طرق ترابية بائسة ووجوه عابسة متيبسة من الفقر، وحزن يملأ كافة الأزقة، ويقودك رغما عنك إلى منازل 21 أسرة مكلومة تعيش لحظات ما بين الحياة والموت، في انتظار ابن أو زوج رحل إلى ليبيا من أجل لقمة العيش، وألقته أقداره في أيدي تنظيم "داعش".

ففي قرية العور؛ 15 كيلومتر شمال غرب مدينة سمالوط بمحافظة المنيا، وسط مصر، لا يوجد مكان لا يرفع فيه صوت البكاء، ولا وجه لا تعلوه علامات الخوف والترقب، بعد أن نشرت مجلة "دابق"، الناطقة باسم تنظيم "داعش"، أمس، صورا لـ21 قبطيا من أبناء القرية، بملابس برتقالية اشتهرت في العالم بأنها "ملابس الاعدام".

"21 شاب يجلسون على ركبهم، في ملابس برتقالية، وخلفهم 21 مسلح يتشحون بالسواد، ويضعون السكاكين على رقاب المحتجزين".. هذا هو المشهد الذي رسمته صور "دابق"، دون أن توضح المصير النهائي للمحتجزين، تاركة أحبائهم وأقاربهم بين اليأس والرجاء.

على الصعيد الرسمي، لا يوجد أي تأكيد على اعدام هؤلاء المحتجزين.

وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية، بدر عبد العاطي، في وقت سابق، اليوم، إنه "لا يوجد أي تأكيد حتى الآن، على مقتلهم".

غير أن مراقبين يعتقدون أن بث "داعش" هذه الصور يعني أنه قتل الشباب المصريين، وربما يبث مقطع فيديو لعملية الاعدام، خلال الأيام القليلة المقبلة.

فيما يعيش أهالي الشباب في حزن وترقب، بأمل، ربما ضئيل، في رؤية أحبائهم مرة أخرى. ولا تكف الأمهات والزوجات عن الدعاء.

ورغم أن الحزن يخص 21 عائلة من أصل 5 آلاف نسمة يقطنون القرية، إلا أن شوارع العور خاوية، تمتزج فيها دقات أجراس الكنائس بتلاوة لآيات من القرآن الكريم، تصدح من مكبرات صوت المسجد الوحيد بالقرية.

ووفق مراسلنا الذي زار القرية المكلومة، أغلقت المحلات أبوابها؛ فلا بيع ولا شراء، وكأن الجميع حبسوا أنفاسهم، في انتظار خبرا عن شباب عاشوا معهم، قبل أن يرحلوا إلى ليبيا، بحثا عن الرزق، وتنقطع أخبارهم منذ 40 يوما.

وداخل بيت من الطوب اللبن ومسقوف بجريد النخل، تلتف عائلة مكرم يوسف تاضروس، أحد المختطفين، حول قصعة من النار، أملا في دفء يقيهم من برد الشتاء.

وتجلس مليكه، زوجة مكرم، التي تعاني من الشلل، شاردة الذهن، وحولها أطفالها لا يكفون عن البكاء والسؤال: "فين أبونا يا أمي". فيما تبكي أم زوجها، رغم أنها أوشكت على فقد بصرها، وتقول: "هاتولي (احضروا لي) أبني عايزه (أريد أن) أشوفه".

وحسب ما قالته السيدتين، فإن مكرم يبلغ من العمر 35 عاما، وكان يعيش مع زوجته وأولاد الأربعة، في غرفة داخل منزل العائلة، اعتمادا على 52 جنيها (أقل من 7 دولارات) يتقاضاهم من أعمال بسيطة، قبل أن يسافر إلى ليبيا بحثا عن لقمة العيش، وتنقطع أخباره.

وقالت ماجدة عبده، زوجة هاني عبد المسيح، وهو مختطف أخر، للأناضول: "سافر علشان (لأجل) يُعلم ولاده .. معندناش (لا نملك) أرض ولا حاجة ابدا"، مضيفة: "راح لقدره علشان يخطفوه في مكان مجهول، وطلع يسترزق على أكل عيشه".

ومضت قائلة: "قبل اختطافه كان ناوى يرجع البلد علشان الأحوال سيئة لكن القدر منعه من رؤية أولاده"، قبل أن تتدخل أمه التي لا تجف دموعها، قائلة: "الحكومة لازم تتحرك"، مضيفة: "لو واحد أمريكي ولا يهودي اتخطف، الدنيا كانت قامت وقعدت علشان يرجعوه".

فيما قالت تريزة عطية شحاتة، والدة يوسف شكري يونان، وهي تبكي: "ابنى سافر علشان يتزوج، ممعهوش فلوس الشغل هنا يوم و10 مفيش؛ يعمل أيه كان لازم يسافر".

وتابعت: "لو كنا نعرف إن ده هيحصل، مكنش سافر"، موجهة استغاثة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن يعيد ابنها إليها.

وفي أحد شوارع البلدة الصامتة احتراما لحزن أبنائها، أرتفع صوت امرأة باكية: "هاتلي ابني يا سيسي، أمال انتخبناك ليه"، ولم تذكر أي شيء لمراسل "الأناضول"، إلا أنها والدة أبنوب عياد، أحد المختطفين.

وأمس، قالت الرئاسة المصرية إنها تتابع عن "كثب وباهتمام بالغ الأنباء المتواترة حول وضع أبناء مصر المختطفين فى ليبيا"، دون الإشارة إلي صحة الأنباء المتداولة أو نفيها.

وأعلن تنظيم "داعش"، أمس الخميس، أنّ من أسماهم بـ"جنود الخليفة" في ولاية طرابلس (تشتهر باسم داعش ليبيا)، أسروا 21 قبطيّاً (مسيحيًا مصريًا). وكانت وكالة الأنباء المصرية الرسمية نقلت، في 3 يناير/ كانون الثاني الماضي عن الإعلامي الليبي، مالك الشريف، قوله إن مسلحي تنظيم "داعش" اختطفوا 13 عاملا مسيحيا مصريا في مدينة سرت (وسط)، في أعقاب اختطاف 7 آخرين في المدينة نفسها نهاية العام الماضي.