يعد قطاع الطيران المدني في ليبيا، هو أحد أكثر القطاعات تضررا وتأثرا بالأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد، هذا القطاع الذي لا يلبس أن يفيق من حادث ليستعد لما بعده، ففي ليبيا فقط يمكنك أن تقرأ سلسلة تاريخية لمتنتهي بعد حولالاعتداء والتخريب والدمارداخل المطارات الليبية، بداية من مطار العاصمة في الغرب إلى بنينا في الشرق وحتى مطار تمنهنت في عمق الجنوب الليبي. 

فيبدو أن جميع المعاهدات والاتفاقات الدولية لحماية الملاحة الجوية لم تشفع لمطارات ليبيا التي تعيش حالة من الانقسام الإداري فتتقاسم السيطرة عليها وزارات حكومة الوفاق والحكومة المؤقتة، فمع غياب وجود دولة مركزية قوية، وفي ظل فوضى السلاح التي تشهدها البلاد، تحولت المطارات الليبية لساحة للقتال وتصفية الحسابات بين الأطراف المتنازعة الأمر الذي أدى إلى أضرارا كبيرة في البنية التحتية للمطارات والطائرات والمنشآت والتي تندرج جميعا في إطار الخسائر التي سيسجلها التاريخ في سجلات "خسائرالمواطن الليبي".


مطارات على صفيح ساخن


يوجد في ليبيا نحو 18 مطارا مدنيا، من بينها 9 مطارات دولية، والبقية مخصصة للرحلات الداخلية، بيد أن أغلب شركات الطيران الأجنبية علقت رحلاتها إلى ليبيا بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة، ومن أبرز المطارات الليبية التي تشهد حالة ملتهبة بين الحين والآخر حيث تمثل السيطرة عليها سيطرة على الدولة الليبية (مطار طرابلس ومعيتيقة وسبها وبني وليد) وعلى اختلاف سيطرة الحكومات على تلك المطارات الا أن حالاتها جميعها تشبه بعضها. 

مطار طرابلس الدولي، الذي أنشئ سنة 1934، وهو أكبر مطارات ليبيا ويبعد عن العاصمة حوالي 25 كيلومتراً في الاتجاه الجنوبي، ويقع بالتحديد في منطقة "قصر بن غشير" التابعة لبلدية طرابلس، هذا المطار لديه تاريخ طويل مرتبط بالحرب الأهلية، وأخرها حينما دمر بالكامل في اشتباكات قوات فجر ليبيا مع الزنتان سنة 2014، حيثأعلنت السلطات في ليبيا أن أكثر من 90% من الطائرات التي كانت في مدرج المطار قد تعرضت لأضرار فادحة إلى درجة أن بعض الطائرات التهمتها النيران بالكامل، ثم أعيد افتتاح جزء منه منتصف فبراير 2017، كما أبرمت ليبيااتفاقا مع شركات إيطالية لإعادة بناء مبنى المسافرين في مطار طرابلس الدولي، بكلفة مبدئية قدرها 78 مليون يورو، ولم يسلم المطار حتى الآن من أعمال الاعتداءات. 


مطار معيتيقة، الواقع على بعد 11 كم باتجاه الشرق من قلب العاصمة الليبية طرابلس،لم يسلم من الصراعات الليبية فتحول لساحة للقتال وهدف للقصف ولن يبالغ مسؤولي المطار إذا علقوا في مدخله لافتة بالشعار الأبرز للمطار وهي (تعليق الملاحة لحين إشعار آخر)، واذا نظرنا للتاريخ سنجد أن هناك دائما مساعي للسيطرة على هذا المطار خلال أوقات النزاعات على اعتبار أن من يسيطر على مطار معيتيقة يسيطر على البلاد، وإذا عدنا إلى بدايات العشرينيات من القرن الماضي سنجد أن إيطاليا قامت ببناء مطار هناك، وخلال الحرب العالمية الثانية أصبح المطار قاعدة عسكرية ألمانية، وقامت بريطانيا بالسيطرة عليه عام 1943، ثم تم تسليمه للجيش الأمريكي، وسماه الأمريكيون قاعدة ويليوس الجوية، وعلى مدى 25 عاما عاش الجنود الأمريكيون وعائلاتهم في القاعدة.

مطار بنينا الدولي، وهوثاني أكبر المطارات في ليبيا، أخذ نصيبه هو الأخر من الدمار والتخريب والقصف العشوائى، بالإضافة إلى تعرضه للغرق في ديسمبر 2018 حيث أعلنت إدارة المطارإغلاق المطار بشكل نهائي لمدة أسبوعنتيجة لغرقههو وصالات الانتظار وقاعة الركاب، نتيجة للأمطار، لافتة إلى أن المياه وصلت لمحركات الطائرات والمخازن مما تسبب في خسائر مادية هائلة، تقدر بالملايين، مما يعكس بشكل واضح البنية التحتية الضعيفة للمطار. 

