كشف الخطيب السابق وأستاذ علم الحديث النبوي بجامع الشيخ عبد السلام الأسمر الفيتوري محمد العجيل، والباحث بمجمع ليبيا للدّراسات المتقدّمة حاليًّا في مقابلة لـ"بوابة افريقيا الإخبارية" إنّ "كل أُمّة تعتز بتاريخها وتراثها الذي يورثه الأجداد للأحفاد، ويفتخرون بعلمائهم الذين يساهمون في إصلاح البلد و تطويره، والمضيّ به نحو الإبداع والتميّز والتألّق"

وأضاف العجيل بأن "ما تعرضت له بلادنا هو طمس متعمد للهوية ولعلمائها وتاريخها وآثارها ولمكونها العام" بحسب تعبيره.

نبش قبور صحابة الرسول (ص)

وأشار العجيل إلى أن "ما حدث لقبور صحابة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم في ليبيا، حيث تعرضت قبورهم للنبش والتدمير في مدينة درنة، حيث تم الاعتداء على قبر الصحابي الجليل زهير بن قيس البلوي ومن معه وقد كانوا سبعين صحابيّاً،  كما تم الاعتداء على قبر الصحابي الجليل أبو سُجيف الأنصاري الذي يقطن قبره في ميناء مدينة مصراتة حيث نبش قبره ودمر مقامهُ أيضًا.

كذلك تم الاعتداء و نبش قبر الصحابي الجليل المنيذر الإفريقي الذي دفن في مدينة طرابلس ،حيث عمد مجهولون إلى نبش قبره، وهدم مقامه ومن بجواره، هؤلاء أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم الذين أوصانا عليهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقال: الله الله في أصحاب، أوصيكُم بأصحابي خيرًا.

كما طالت الاعتداءات قبور العلماء والمؤّلفين والشهداء والصالحين و المجاهدين، مثل: سيدي العلامة أحمد زروق الفاسي دفين مدينة مصراته، الذي له أكثر من 150 مؤلفًا في علوم الفقه والتزكية والحديث والتفسير، نبش قبره الشريف في خفية من الليل،  وقبر سيدي الشيخ المربِّي عبد السلام الأسمر الفيتوري الإدريسي الحسني في زليتن، حفيد سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم، نبش قبره بمعدات حفر ضخمة.

 كما طال الاعتداء قبور من دفن حوله، من أبناءه و أحفاده، سيدي امحمد بن جحا في مدينة الخمس، أحد ورّاث المدرسة الأسمرية السُّلامية العروسية، نبش قبره، ودُمّرت زاويته،  سيدي امحمد الأندلسي، ذلك الوالي الصالح المجاهد المرابط على شواطئ تاجوراء، نُبش قبره، ودُمّر مقامه على حين غِرّه،  سيدي عبدالله الشّعاب من أتباع التابعين من القرن الثالث الهجري، المدفون على شواطئ طرابلس، ودفن بجواره الشهداء الذين قاوموا الاستعمار الإسباني وفرسان القديس يوحنا، وعلى رأسهم سيدي سليمان الفيتوري جدّ السادة الفواتير في ليبيا، الذي استشهد في ذلك اليوم ومعه ابنه سيدي عبدالواحد ومجموعة من أبناء ليبيا المقاومين للهيمنة الاستعماريّة.

كما كشف العجيل عن عدة أسماء منها سيدي الشارف في ترهونة، وسيدي حامد الحضيري في سبها، وسيدي المهدي السنوسي في الكفرة، وسيدي عثمان باشا الساقزلي والي طرابلس، ودرغوت باشا الوالي والأمير والمجاهد، والذي كان يحتفظ مسجده بشعرة رسول الله صلى الله عليه وسلم".

