أكد أستاذ باحث بالكلية متعددة التخصصات بالناظور\ المغرب محمد الغلبزوري، أن التدخلات الخارجية هي التي تعرقل مسار بناء المغرب الكبير الموحد. 

وقال الغلبزوري، في حوار مع "بوابة إفريقيا الإخبارية"، "ليس هناك أي طرف خارجي سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي له مصلحة في بناء اتحاد مغاربي قوي اقتصادياً وسياسياً...."، وإلى نص الحوار

-أهم ما ميز سنة 2021 هو انحدار الجماعات التابعة للإخوان في دول المغرب العربي.

-أهم التحديات التي تواجه بلدان المغرب الكبير هي بناء اتحاد مغاربي متجانس وقوي.

-التدخلات الخارجية هي التي تعرقل مسار بناء المغرب الكبير الموحد.

-يجب استثمار الدول المغاربية الخمسة في بناء الديمقراطية.


بداية ما قراءتكم للتطورات السياسية في المغرب العربي خلال 2021؟

إن أهم ما ميّز المنطقة المغاربية، سنة 2021، هو التنافس القوي ما بين المغرب والجزائر حول القيادة الإقليمية للمنطقة، وهذا ما أدّى إلى حدوث توترات سياسية ما بين البلدين، وصلت إلى قطع الجزائر لعلاقتها السياسية والدبلوماسية مع المغرب، وإغلاق مجالها الجوي في وجه الطيران المغربي، بالإضافة إلى عدم تجديد اتفاقية مرور أنبوب الغاز عبر التراب المغربي نحو إسبانيا، وهذا راجع بالأساس إلى أن الجزائر أربكتها إعادة المغرب لعلاقتها مع إسرائيل، ورأت أنه من شأن هذه العلاقة أن تؤدي إلى الإخلال بتوازن القوى على المستوى الإقليمي، الشيء الذي يؤدي إلى تهديد مصلحتها القومية.

   كما شهدت كذلك تعرض التجربة الديمقراطية التونسية الفتية للنكسة، بعد أن أتخذ الرئيس التونسي، قيس سعيد، جملة من القرارات السياسية التي تروم إلى تجميع السلطات الثلاث في يده، وهذا ما جعل الكثير من الفاعلين يصفون هذه القرارات بالانقلاب على الدستور وعلى الشرعية، واعتبروها متناقضة مع روح ثورة الياسمين. أما الأزمة الليبية، فلم تظهر بعد بوادر إيجابية في شأن تسويتها؛ فمازال الانقسام ما بين الفرقاء السياسيين الليبيين هو السائد، رغم تدخل مجموعة من الوسطاء الإقليميين والدوليين (المغرب، الجزائر، مصر، ألمانيا، فرنسا...) وتنظيم مجموعة من اللقاء بين هذه الأطراف من أجل تسوية الأزمة. ومن بين أخطر البوادر، التي ظهرت سنة 2021، والتي لا تؤشر على مستقبل ديمقراطي لهذا البلد هو ظهور مرشحين للرئاسة أياديهم ملطخة بدماء الليبيين....

-ماذا عن الأوضاع الأمنية في دول المغرب العربي في 2021؟ 

إن الوضع الأمني المتدهور، سواء في ليبيا أو في مالي، بطبيعة الحال، ينعكس سلبا على دول الجوار، خاصة على مصر والجزائر وتونس وموريتانيا، لأن مجموعة من الشبكات الإرهابية تستغل هذا الوضع، غير المتحكم فيه، وتتسلل إلى البلدان المجاورة، وبالتالي يبقى الوضع في هذه الدول بصفة خاصة والمنطقة المغاربية بصفة عامة مهدد وغير مستقر، الشيء الذي يؤثر بشكل كبير على استقطاب الاستثمارات الاقتصادية وعلى السياحة والنمو الاقتصادي وبالتالي على الجانب الاجتماعي.

-التحولات فيما يتعلق بملف جماعة الإخوان في دول المغرب العربي، وتأثيراتها وانعكاساتها على هذه الدول خلال عام ٢٠٢١؟

إن أهم ما ميز سنة 2021 هو انحدار الجماعات التابعة للإخوان، سواء  في تونس أو في المغرب؛ ففي تونس أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيد ، عن تجميد مجلس نواب الشعب، الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة، وجاءت هذه القرارات ردًا على سلسلة من الاحتجاجات ضدحركة النهضةوالصعوبات الاقتصادية والارتفاع المفاجئ في حالات الإصابة بفيروس كورونا في تونس، وبالتالي جمع الرئيس في يده جميع السلطات، وبهذه القرارات يمكن أن نتحدث عن بداية نهاية حزب النهضة في تونس، لأنه حتى منسوب الثقة ما بين الشعب التونسي وهذا الحزب قد انخفض بشكل كبير على مدى عقد من الزمن من بداية مشاركة الحزب في الحكم. أما في المغرب، فباقتراع 8 شتنبر2021، تعرض حزب العدالة والتنمية، الذي كان قد تصدّر المشهد السياسي المغربي في ولايتين متوليتين، لهزيمة مدوية ومهينة وغير متوقعة، حيث لم يحصل الحزب إلا على 13 مقعدا فقط بعد ما كان قد حصل، في انتخابات 7 أكتوبر 2016، على 125 مقعدا. وبهذا السقوط المدوي لهذين الحزبين، يمكن أن نُوقّع على محدودية الإسلام السياسي، وفشله في الاستمرار في المشهد السياسي سواء في مصر أو تونس أو المغرب. وبهذا، يمكن أن نرجع إلى طرح "صامويل هينغتون" عندما قال بأن الإسلام قد يقدم حلولا لمشاكل الهوية، والأخلاق والعقيدة، لكن لا قدرة له على حل المشاكل الاجتماعية والسياسية أو الاقتصادية، أي أنه من الصعب أن نتحدث، في الوقت الراهن، عن الإسلام كدين ودولة.