مطار سبها الدولي، يقع بالجنوب الليبي ويبعد عن وسط المدينة حوالي 10 كلم، ويربط سبها بالعاصمة طرابلس وكبرى مدن الشرق بنغازي، تم إغلاقه لأكثر من 3 سنوات على خلفية اشتباكات مسلحة دارت في محيطه أوائل يناير 2014، وحتى الآن لا يزال يعاني من سوء الأوضاع. 

مطار بني وليد، وهو مطار عسكري يقع في الجزء الشرقي من مدينة بني وليد في صحراء غرب ليبيا غير بعيد عن العاصمة طرابلس، كان المطار ولا يزال ساحة للاشتباكات والمعارك أكثر من مرة خلال الحرب الأهلية الليبية.

أهمية المطارات في أوقات الحروب: 

بحسب الخبراء يبدو أن الحروب الدائرة حول المطارات هي بمثابةاستخدام لكل الأدوات الممكنة لحسم المعركة، فالمطارات والقواعد الجوية تمثل نقاط ضعف يركز عليها أطراف النزاع، ويظهر القتال على مطارات ليبيا الوجهة التي تسير تجاهها البلاد، فما دامت الكتائب تستخدم المطارات لضمان وصول الإمدادات والمساعدات من الداعمين الأجانب، ستبقى الكتائب الليبية قادرة على زعزعة مؤسسات الدولة الضعيفة، وستبقى مطارات ليبيا، بالإضافة إلى حدودها، مراكز تهريب وابتزاز واحتجاز خارج القانون، وممارسات أخرى تقوض إمكانيات الدولة وحقوق الإنسان، ويبدو أن مطارات ليبيا أصبحت رمزا مأساويا للحالة الليبية، فالحرب على المطارات الليبية توضح المكان الذي تتجه إليه البلاد. 


البنية التحتية وخطط التطوير: 

للوقوف عن قرب على حالة البنية التحتية للمطارات وخطط التطوير تواصلنا مع المكتب الإعلامي للهيئة العامة للمواصلات والنقل بالحكومة الليبية المؤقتة، الذي لم يتأخر في مدنا بالمعلومات اللازمة والتعاون معنا لتقريب صورة الوضع داخل قطاع الطيران الليبي للمواطن الليبي.

 وأوضح لنا الزملاء بالمكتب الإعلامي، أن الهيئة العامة للمواصلات والنقل بالحكومة المؤقتة عملت منذ استلام مهامها كجهة مسؤولة على المرافق الحيوية من مصالح وإدارات تتابع وتختص في القطاع الجوي على تسخير كافة ما يلزم كي تستمر حركة الطيران في العمل دون انقطاع فكان للوضع السياسي أثر بالغ الخطورة في ضعف القطاع الجوي في بعض المراحل التي قطعتها الدولة الليبية خلال السنوات الماضية.

 ولكن ذلك لم يمنع القائمين على القطاع الجوي من الرعيل الأول إلى المتخرجين حديثا إلي الوقوف جنبا إلي جنب واضعين نصب أعينهم مصلحة الدولة والمواطن والتأكيد على أهم الشعارات التي تعمل بها الهيئة العامة للمواصلات والنقل بالحكومة المؤقتة وهي تحيد القطاعات الخدمية ذات التأثير في الشارع الليبي عن التجاذب السياسي، وكان لهذا الشعار الذي عمل به الجميع خلال السنوات الخمسة الماضية إثر ايجابي ظهر جليا في عمليات تطوير المطارات واستمرا حركة الطيران المدني في العمل الامر الذي أنتج مطارات على درجة عالية من مستويات السلامة والأمان وفق المعايير الدولية التي تعمل بها دول العالم في مجال النقل الجوي، قادرة على استيعاب عدد كبير من الرحالات الجوية اليومية وكذلك عدد غير محدود من المسافرين على متن الخطوط الليبية للطيران المدني.

وتابع فريق المكتب الإعلامي للهيئة العامة للمواصلات والنقل بالحكومة الليبية المؤقتة، حديثه قائلا "عملت مصلحة المطارات والذي كان يديرها السيد أمحمد الأطرش، من خلال المتخصصين  على أعداد التقارير من خلال الزيارات لكافة المطارات التي تتبع الحكومة الليبية المؤقتة وذلك للوقوف على احتياجات كل مطار من الآلات والمعدات وأعمال الصيانة اللازمة من مهابط الـ"ران واي" لصالات استقبل وانتظار المسافرين والأجهزة الأمنية الواجب توافرها وأجهزة المراقبة الجوية  و ذلك لتدخل  المطارات في الخدمة وتستمر حركة الملاحة الجوية، حيث تتبع الحكومة الليبية المؤقتة أربعة عشر (14) مطار تسير رحلات جوية بين مطارات محلية ومطارات دولية تسهم في تسهيل حركة تنقل المسافرين داخل وخارج حدود الدولة الليبية

 وكان تحدي فرض الأمن داخل المطارات من اكبر التحديات ت التي واجهها قطاع النقل الجوي باعتبارها مصلحة المطارات  الجهة المالكة للمطار والتي تدير العمل بداخله بالتعاون مع الجهات المختلفة لم تكن تملك إمكانية حمايته من الإعمال الإرهابية التي قامت بها الجماعات المسلحة حيث يعتبر تخصص أصيل لوزارة الداخلية التي تتكفل بحماية المدنيين والعاملين والمرافق الحيوية بالدولة الليبية.

