بعد استعادته للموانئ النفطية، على اثر الهجوم الذي شنته ميليشيات ابراهيم الحضران والعصابات المحالفة معها، سارع الجيش القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر إلى إعلان نقل تبعية منطقة الهلال النفطي إلى المؤسسة الوطنية للنفط في بنغازي، في خطوة أحدثت جدلا كبيرا بين الترحيب والتنديد.

خطورة الجيش الليبي لم تكن من فراغ، حيث أكد أنها تأتي في اطار حماية الثروات الليبية من الاستنزاف، وفي اطار محاربته للارهاب الذي بات يمول عن طريق النفط الليبي.وجاء هذا القرار على خلفية الاتهامات المصاعدة للمصرف المركزي الليبي الذي يتولّى إدارة عائدات النفط لصالح حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، بتمويل الميليشيات وإهدار الأموال الليبية.

وقال الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني العميد أحمد المسماري، إن القيادة العامة للجيش الوطني أصدرت قرارا بتشكيل لجنة تقصي الحقائق بشأن مصادر تمويل الجماعات الإرهابية. وأكد المسماري، خلال مؤتمر صحفي عقده، الأربعاء 04 يوليو 2018، في بنغازي، أن أموال النفط الليبي تحولت إلى دعم الإرهاب عبر مصرف ليبيا المركزي. وأضاف أن القيادة العامة تسعى إلى تجفيف منابع تمويل الإرهابيين وتحقيق العدالة في توزيع الثروة وتوفير الدعم المإلى للجيش الذي ضحى أكثر من مرة لتحرير الموانئ.

وبدوره قال رئيس الحكومة المؤقتة عبدالله الثني، أن الحكومة تعاني أزمة مإلىة منذ أول يوم منحت فيه الثقة ومن حصار ما وصفها بالميليشيات السياسية والحزبية التي تسيطر على مركزية القرار والمال في طرابلس. ولفت رئيس الحكومة المؤقتة إلى أن ما يقوم به المصرف المركزي فى طرابلس من منع تمويل كل المدن الخاضعة لسلطة الحكومة المؤقتة سبب الأزمة الخانقة للحكومة.

ونقلت "العربية نت"، عن مصادر مقربة من المشير خليفة حفتر، خلال لقائه رئيس بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا غسان سلامة، لبحث آخر المستجدات في منطقة الهلال النفطي وسبل الخروج من الأزمة الراهنة، مطالبة المشير بتشكيل لجنة تحقيق دولية في الملابسات التي أحاطت الهجوم الذي شنته ميليشيات إبراهيم الجضران.كما اتهم المشير خليفة حفتر حكومة فائز السراج بموالاة الجماعات الإرهابية والمتشددة، لافتاً إلى أن هناك تلاعباً كبيراً يتم في عائدات النفط الليبي، بحسب المصادر.

تحالف ميليشيوي

وتأتي هذه الإتهامات لتؤكد ما ورد في بحث لمركز "سمال آرمز سيرفي" للدراسات، أكد أن الوضع السياسي والاقتصادي في ليبيا، بات في قبضة تحالف لميليشيات العاصمة أطلق علىه البحث اسم "كارتل طرابلس"، بدعم من حكومة الوفاق ومجلسها الرئاسي.وحسب المركز، فإن "كارتل طرابلس" أصبحت شبكة إجرامية تضم ميليشيات أهمها ما يعرف باسم "قوة الردع الخاصة" بقيادة عبد الرؤوف كارة، و"كتيبة ثوار طرابلس" بقيادة هيثم التاجوري، و"كتيبة أبوسليم" التي يتزعمها "اغنيوة"، بالإضافة إلى "كتيبة النواصي" بزعامة على قدور.

وأشار التقرير إلى أن المليشيات في العاصمة طرابلس تطورت إلى شبكات إجرامية مرتبطة ببعض القادة السياسيين ورجال الأعمال وشاغلي الوظائف الإدارية الرئيسية، مبينا أنها تمثل عقبة أمام المسار السياسي وتشكيل حكومة في البلاد. وأكد مراقبون أن سيطرة المليشيات على العاصمة تسبب في حدوث خلل في عمل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق غير المعتمدة بقيادة فايز السراج، حيث أنها (العاصمة) تحت سيطرة سلاح غير شرعي.

وقالت مؤسسة "سمال آرمز سيرفي" إن هذه المليشيات استطاعت "خرق بيروقراطية الدولة ومؤسساتها"، مضيفة أن "حكومة السراج شرعنت هذه المليشيات ودفعت لها الرواتب من أجل شراء الولاءات".

