجب أن تكون أقصر ما يمكن.

- سؤال : هل واجهتكم عقبات ، كما ندد بذلك الرئيس منصف المرزوقي الذي تحدث عن فيتو قوى عربية خاصة بلدان الخليج؟

- جواب: ممكن أن بعض الدول العربية غير سعيدة وتخشى انتقال العدوى الديمقراطية ، ولكننا نريد علاقات جيدة مع جميع الدول العربية. نحن ندرك أننا بلد صغير ونعرف حدودنا.

* حوار : إيزابيل ماندرو ، صحيفة "لوموند " الفرنسية