استطاعت التنظيمات الإرهابية، استغلال الانقسامات والفوضى لتأسيس موطئ قدم لها فى ليبيا، وحولت البلاد إلى بؤرة توتر متصاعد. ومثل هذا الأمر ذريعة للقوى الغربية للتدخل في ليبيا على غرار الولايات المتحدة الأمريكية التي دأبت على تنفيذ غارات جوية متكررة تستهدف القيادات والعناصر الإرهابية. 

وتثير هذه الغارات جدلا في الأوساط الليبية في كل مرة، وآخرها الغارة التي نفذتها القيادة العسكرية الأميركية بأفريقيا "أفريكوم" في ليبيا، في منطقة أوباري بجنوب ليبيا، والتي أثارت تساؤلات عديدة خاصة وأنها تأتي في وقت تصاعد فيه التوتر بين الأطراف الليبية المتصارعة حول مسألة تحرير منطقة الجنوب الليبي من التنظيمات الارهابية والعصابات الاجرامية. 

وتعرضت ضواحي أوباري بجنوب ليبيا، مساء الأربعاء، لقصف جوي استهدف مواقع يتمركز فيها عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتحدثت تقارير اعلامية عن أن القصف كان يستهدف قيادات هامة بتنظيم القاعدة على رأسها زعيم التنظيم فى بلاد المغرب العربي مختار بلمختار، وذلك بناء على معلومات استخباراتية ومصادر ترجح هروب زعيم التنظيم ونجاته من غارة أفريكوم، بحسب ما نقلت قناة "روسيا اليوم"، عن مصادر ليبية مطلعة. 

ورجحت تقارير إعلامية أن تكون مُقاتلات تابعة لقوات القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، المعروفة اختصارا باسم "أفريكوم"، هي التي نفذت هذه الغارة. لكن الجيش الأمريكي نفى ذلك، وأكد في بيان له أن "القيادة الأميركية في إفريقيا لم تشارك في الغارة التي جرى الإبلاغ عنها على موقع للقاعدة في أوباري بليبيا الأربعاء 13 فبراير 2019"، لافتة إلى أنها "لم تشن أي ضربات جوية في ليبيا عام 2019"

ويأتي هذا النفي الأمريكي في تناقض مع تصريحات حكومة الوفاق التي سارعت عبر محمد السلاك الناطق الرسمي باسم رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، إلى القول إن القصف الجوي الأميركي لضواحي مدينة أوباري "يأتي في إطار التنسيق المستمر، والعلاقة الاستراتيجية بين ليبيا وأميركا في حربهما على الإرهاب"

وتابع السلاك في تغريدة نشرها في حسابه بتويتر، قائلا، إن الغارة "تأتي بعد لقاء وزير الخارجية بحكومة الوفاق محمد سيالة، ونظيره الأميركي مايك بومبيو، خلال الاجتماع الدولي لمكافحة تنظيم داعش الذي عُقد الأسبوع الماضي، والذي أكد فيه الطرفان على استمرار التعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف"

ومثل نفي القوات الأمريكية في أفريقيا شن الغارة إحراجًا لحكومة الوفاق، حيث بدا واضحا أنها تحاول تبني عملية استهداف مجموعة من الارهابيين للتغطية على نجاحات الجيش الوطني الليبي الذي يقود منذ أسابيع عمليات عسكرية تستهدف العناصر الارهابية والعصابات الأجنبية التي استباحت الجنوب الليبي. 

ويؤكد هذه الفرضية أن تبني حكومة الوفاق للغارة الجوية، جاء بعد ساعات قليلة من إعلان الجيش الليبي سيطرته واستلامه المؤسسات والمنشآت والمواقع الرئيسية في أوباري، فبعد إعلان سيطرة قواته على حقل الشرارة بالكامل أحد أهم حقول النفط في الجنوب الغربي، أعلنت، الكتيبة 189 سيطرتها على أكبر محطات الكهرباء الغازية في ليبيا وهي محطة أوباري. 

كما تزامن ذلك مع إصدار رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، قراراً مفاجئاً يقضي بتعيين الفريق ركن محمد المهدي الشريف رئيساً للأركان العامة للجيش الليبي، وإقالة اللواء عبد الرحمن الطويل. وذلك بعد ساعات فقط من اجتماع الأخير مع الملحقين العسكريين لدولتي تركيا وبريطانيا ، لمناقشة وضع القوات التابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق. 

وأرجع مراقبون هذه الإقالة إلى تصريحات سابقة عبر فيها الطويل عن دعمه للعملية العسكرية التي أطلقها المشير خليفة حفتر، القائد العام لقوات الجيش الليبي لملاحقة الجماعات الإرهابية والعصابات الأجنبية المسلحة في منطقة الجنوب وتحريرها بالكامل وهو ما يتناقض مع موقف السراج الرافض للعملية. 

وتصاعد التوتر مؤخرا بين الأطراف الليبية على خلفية محاولات حكومة الوفاق عرقلة تقدم الجيش الليبي في عملية تحرير الجنوب والتي وصلت حد مطالبتها عبر مندوبها لدى الأمم المتحدة المهدي المجربي لمجلس الأمن، بالتدخل ضد القوات الليبية لوقف العمليات العسكرية التي تشنها جنوب البلاد. 

وفي رد صريح على تصعيد حكومة السراج، طالب رئيس الحكومة المؤقتة عبد الله الثني، كافة الاجهزة التابعة للحكومته بعدم التعامل مع المجلس الرئاسي والأجسام التابعة له. وقال المتحدث باسم الحكومة المؤقتة حاتم العريبي في مؤتمر صحفي إنه يحظر على الأجهزة التابعة للحكومة المؤقتة التعامل مع المجلس الرئاسي والأجسام التابعة له باعتباره مغتصب للشرعية معتبرا أن المجلس الرئاسي يعد منتحلا لصفة رسمية بالدولة مؤكدا أنه سوف اتخاذ الاجراءات القانونية حيال المخالفين. 

ونفذت قيادة أفريكوم الكثير من العمليات العسكرية في ليبيا، تحت عنوان استهداف مُسلحي التنظيمات الإرهابية منها القاعدة وداعش. وشهدت تلك الغارات جدلا كبيرا حول مدى دقتها وصحة أهدافها، كما ألقت الضوء على مدى جدية التنسيق بين حكومة الوفاق وأفريكوم، والذي يرى كثير من المتابعين للشأن الليبي بأنه شكلي حيث أثبتت الغارات الماضية أن الحكومة الليبية لا تعلم بتفاصيلها إلا بعد وقوعها. 

وتشير تصريحات المسؤولين الغربيين في أكثر من مناسبة إلى إستمرار الضربات الغربية في ليبيا ضد التنظيمات الإرهابية التي مازالت تتواجد في الأراضي الليبية وخاصة في منطقة الجنوب التي تحولت بعد تحرير مدينة سرت ومدن الشرق الليبي الى ملاذ آمن ومركز لتجمع العناصر الارهابية الفارة التي تشكل خطرا على ليبيا والمنطقة عموما. 

ومنذ منتصف يناير الماضي، يشن الجيش الوطني الليبي عملية عسكرية لتحرير الجنوب الليبي وذلك في خطوة ستكون هامة جدا في اطار تطهير كامل البلاد. كما ستكون بحسب المراقبين انتصارا جديدا للجيش الليبي ينضاف الى انتصاراته السابقة التي جعلت منه محل تأييد محلي واسع واشادة دولية بدوره الرئيسي في اعادة الأمن والاستقرار الى هذا البلد الممزق.