 فالمطارات شهدت عمليات تخريبية  أسفرت عن خسائر فادحة استنزفت من مقدرات الدولة الليبية الآلاف من الدينارات الليبية، بالإضافة إلي إرهاق ميزانية الدولة الليبية في ظل الوضع الاقتطاع الذي تعاني منه، فأصبح العمل على  صيانة المطارات لتوفير الخدمات للمواطنين الذين يتكبدون العناء في قطع مسافات طويلة للوصول لوجهتهم أمر ملح وضروري، فكان نتاج الزيارات التي قامت  بها المتخصصين في مصلحة المطارات وضع خطط لمشاريع تم تنفيذها بالكامل وبعضها لا يزال تحت الانجاز بلغ عدد المشاريع 64 مشروع  تراوحت نسب الانجاز فيه من بين الـ 60% و 100% كما تمكنت مصلحة المطارات من إدخال مطار جديد للخدمة وهو مطار الزنتان الذي إنشاء بسواعد ليبية من مهندسين وفنين وأصبح مطار الزنتان وجها لتسير الرحالات الجوية الداخلية في فترة قصيرة من بداية إنشاءه وبالرغم من كل هذا، عانت صناعة الطيران في ليبيا الكثير من المشاكل، التي تجعل من الاستمرار في العمل تحدٍ كبير، في ظل ما تعانيه البلاد من أزمات ومختنقات، خاصة بعد الخسائر التي تعرضت لها أكبر مشغلين للنقل الجوي في ليبيا، شركة الخطوط الجوية الليبية، والخطوط الأفريقية، فيما يعرف بمعركة المطار في يوليو 2014".


التحديات والصعوبات: (صيانة الطائرات الحلقة الأهم)

تواصل الحديث مع الزملاء بالمكتب الإعلامي للهيئة العامة للمواصلات والنقل بالحكومة الليبية المؤقتة الذين أكدوا لنا أن صيانة الطائرات هي الحلقة الأهم، كاشفين أن من أهم التحديات التي تواجه شركات الطيران الليبية، التشغيل اليومي للرحلات، وهذا التشغيل يحتاج متابعة فنية لضمان الاستمرارية في العمل، وهذه المتابعة هي ما تعرف بالصيانة.

وذكر الفريق، أن صيانة الطائرات، أحد الحلقات المهمة وربما الأهم في منظومة النقل الجوي في أي شركة طيران، تقوم على نقل الركاب أو البضائع، وهي تضمن بقاء الطائرة في حالة تشغيل، وتقليل فترة بقائها على الأرض.

يقوم عمل الصيانة على أساسين، الصيانة المجدولة، والصيانة الطارئة، وفي كلا الوجهين، من الضروري لتنفيذها توفر مجموعة من الظروف، أهمها:

- الخبرة الفنية، والمتمثلة في أفراد الصيانة من مهندسين وفنيين، إضافة لفنيي الدعم الفني، والخدمات.

- قطع الغيار، وتوفرها في المخازن، يضمن إجراء أعمال الصيانة في وقتها، وعلى الوجه المطلوب.

- المكان، الذي يوفر أرضية العمل بالشكل الصحيح، والسليم.

خسارة مطار طرابلس العالمي

بعد خسارة مطار طرابلس العالمي، وتحول عمليات النقل الجوي إلى مطار معيتيقة، لم يعد من السهل على الشركات، تشغيل طائراتها بالشكل المطلوب، فقد خسرت الشركات المكان والموقع الذي يوفر أرضية العمل لتنفيذ الصيانة المجدولة والطارئة. فمطار معيتيقة غير مجهز لذلك، كما وإن ظروف العمل الحالية لا توفر الاستقرار والأمان، للعمل بالشكل المطلوب.

صعوبات صيانة الطائرات:

كما تشتت جهود العاملين في مجال صيانة الطائرات، للبدء من الصفر، في ظل وجود شحيح لمعدات وأدوات الصيانة، وقطع الغيار، التي صار من الصعب استجلابها، بسبب الوضع المالي المتعثر لمعظم شركات الطيران، وانقطاع ليبيا عن العالم، فصار من الصعب التواصل ووصول قطع الغيار في الوقت، خاصة فيما يخص الأعمال الطارئة.

إن المشاكل التي تعانيها صيانة الطائرات، والظروف الصعبة التي تنفذ بها، تعود بالسلب على قطاع النقل الجوي، في عدم انتظام جداول الرحلات، وتأخرها توقيت انطلاقها، الأمر الذي صار علامة مسجلة لمعظم شركات الطيران الليبية.

والأمر للعودة به للطريق الصحيح، هو تحقق الاستقرار والأمان بشكل عام، وعودة مطار طرابلس لسابق عهده، وانفتاح ليبيا على العالم.