رغم الاتفاقيات المبرمة بين البلدين الجزائر و تونس و التي هي في طور التعديل و المناقشة منذ سنة 2009 بين الطرفين هذه الاتفاقية تنص على حق العمل لكل طرف جزائري كان مقيما في تونس أو تونسي مقيم في الجزائر بدون تمييز إلا أن تعنت الطرفين في وضع صعوبات إدارية حالت دون إيجاد حل لأهم المشاكل المتمثلة في الإقامة الملكية و العمل ليبقى السؤال لماذا ؟
يرجع سبب ذلك حسب ما كتبت الزميلة الشروق الجزائرية (أن أحد مسئولي الداخلية التونسية قد اتهم الطرف الجزائري بأنهم من بدؤوا بخرق الاتفاقية، عندما منعوا عددا من التونسيين من بيع عقاراتهم في الجزائر مع مطلع الثمانينات، واشترطوا عليهم الحصول على رخصة إدارية من الوالي، فبدأت الحكومة التونسية في تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع العلم أن الاتفاقية نفسها تنص أيضا على حق التملك والتصرف بالبيع أو الشراء أو غيره من أشكال نقل الملكية الأخرى لرعايا البلدين "مع إعفائهم في العمليات العقارية الناقلة للملكية من تقديم الرخصة الإدارية") وهي رخصة التي من المفروض أن يسلمها الوالي بمختلف ولايات تونس للموافقة على أي عملية نقل للملكية تشمل أملاكهم العقارية فوق التراب التونسي، لكن الحصول عليها أشبه بالمستحيل لأكثر من سبب قد يكون إداري أو ذهنية التونسي الذي له تعليمات في الخفاء لعرقلة التسوية الإدارية، لكن الخناق الممارس من الإخوة التونسيين تعدى الحدود ليصل إلى حد التضييق على الجزائريين بداية بالإقامة فالجزائري يعامل بنفس المعاملة مهما كانت وضعيته مستقرا حديثا أو متزوجا بتونسية أو مولودا بتونس من الجيل الثاني أو حتى الثالث حيث وجب على الإدارة التونسية وضع حالات استثنائية لذلك و هو ما لم يأخذ بعين الاعتبار لتبقى بطاقة الإقامة سارية المفعول لمدة عامين بدلا من عشر سنوات لأنه صعب الحصول عليها و قد لا يحدث لعدة أسباب يبقى أهمها المفتعلة.
تبقى حالة جزائرية تدعى مونية خير دليل على معاناة الجزائريين في تونس فهي من مواليد تونس من أبوين جزائريين متزوجة من جزائري الأصل و تونسي الجنسية أم لثلاثة أطفال تشتغل عاملة نظافة بسعر زهيد تحكي لنا معاناتها للحصول على بطاقة الإقامة فرغم مولدها في تونس لم تحصل عليها بسبب أنها جزائرية تنطبق عليها نفس الشروط لتكوين الملف: ( عقد كراء و وثيقة العمل و أوراق أخرى صعب الحصول عليها و بدونها لن تستطيع اكتساب الجنسية التونسية رغم حقها في ذلك من باب مولدها ومدة إقامتها و زوجها ذو الجنسية التونسية.
يبقى مشكل العمل من أهم المشاكل حيث أن الجزائري المقيم في تونس يوظف بدون عقد عمل و حتى وإن حصل عليه فهو لن ينتفع من الحقوق الواجب التحصل عليها كالتأمين في صندوق الضمان الاجتماعي وبطاقة العلاج المجانية لأنهم ليسوا تونسيين رغم أن القانون ينصفهم بذلك كما يحرم الحصول على قروض بنكية رغم أن هناك من تعدت مدة إقامتهم 30 سنة و أكثر وهم من مواليد تونس أب عن جد، إضافة لذلك فإن الإجراءات المتخذة من الطرف التونسي في حق الرعايا الجزائريين توسعت فشملت حتى التضييق في الدخول إلى سوق العمل.
نذكر في هذا الإطار بالقرار الصادر قبل خمس سنوات حيث أوقف نشاط 17 سائق تاكسي جزائري أغلبهم من مواليد تونس وفيهم من تمتد جذور عائلته فيها إلى عشرات السنين من المهنة التي زاولوها
و توارثوها أبا عن جد في تونس.
و جب التذكير أيضا الحالات العديدة لجزائريين من الجيل الثاني والثالث القيمين في تونس و قضاياهم أمام القضاء التونسي التي لا تجد طريقها للحل، فقد أجر بعضهم بيوتهم لتونسيين ولكنهم رفضوا إخلاءها واستولوا عليها، فضلا عن عقارات " أراضي زراعية و سكنات " ورثوها أبا عن جد، وأبناء عائلات أخرى لا تزال أملاكهم مسجلة بأسماء آبائهم المتوفين فلا هم يستطيعون تقسيم الإرث ولا التصرف في الأملاك ؛ صنف من هذه الحالات جزائري يملك 30 هكتارا من الأراضي الزراعية ، ورثها عن آبائه ، فشلت كل جهوده في نقل ملكيتها اللازمة لتطوير مشروعه الاستثماري .
ولئن اضطر جزائريون لتسجيل أملاكهم بأسماء زوجاتهم التونسيات نتيجة الوضع المفروض عليهم ففي حالات الطلاق أو الوفاة يجدون أنفسهم مجردين من أملاكهم و من المعروف أن القضاء التونسي يقف ويميل إلى صف مواطنيه ناصفا إياهم الحق ظالما أو مظلوما مهما كانت قضيته حتى و لو ضد الجزائري. خير دليل على ذلك هو ما سرده لنا السيد علي جزائري مقيم بمدينة الكاف و الذي له حكم منذ سنة 1980 من المحكمة الابتدائية إلى الاستئناف لصالحه متعلق بأحد العقارات إلا أن العدالة و الإدارة التونسية لم تنصفه بل قامت بالاستيلاء و تجريده منها.
تستمر معاناة الجزائريين لتمس الطلبة الذين أغلبهم مولودين بتونس و الذين حرموا من المنحة الدراسية رغم نجاحهم بامتياز في مختلف الجامعات.
فرغم الضمانات التي وعد بها السفير الجزائري عبد القادر حجار المعين حديثا حيث تحدث عن إجراءات اتخذتها السلطات التونسية لفائدة الرعايا الجزائريين المقيمين بتونس والمتمثلة في منحهم الحق في الملكية ومزاولة النشاطات المهنية والحق في الإقامة وبالتالي تجاوز كل المعوقات التي عانت منها في السابق تبقى أمال الجزائريين عالقة و معقدة و حبيسة بسبب عنصرية بغيضة توارثتها الإدارة التونسية عن نظام زين العابدين بن علي و ثقافة الحقد التي غرسها بورقيبة فهل تكون الثورة التونسية و ما بعدها متنفسا لجزائريي تونس الوقت وحده كفيلا بالإجابة عن هذا السؤال.
قتالة جمال.