مازالت الأوضاع الأمنية المتردية تلقي بظلالها على العاصمة الليبية مع تصاعد التحذيرات من هجمات محتملة،ووسط مخاوف من تجدد الصراع بين المليشيات المسلحة التي تسيطرعلى المدينة منذ سنوات بسبب غياب جيش أو شرطة نظاميين وفي ظل عجز حكومي متواصل عن وضع حد لسيطرة المسلحين وفرض سلطة القانون.

إلى ذلك،تداولت وسائل إعلام وصفحات التواصل الاجتماعي وجود تحشيدات عسكرية ضخمة في طرابلس وخاصة في المنطقة الجنوبية للعاصمة.وتحدثت أنباء عن استنفار لكتائب قوة "حماية طرابلس" جنوب العاصمة.وتنتمي قوة حماية طرابلس إلى كتيبة ثوار طرابلس والنواصي وغيرها من الكتائب التابعة لحكومة الوفاق.

وشهد جنوب العاصمة في يناير الماضي،اشتباكات عنيفة بين مسلحين تابعين لـ"قوة حماية طرابلس" التي تضم كتيبة ثوار طرابلس والأمن المركزي أبوسليم، وقوة الردع الخاصة، وكتيبة النواصي من جهة، و"اللواء السابع مشاة" المعروف محليًا بـ"الكانيات" في مدينة ترهونة،وأسفرت هذه الاشتباكات عن مقتل 14 شخصًا وإصابة 43 من المدنيين والعسكريين،بحسب ما ألن الناطق باسم وزارة الصحة في حكومة الوفاق الوطني أمين الهاشمي في 21 يناير الماضي.

وتوقفت الاشتباكات بين الجانبين بعد جهود وساطة قادها المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة بين ممثلين عن طرابلس وترهونة أسفرت عن توقيع اتفاق لتمديد وقف إطلاق النار بين الجانبين الذي جرى توقيعه في أواخر سبتمبر 2018 برعاية البعثة الأممية.ونصّ الاتفاق على سحب كل طرف قواته إلى حدوده الإدارية ولمسافة 15 كيلومترًا، وتسليم الأسلحة الثقيلة للثكنات العسكرية، وأن تكون إدارة مطار طرابلس الدولي تحت إشراف مديرية أمن قصر بن غشير، على أن تتولى وزارة الداخلية تأمين الطرق.

وتشهد العاصمة طرابلس منذ يوم الجمعة الماضية إستنفارا أمنيا وتحشيدات عسكرية وظهور عدد من قيادات الكتائب في شوارع العاصمة بعد تحذيرات دولية من وقوع عمليات إرهابية في طرابلس.

واتخذت وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق الوطنية إجراءات عاجلة لمواجهة ما وصفه المراقبون بخطر محدق، ولكنه غير معلوم.وأكد مدير مكتب الإعلام بوزارة الداخلية محمد بوعبدالله أن الوزارة تتعامل مع أي تهديدات أو بلاغات أمنية بكل جدية حتى في الظروف العادية، مشيراً إلى أن الغرفة الأمنية المؤقتة للطوارئ التي شكلتها وزارة الداخلية باشرت أعمالها بطرابلس، كما شددت الجهات الأمنية الإجراءات الأمنية على المواقع السيادية ومقار البعثات الأجنبية في العاصمة.

وكان وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا أصدر الجمعة الماضي، قراراً يقضي بتشكيل غرفة أمنية مؤقتة للطوارئ ويكون مقرها مديرية أمن طرابلس.وبين المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية بحكومة الوفاق أن تشكيل الغرفة الأمنية يأتي في إطار اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة للحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية المرافق العامة والخاصة ومتابعة الأحداث الأمنية الطارئة.

واتخذت وزارة داخلية الوفاق جملة من الإجراءات الاستثنائية كان آخرها "إيقاف منح التراخيص وتنظيم المظاهرات والاعتصامات مؤقتاً"، وردت على تحذير أمريكي بـ"وجود تقارير مفتوحة المصدر تشير إلى أن منطقة مكتب البريد المركزي في شارع الزاوية بطرابلس قد تم تطويقها بعد اكتشاف عبوات ناسفة"، مؤكدة أن فرق الأمن تحققت من عدم وجود عبوات ناسفة أو مفرقعات أو مواد قابلة للتفجير داخل هذه الطرود البريدية.

وتوالت خلال اليومين الماضيين تحذيرات العواصم الغربية لرعاياها بضرورة مغادرة العاصمة الليبية طرابلس،بسبب ما اعتبرته أوضاع أمنية صعبة ومخاطر هجمات ارهابية محتملة على مؤسسات حكومية.

وحذّرت سفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا العاملة في تونس رعاياها في العاصمة طرابلس من هجوم إرهابي وشيك قد يستهدف مؤسسات حكومية، مثلها فعلت الخارجية البريطانية التي دعت مواطنيها الذين لا يزالون في ليبيا إلى المغادرة الفورية بسبب الوضع الأمني الذي وصفته بالهش.

وأضافت الخارجية البريطانية عبر موقعها الرسمي أن الأوضاع الأمنية في ليبيا تنبئ باندلاع مواجهات مسلحة دون إنذار سابق، مشيرة إلى أن تحذيراتها بعدم السفر أو المغادرة مستمرة منذ عام 2014،وذلك على خلفية الحالة الأمنية الهشة في طرابلس، والتي يمكن أن تتطور إلى صراع مسلح واشتباكات دون سابق إنذار". وأشارت إلى أنّه من "المرجح أن يحاول الإرهابيون شن هجمات في العاصمة الليبية".

ومن جهتها حذرت وزارة الخارجية الألمانية رعاياها من السفر إلى ليبيا ، داعية الموجودين فيها إلى مغادرة البلاد على الفور بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وزيادة معدل الهجمات الإرهابية في ليبيا.وذكرت وزارة الخارجية الألمانية أن الهجمات الإرهابية في ليبيا ستزداد على الأرجح، لا سيما ضد المؤسسات الحكومية، لأن السلطات الأمنية لا تستطيع حماية الأمن في ليبيا بما فيه الكفاية.

ووصفت الخارجية الألمانية الظروف في ليبيا بأنها "مربكة للغاية"، لا سيما في ضوء النزاعات العنيفة والنزاعات التي تندلع داخل البلاد والتي تهدد حياة الناس.تجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تحذر فيها ألمانيا مواطنيها من السفر إلى ليبيا.

ورغم إقرار حكومة الوفاق لترتيبات أمنية تستهدف إرساء الأمن بقوة شرطة وأمن نظاميين، وإنهاء دور المليشيات المسلّحة، التي تسيطر على العاصمة الليبية منذ سنوات، فإن نفوذ هذه المليشيات مازال حاضرا بقوة في المدينة.ويخشى الكثيرون من تواصل عدم استقرار الأوضاع الأمنية في العاصمة طرابلس،حيث تمثل الفوضى بيئة مناسبة لتحرك العناصر الإرهابية لشن عمليات خطيرة.