-ما أبرز التحديات التي تواجهها المنطقة المغاربية؟ 

إن أهم التحديات التي تواجه بلدان المغرب الكبير هي بناء اتحاد مغاربي متجانس وقوي، وهذه الغاية لها ارتباط وثيق بتجسيد الانتقال الديمقراطي في البلدان الخمسة المكونة للاتحاد؛ إلا أنه، مع الأسف الشديد، فالانتقال الديمقراطي يسير ببطء شديد في المغرب. أما في الجزائر، فمازال النظام العسكري هو المتمسك بزمام الأمور السياسية والاقتصادية رغم الحراك الشعبي الذي شهدته الدولة الجزائرية سنتي 2018 و2019، والذي كان ينادي بإسقاط النظام العسكري وإقامة دولة مدنية. وموريتانيا لم تدخل بعد في المسلسل الديمقراطي. أما التجربة الديمقراطية الفتية في تونس فهي لم توضع على سكتها بعد، وهي معرضة لمجموعة من الهزات والارتدادات، وبدأت تحوم حولها شكوك، خاصة بعد الإجراءات الانفرادية التي قام بها الرئيس، قيس سعيد، في الشهور الأخيرة. أما ليبيا فهي مازالت معرضة للحرب والتقسيم، لأن نخبها السياسية لم تستطيع الوصول إلى التوافق، وبالتالي تشكيل حكومة وحدة وطنية متوافق في شأنها، وبالتالي تنظيم الانتخابات، والبدء في تشكيل المؤسسات الدستورية للدولة. 

إنني أركز هنا على وجوب استثمار الدول الخمسة في بناء الديمقراطية، لأنني أعي جيدا أن الأنظمة الديمقراطية لن تلتجئ إلى الحرب أو إغلاق الحدود على شعوبها أو زرع النعرات فيما بينها، لأنها أنظمة ستُعبّر عن إرادة شعوب الدول المكونة لاتحاد المغاربي، التي تعتبر في الأصل شعب وأمة واحدة، تجمعها روابط: الدين والتاريخ واللغة والثقافة.... فإرادة هذه الشعوب كلها تتجه نحو الاندماج السياسي والاقتصادي لهذه الدول الخمس، وبالتالي تكوين اتحاد مغاربي قوي سياسيا واقتصاديا، وهو الاتحاد الذي من شأنه أن يجيب عن كل الإشكالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والبيئية التي تعرفها المنطقة المغاربية.

فبناء الديمقراطية في هذه البلدان هو المدخل الأساسي لتسوية نزاع الصحراء المغربية الذي يعتبر أهم قضية التي تعرقل بناء الاتحاد المغاربي في الوقت الراهن، كما تعتبر مدخلا أساسيا لتكوين منطقة حرة للتبادل التجاري بين البلدان الخمسة، لأنه يصعب أن نتحدث عن تقدم هذه البلدان بدون تقوية الاعتماد المتبادل فيما بينها، وفي هذه الحالة، يمكن أن نتحدث عن تذويب كل الخلافات السياسية الموجودة ما بين الدول المغاربية.

- من وجهة نظرك.. هل التدخلات الخارجية داعمة أم معرقلة؟ 

بطبيعة الحالة التدخلات الخارجية هي التي تعرقل مسار بناء المغرب الكبير الموحد، لأنه ليس هناك أي طرف خارجي سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي له مصلحة في بناء اتحاد مغاربي قوي اقتصاديا وسياسيا. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فأنا جد متيقن أن الأزمة الليبية لا يمكن حلها ما دام هناك أيادي خارجية لها مصالح في ليبيا، ولهذا فالرهان الوحيد في تسوية الأزمة الليبية يكمن في تحلي نخبها بنوع من الحنكة السياسية والوعي بالمصلحة الوطنية، وكذا الانفتاح على الدول المجاورة التي من شأنها أن تلعب دورا في تسوية هذه الأزمة. أما الرهان على القوى الأخرى الإقليمية والدولية، من أجل حل هذه الأزمة، فهو رهان خاطئ، لأن تسوية الأزمة الليبية من طرف هذه الأطراف الخارجية تحتاج إلى التوافق، وهو توافق من الصعب تحقيقه في الوقت الراهن؛ نظرا لتضارب مصالح هذه الدول حول المسألة الليبية.

-برأيك.. هل التوقعات المستقبلية لعام ٢٠٢٢ تحمل شيء من الإيجابية في العلاقات المغاربية أم العكس؟

في هذا الاتجاه، فأنا جد متشائم، ليست هناك بوادر إيجابية في المنطقة المغاربية؛ فالتوتر السياسي بين المغرب والجزائر مازال قائما، ومرشح للاستمرار ولمزيد من التشنج، ولكنه من المستبعد أن يصل إلى درجة الحرب ما بين البلدين، وهذا الصراع يؤثر على المنطقة المغاربية برمتها وليس على الدوليتين فقط، ويهدر فرص حقيقية لتقدم هذه الدول وشعوبها.