راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الاسلامية أو اخوان تونس رجل ساهم في نجاح التجربة الديمقراطية الناشئة وتجنيب البلاد ما حصل في بلدان الربيع العربي التي تولاها الإسلاميون وقادوها الى الحروب والتقاتل ، هو شخصية تتمتع بالحكمة والنضج السياسي ، ويكاد يكون القيادي الوحيد من قيادات تيار الاسلام السياسي الذي فهم التحولات الدولية وطور فكره الإخواني واتجه الى تونسة حركة النهضة وتحويلها الى حزب مدني يؤمن بالديمقراطية والحريات وحقوق الانسان والحفاظ على مكاسب المرأة التونسية ٠
راشد الغنوشي هرب من جبة الاخوان واعتبر من سقطاتهم وأخطائهم وخاصة في مصر منتصرا للوفاق الوطني والتعايش مع العلمانيين وزاهدا في الحكم والسلطة وهو ما أبرزه في عدة محطات ومواقف دفع فيها قواعد حزبه الى تقديم التنازلات وخلق التوافق الذي أنقذ البلاد وسيذكر التونسيون أن الغنوشي وجد الحل للخلاف الكبير بين العلمانيين والاسلاميين حول اعتماد الشريعة في الحكم من خلال الدستور الجديد بإقناع الجميع بضرورة اعتماد الفصل الاول من دستور 1959
الغنوشي برز أيضاً كرجل إطفاء عند اشتداد الخلاف حول عديد فصول الدستور وخاصة الفصل السادس الذي جاء بحرية الضمير والمعتقد ورفضه الإسلاميون داخل النهضة وخارجها ، كما تدخل لمنع تمرير قانون العزل السياسي وقانون تحصين الثورة ولعب دورا مهما داخل مجلس الحوار الوطني لتقريب وجهات النظر وتجنب التصدع و الدفع نحو استكمال المسار الانتخابي وإنهاء المرحلة الانتقالية ٠
الغنوشي حاول تصدير فكر الإصلاح والتوافق ونصح اخوان مصر ، حسب تأكيد الإعلامي الكبير محمد حسنين هيكل ، بالتخلي عن خوض الرئاسة والتخلص من التشدد لكنهم لم يفعلوا ليطردوا من الحكم وليعودوا الى السجن أو المنافي ٠
هذه التوجهات وخاصة تسبيق مصلحة الوطن على مستقبل الحزب أو التنظيم قال عنها الغنوشي في حوار أجرته معه صحيفة الخبر الجزائرية الأسبوع الماضي " نحن اعتبرنا بغيرنا وبهذه التجارب، وتونس والديمقراطية أغلى علينا من النهضة، أنا ليس لى مشكل في أن انتقل من السلطة إلى المعارضة، لكن لا أحب أن انتقل من السلطة إلى السجن، أو من السلطة للمهجر، هذا لا يسمى انتقالا" .
والاكيد أن العشرين سنة التي قضاها الغنوشي في بريطانيا ، فارا من استبداد النظام السابق ، أفادته كثيراً في التشبع بقواعد الديمقراطية وخاصة قبول الاخر المختلف والتعايش معه وقبول نتائج الصندوق وتهنئة الفائزين ، وهو ما لم يتوفر لدى عديد العلمانيين والحقوقيين ، اضافة الى انه تخلص من التشدد ، وهو ما لم يقدر عليه رفاق النضال حيث اختار بعضهم الانسحاب أو خلق جبهة معارضة داخل الحزب ٠
ويذكر المراقبون في تونس حوارا أجراه الغنوشي بعد فوز النهضة في انتخابات 23 أكتوبر 2011 مع صحيفة بريطانية قال فيه أن النهضة لن تفرض الحجاب ولا تطبيق الشريعة ولن تمنع " المايوه" وشرب الخمر ، وكان الكثيرون يرون أنه تصريح للاستهلاك الخارجي فقط ، لكن النهضة والغنوشي التزما به وقاموا بتطبيقه ٠
فهل يصح القول أن الغنوشي الذي بدأ نشاطه في تيار الاسلام السياسي متأثرا بالفكر السلفي لتنضج تجربته ليتحول الى" علماني " بمرجعية إسلامية ؟