وكشفت الدراسة عن وجود مسؤولين في الحكومات المتعاقبة بعد أحداث 2011م دفعوا رواتب لهذه المليشيات، وعلى رأسهم وزير الدفاع الاسبق أسامة الجويلي، وعضو الجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة الصديق الغيثي، ووزير الداخلية الاسبق فوزي عبد العال، وعضو جماعة الإخوان عمر الخضراوي.

وأضافت الدراسة أن المليشيات التي سيطرت على العاصمة الليبية حظيت بدعم بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا وبعض الحكومات الغربية، مشيرة إلى أن هناك غيابا واضحا لدور الأمم المتحدة في وضع خطة فعلىة لتأمين طرابلس.وتابعت: "البنوك في طرابلس تدفع الأموال للمليشيات لتأمينها، كما أن أفرادها يتستخدمون القوة المفرطة وخطفوا مدراء البنوك ليتحصلوا على الاعتمادات المالية".

طرابلس الأسيرة

ومنذ العام 2011، تسيطر الميليشيات المسلحة على العاصمة الليبية طرابلس، ورغم وصول حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج وبداية عملها، إلا أنها لم تستطع كبح جماح الميليشيات، بل سارعت إلى شرعنة بعضها والإعتماد علىها في تأمين مقراتها وطرد مناوئيها.وسط إنتقادات حادة توجه لمجلس الرئاسي ولجنة الترتيبات الأمنية المنبثقة عنه لعدم تطبيق ما جاء في بنود الاتفاق السياسي بخصوص إخراج الميليشيات المسلحة من المدينة.

وفي أبريل الماضي، كشفت دراسة للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن الدولي عن سيطرة الميليشيات على قرارات المجلس الرئاسي.وتقول الدراسة، إن الميليشيات تحولت من جماعات مسلحة إلى “مافيا منظمة” تمتلك شبكات تؤثر في الاقتصاد والأعمال والسياسة والإدارة في العاصمة وهذا ما جعل الاقتصاد الليبي والأموال الليبية تصب في مصلحة فئة صغيرة جدًا ودائرة أصغر من أي فترة مضت منذ ثورة فبراير 2011.

وقالت الدراسة، "إن الميليشيات التي تتحكم في العاصمة طرابلس اتجهت إلى الاعتمادات المستندية الصادرة عن المصرف المركزي؛ لكي تسيطر على سوق العملة في طرابلس، فقامت وما زالت بالاستحواذ على الاعتمادات المصرفية بسعر الدولار الرسمي بحجة استيراد البضائع لتقوم بتوريد بضائع أقل مما اتفق علىه أو عدم توريد أي بضائع ومن ثم تحتفظ بالعملة الأجنبية لتضخها في السوق السوداء لتكون سببًا في انهيار الدينار أمام العملات الأجنبية وبالتإلى تجني ملايين الدولارات لصالحها".

و"الميليشيات الأربعة الأهم هم كتيبة ثوار طرابلس بقيادة هيثم التاجوري وكتيبة النواصي بقيادة عائلة قدور وقوة الردع الخاصة بقيادة عبد الرؤوف كارة ووحدة أبو سليم التابعة لجهاز الأمن المركزي بقيادة عبدالغني الككلي".وبحسب الدراسة، أصبحت حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي مجرد واجهة لتلك الميليشيات التي تحكم العاصمة بالفعل.

وتتصاعد الانتقادات لحكومة الوفاق بسبب عجزها عن بسط سيطرتها تعوّيلها على الميليشيات التي أعلنت ولاءها لها، والتي مازالت في مرمى الاتهامات والشكوك.وكان القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر، قال إن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج رهينة لدى مليشيات طرابلس، ويصعب علىه اتخاذ القرارات فضلا عن تنفيذها.مضيفا في لقاء مع صحيفة جون أفريك الفرنسية أن كل ما استطاع السراج أن يفعله هو قبوله بإجراء لقاءات وعقد اتفاقات لفظية لا مستقبل لها، وفق تعبيره.

ومنذ العام 2011، ترسخ وجود الميليشيات في ليبيا، والذي نتج عنه صراعات متواصلة على النفوذ والسيطرة، وهو ما أدخل البلاد في دوامة من العنف والفوضى.وبالرغم من الجهود المتواصلة لحلحلة الازمة وانهاء الانقسامات فان العديد من المراقبين يرون بأن إنهاء نفوذ الميليشيات يبقى النقطة الأولى لتحقيق الإستقرار في البلاد.