طمس لهوية المجاهدين

وقال العجيل أنّ "هذا غيضٌ من فيضٍ مما تعرّضت له بلادنا مشرقاً ومغرباً، من طمس لهوية المجاهدين والعلماء الذين كانوا فيها، والذين هم رموز في البلدان الأخرى، حيث  ولم تكتف تلك الجماعات بذلك، بل قامت بالاعتداء على المدارس التي كانت تنشر الوسطية والاعتدال وتنشر الحب والتسامح و الإخاء، وتُعين الفقراء والمساكين، وتعلّم كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه و سلم، وعلوم الآلة من نحو وصرف وبلاغة وعروض، مع الفقه والحديث والتفسير وعلوم القرآن والفلك والهندسة وغيرها.

 حيث تم الاعتداء على مدرسة عثمان باشا الساقزلي تلك المدرسة التي بُنيت على آثار المدرسة المستنصرية التي أسسها الإمام أبن أبي الدنيا الصدفي العالم الطرابلسي الذي تشهد له الدنيا في القرن الخامس الهجري، دُمّرت هذه المدرسة بسبب هجوم الإسبان على طرابلس، ثم جاء هذا الوالي وأعاد بنائها بناءاً حديثًا، وأوقف لها الأوقاف".

نبش قبر الوالي عثمان باشا الساقزلي

وأضاف أستاذ علم الحديث النبوي بجامع الشيخ عبد السلام الأسمر قائلا: " في عام 2012 هؤلاء المجرمون هجموا على المدرسة، سيرًا على نهج المستعمر الإسباني، فنبشو قبر الوالي عثمان باشا الساقزلي وقبور أسرته وقبور العلماء المدفونين هناك.

 وأفسدوا كل شيء في هذه المدرسة بداية بمكتبتها التي نهبوها وفيه النفائس، وبعض المكتبات لبعض المقيمين في المدرسة من العلماء وطلاب العلم، حتى إنهم اقتلعوا شجرة للحنّاء كانت في وسط المدرسة، متّهمين زورًا وبُهتانًا علماء المدرسة وطلاب العلم فيها بأنّهم يعبدون تلك الشجرة.

استهداف مدارس و زوايا تاريخية

كما تم استهداف مدرسة سيدي عبدالسلام بن سليم الأسمر الفيتوري، هذه الزاوية التي أسست سنة 912 من هجرة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، كما تمّ الهجوم على الزواية تاريخيًّا مرّات متعدّدة، منها في القرن العاشر، على أيدي يحيي الزهروني مدّعي النبوّة، وتم تدمير الزاوية وحرق مكتبتها وقتل ابن الشيخ الأسمر الشيخ سيدي عمران،  وهوجمت مرّة أخرى بإمرة أحد الولاة العثمانيين في طرابلس، لأنهم أرادوا أن تكون الزاوية خاضعة لتعليماتهم وآراءهم".

مضيفا بالقول: "وهوجمت سنة 1923 من قبل الإيطاليين، ودمّر المقام والزاوية، لأنّ الزاوية كانت معقلا للمجاهدين، تخرّجهم وتدعمهم بالفتاوى والعلم والمال والرجال، وتؤويهم في خلواتها،  ولم يشف غليل هؤلاء تلك الهجمات، فقام وُرّاثهم بهجوم حقير يوم 23/8/2012، وفي هذا اليوم وما يليه دمّرت فصول القرآن الكريم وأحرقت، وسرقت المكتبة وحرق بعضها، كما تم حرق بعض المكتبات المشاركة في معرضٍ للكتاب كان مقامًا في ذلك اليوم، وأتلفت آبار الزاوية وتم تفجيرها، وتمّ محاولة تفجير مآذن المسجد، الذي دُمر المحراب والمنبر، وخرّب أكثر المسجد وأصابته تصدّعات كثيرة، وسُرقت الإذاعة ومكبّرات الصوت، وأُرهب الطلاب والمقيمون في الزاوية، وقُتل أكثر من أحد عشر شابًا من المدافعين عن الزاوية في تلك الليلة، وملاحقة كثيرين، والهجوم على جميع الزاوايا والأضرحة في زليتن كلها، وتبلغ أكثر من 40 زاوية وضريحًا".

