تزداد تعقيدات المشهد الليبي، وخاصة بعد تراجع فرص الوصول إلى تسوية سياسية عبر إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في عموم البلاد بحلول العاشر من شهر كانون الأول (ديسمبر) القادم، وسط تجاذب دولي بهذا الشأن وبشكل خاص بين الجارتين الأوربيتين صاحبتي اليد الطولى في ليبيا، فرنسا وإيطاليا.

وبالتزامن مع ذلك،تراوح الأوضاع الأمنية لمتردية مكانها،وخاصة في العاصمة الليبية ،في ظل تواصل مسلسل العنف الذي يكرسه إنتشار الميليشيات المسلحة في المدينة،وذلك بالرغم من الهدنة التي رعتها بعثة الأمم المتحدة مؤخرا.


** إستهداف المطار

إلى ذلك،وفي مشهد يتكرر منذ أسابيع،أستهدف مطار معيتيقة الدولي،بنيران مجهولة،بعد إستهدافه بقذيفتين دون أن يخلفا أضرارا بشرية.وبين المكتب الإعلامي للمطار لبوابة إفريقيا الإخبارية، أن الصاروخين سقطا فجر الثلاثاء 16 أكتوبر 2018،وأظهرت الصور أن القذيفتان اخترقتا ارض ساحة المطار.

وفي الأثناء،نفى ما يسمى بـ "حراك شباب طرابس" الذي كان يتبنى كل عمليات قصف المطار بسبب تواجد قوة الردع الخاصة داخله، مسؤوليته عن قصف مطار معيتيقة. ونقلت وسائل إعلامية عن الحراك قوله :"لم نطلق أي صواريخ على مطار معيتيقة وإذا فعلنا ذلك سننشره بكل التفاصيل.

وكان مطار معيتيقة قد جرى غلقه مرتين خلال شهر سبتمبر الماضي، بسبب الاشتباكات التي دارت جنوب وجنوب شرق طرابلس بين تشكيلات مسلحة، ما أدى لتحويل كل الرحلات الداخلية والخارجية إلى مطار مصراتة الدولي 200 كيلو متر شرق طرابلس.

وبعد توقف الاشتباكات في طرابلس، تم في الثاني من أكتوبر الجاري استهداف المطار بقذيفة صاروخية أدت لتأخير الرحلات الصباحية إلى مساء ذات اليوم، وتحويل بعضها لمطار مصراتة، لِتعود بعدها حركة الملاحة لوضعها الطبيعي.

ويعتبر معيتيقة المطار الوحيد العامل في العاصمة الليبية، وهو مطار صغير جداً مقارنةً بمطار طرابلس الدولي الذي دُمِر بشكل كامل وتأجلت كل أعمال التوسعة فيه بسبب الحرب التي دارت بين تشكيلات مسلحة في طرابلس ومدن أخرى منتصف عام 2014

وأدى توتر الوضع الأمني في ليبيا إلى عزوف شركات الطيران العربية والعالمية عن الهبوط في المطارات الليبية عامة، ما زاد من الضغط على شركات الطيران الليبية التي فقدت بدورها طائرات عديدة خلال اشتباكات دارت في أوقات سابقة.


** إغتيالات

ويأتي إستهداف المطار،بعد إغتيال القيادي فى وزارة داخلية الوفاق وبجهاز الامن المركزي "خيري حنكورة"، على يد مسلحين مجهولين. ولقي حنكورة، مصرعه، صباح الإثنين، إثر اصابته  بعدة أعيرة نارية أثناء الرماية التي تعرض لها أمام بوابة فندق المهاري "راديسون بلو" وسط العاصمة طرابلس.

وتضاربت الأنباء الواردة في التقارير الإعلامية حول هوية الجهة المنفذة للعملية ما بين قوة الردع الخاصة أو مجموعة أخرى،فيما ذهبت آراء أخرى إلى أن هذه العمليات جاءت في سياق تصفية حسابات بين قادة المليشيات وأمراء الكتائب، ضمن صراع النفوذ، أو ربما صراعات أو خلافات من أجل المال.

وتحصل حنكورة السنة الماضية على ترقية إستثنائية هي ملازم أول من داخلية الوفاق إبان عمله مع قوة الامن المركزي أبوسليم بقيادة عبدالغني الككلى الشهير بـ"غنيوة". ولاحقاً دب خلاف بين حنكورة وغنيوة وكلاهما من مدينة ككلة وقد إنشق على إثره الأول وترك منطقة أبوسليم وإتجه للعمل فى شرق العاصمة حيث تواجد ونفوذ قوات كتيبة ثوار طرابلس التي نسج معها علاقة متينة و قاتل فى صفوفها بالحرب الأخيرة التي دارت بين شهري أغسطس وسبتمبر فى مناطق خلة الفرجان وعين زارة ووادي الربيع.