حرق و سرقة مخطوطات و وثائق تاريخية

مؤكّدا أنّه "لم تسلم المخطوطات والوثائق أيضًا، فقد بلغ عدد المخطوطات والوثائق التي تحتفظ بها الزاوية، والتي حرقت وسرق بعضها، ولا ندري أين ذهبت، بلغ عددها سبعة آلاف وثيقة ومخطوط 7000 ، باللغة العثمانية والعربية ولغات أخرى، بعضها عمره أكثر من 700 سنة.

 وللأسف ضاعت كلها بسبب فكر متطرف متعجرف لا يمت إلى الإسلام بصلة،  ورغم الاعتداء عليها وما حصل فيها، ولكنها ما زالت حتي لحظتنا هذه تؤدي رسالة العلم والقرآن والتربية وتعليم ذكر الله تعالى والإصلاح والوئام".

مدرسة سيدي المصري بطرابلس

وأضاف العجيل قائلا: "أما المدرسة الثالثة فهي مدرسة سيدي المصري بطرابلس – وهو أحد المرابطين الذين كانوا يحمون بلادنا ويدفعون عنها واستشهد في سبيل ذلك في القرن السابع الهجري، مدرسته كانت مدرسة للفقة وللذكر وتدريس كتاب الله تعالى، تمّ نبش المقام، وتدمير الزاوية، وحرق المكتبة وسرقتها، وتعذيب وأذية بعض المدرّسين فيها.

 وتم تغيير اسم المكان التاريخي الدّال على رموز بذلت أعمارها وأنفسها وأوقاتها في سبيل الدفاع عن الوطن الذي أمرنا الله بحبّه وبذل النفائس لأجله، ليسمّى أسماء فيها لمز وطعن لعقائد المسلمين في هذا الوطن، وهذا بعضُ ما حصل، والإحصاء الدقيق لا سبيل إليه لكثرة ما فعل المجرمون، تكفيرهم وتفسيقهم لليبيا وأهلها، وقتلهم وسجنهم وتعذيبهم وتغييبهم لكثير من المخالفين لآرائهم، واتبّاعهم لفتاوى القتل والتدمير من خارج البلد منشورة في شبكة المعلومات الدولية الانترنت".

أيها الليبي لتحافظ على ما تبقى

وأردف العجيل قائلا، في ذات السياق: "مع الأسف تحالف معهم كثير من الحمقى، ممّن غفل عن العلم وقراءة تاريخ البلاد الثقافي والإبداعي، فارتمى في أحضان المتطرفين بجهله، فالعلم العلم، والقراءاة القراءة أيها الليبي لتحافظ على ما تبقى من هويّتك وتراثك وفكرك وموروثك البديع، وتحالف معهم أيضًا بعض القيادات والتّيارات التي ادّعت الإسلام، ودعت إلى تحكيم الشريعة، وما دعوا إلا إلا تحكيم آرائهم على الشريعة، وتحكيم أفهامهم السقيمة، وتسليطها على النّاس، لأجل مكاسب سياسية عاجلة، وكتب التّاريخ عليهم تحالفهم مع المتطرفين، وأذيتهم لليبيا وأهلها وطمس معالمها وتاريخها، المنظور والمقروء.

وبعد سنوات من التحالف صار الحلفاء أشدّ الأعداء،  ويكرّر هذا التحالف بعضُ من لا يستفيد من التاريخ ومشاهده، ولم ينتبه إلى خطواته، فالتحالف مع كل فكر إقصائي تكفيري لا يورث إلا النّدامة والخسران في الدّارين! ويأبى الله تعالى إلا أن يُتم نوره، فليبيا مسلمة وسطية، تكره الإرهاب والتّطرف وتنبذه، ليبيا الحوار وقبول الاختلاف، وإدارة الخلاف، وآداب البحث والمناظرة، واحترام الغير، واحترام الإنسان، هذه ليبيا قديمًا، وهكذا سترجع بجهود الخيّرين من أبناء الوطن، المستفيدين من الإيجابي الموجود في بطُون التاريخ ومحطّاته الرّائعة".