والجمعة الماضي، أقدام مسلحون مجهولون على اغتيال الرائد شمس الدين المبروك، وهو ضابط بالجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر، إثر عودته الأولى إلى طرابلس منذ سنوات. وقالت مصادر محلية وتقارير صحافية إن المبروك، الذي كان في زيارة عائلية بعد طول غياب، قتل رمياً بالرصاص في منطقة السواني، جنوب غربي العاصمة طرابلس.

وتشير التقارير الصحفية إلى أن المبروك كان أحد العناصر النظامية التابعة لإدارة الشرطة العسكرية والسجون بالقوات المسلحة وقد شارك إضافة لمعارك بنغازي ضد مجالس الشورى وتنظيم داعش فى معارك إسترداد "الهلال النفطي" من ميليشيات إبراهيم الجضران وسرايا الدفاع والمتحالفين معهم من المعارضة التشادية.


** عقوبات

في غضون ذلك،قالت الممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية، فيديركا موغيريني، إنه بات هناك توجه لفرض عقوبات على قادة المليشيات المسؤولين عن تهريب البشر أو الوقود أو الذين يعرقلون العملية السياسية في ليبيا.وأضافت موغريني في ختام جلسة كرسها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لكسمبورغ للوضع الليبي،الإثنين، إن وزراء الخارجية الأوروبيين وافقوا على مطالبة البنوك المركزية بتتبع أموال الأشخاص المتورطين في عمليات تهريب البشر أو الاتجار بالسلاح في ليبيا وخارجها.

وأشارت الممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية،إلى أنها تحدثت عن مسألة فرض عقوبات على المليشيات في طرابلس مع المبعوث الأممي غسان سلامة، وإمكانية أن تقوم الدول الأوروبية الأعضاء في مجلس الأمن (بريطانيا وفرنسا ) بتحرك في هذا الاتجاه.

وتصاعدت الأصوات المطالبة بمحاسبة الميليشيات المسلحة التي تمارس العنف في طرابلس،وكانت  اللجنة المشكلة من المنظمة العربية لحقوق الإنسان واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان،دعت في بيان أصدرته الخميس الماضي، إلى التحقيق "بشكل فعال" في الانتهاكات التي وقعت أثناء الاشتباكات الأخيرة في العاصمة الليبية طرابلس.

وقالت اللجنة،إن الاشتباكات التي وقعت في طرابلس في آب/ أغسطس الماضي،"شهدت أخطر أنماط انتهاكات القانون الدولي الإنساني".وأضافت أن "أبرز تلك الانتهاكات تتمثل في عمليات القصف العشوائي للمدنيين، وجرائم القتل على الهوية، واستخدام الأسلحة الثقيلة   داخل الأحياء المكتظة بالمدنيين، والتحصن بها وتحويلها إلى مناطق عمليات عسكرية، وفرض حالة النزوح الجماعي والقسري.

وذكرت اللجنة أن "ضحايا معارك جنوب طرابلس بلغوا 115 قتيلًا و 450 جريحًا إضافة إلى 18 مفقودًا، وتشريد 4 آلاف أسرة".وأكدت على أن "هذه الأدلة على الانتهاكات تتطلب إجراء تحقيقات فعالة، وفي حال لزم الأمر تجب ملاحقة المسؤولين عن ارتكابها قضائيًا".مشيرة إلى أنه في حال ثبت أن السلطات الليبية غير مستعدة أو غير قادرة على إجراء التحقيقات والملاحقات القضائية اللازمة، حينها تتطلب مصلحة العدالة أن يتم اللجوء إلى آليات العدالة الدولية.

وشهدت طرابلس اشتباكات بين المليشيات منذ 26 أغسطس/آب الماضي، حتى تم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار برعاية البعثة الأممية في ليببا.ورغم الحديث عن ترتيبات أمنية لفرض الأمن فيالعاصمة،فإن العديد من المتابعين للشأن الليبي يشككون في نجاحها خاصة وأن عدد كبير من المليشيات التيتسيطر على العاصمة الليبية،تتلقى رواتب ودعما من قبل حكومة الوفاق.