استبشر البعض خيرا بأحدث 2011 من حيث توفر السلع والخدمات وحرية الرأي والتعبير، لكن الامور تسير على غير ما يرام، الطوابير اصبحت معلما من معالم البلاد، لا يكاد يخلو مكان منها ولساعات طوال ، ربما على مدار الساعة، الشوارع والازقة عامرة بمختلف فئات الشعب ومن مختلف الاعمار من الجنسين، طوابير طلب السيولة النقدية، الاخذة في التفاقم بسبب السياسات غير الموفقة من قبل الجهات المختصة 

يقول محمد عبد الغني للمتوسط من أمام أحد مقرات استخراج الرقم الوطني، "أقف تحت حرارة الشمس، في طابور طويل لاستخراج الرقم الوطني الذي أصبح مطلوب في كل معاملة" ويتابع «عبد الغني» قائلًا "بالطبع هذا ليس الطابور الأول ولا الأخير فبعد الوقوف في طابور المصرف وطابور الخبز والغاز، الآن الحكم المحلي قرر أن يكون الموعد لاستخراج الرقم الوطني الساعة الثانية ظهرا تسهيلا لوقوفه في الطوابير الأخرى".

إذ في نهاية طابور طويل تحت الشمس الحارقة، أمام أحد المخابز يحصل أحد المواطنين بإحدى المناطق الليبية ولا هدف له إلا الحصول على عدد من الأرغفة تكفيه هو وأسرته. يبيعون 3 أو 4 أرغفة بدينار، علماً بأن عددها كان في السابق خمسة أرغفة، والأسوأ من ذلك كله أن غالبية المخابز أغلقت هكذا يقول سالم أبو محمد، أحد المواطنين الذين يتجرعون مرارة أكل العيش، الذي أصبح شغلهم الشاغل في الحياة.

وفي محاولة لمواجهة الأزمة التي تضاف إلى أزمات سياسية وأمنية في العاصمة، صعّدت نقابة الخبازين في طرابلس من موقفها بعد تقييدها بسعر محدد للرغيف، أمام ارتفاع مستمر في أسعار المواد الأولية التي تحتاج إليها عملية الإنتاج؛ ما دفع بكثير من المخابز إلى إغلاق أبوابها تدريجيًا، في انتظار وضع حل معقول؛ إما توفير المتطلبات بشكل كافٍ أو رفع سعر الرغيف..

وقالت النقابة في اجتماعها الأخير، إن حكومة الوفاق الوطني، التابعة للمجلس الرئاسي بقيادة فائز السراج، تتجاهل مشكلاتهم المتمثلة في ارتفاع أسعار الدقيق، وزيت الطعام، واليد العاملة. مع تزايد الأزمات، أصبح المواطن الليبي يقضي يومه متنقلا من طابور لأخر ليحصل على أساسيات معيشته اليومية، فاليوم يقف في طابور للحصول على إسطوانة غاز الطهي في العاصمة طرابلس حيث تبدأ من ساعات الفجر الأولى وتمتد لمئات الأمتار خارج مستودعات التوزيع، ليقضي المحظوظ يومه في انتظار الفوز بإسطوانة متى توفرت عند الموزع.

ومع مرور الوقت أصبح للغاز بورصة وسوق موازي فسعر الإسطوانة تضاعف ليصل إلى قرابة 20 ضعف. لا تتعجب كثيرًا إذا تطرق إلى مسامعك أن الليبيين ينامون أمام المصارف لأيام في العاصمة طرابلس، على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة، وذلك للحصول على سيولة نقدية قد لا تتعدى 500 دينار ليبي. وكان عدد من النشطاء قد أطلق عبر مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاج «لز السعي» وهي عبارة عامية ليبية قالها حارس أمن للمواطنين أمام المصارف، وتعني قطيع أغنام.

يقول خالد أبو عيسى، أحد المواطنين، من أمام طابور المصرف التجاري الوطني فرع الميناء، يفترش الأرض منذ يومين وينتظر السيولة: "وقفت أمام المصرف ولكن حراس الأمن منعوني من الدخول لأن عمليات السحب تقتصر على المعارف والأصدقاء وأنا لست ضمنهم". ويتابع «أبو عيسى»: أنا أعيل أسرة مكونة من 5 أشخاص وأسكن بالإيجار ومقيم بطرابلس منذ سنتين لأن منزلي تعرض للضرر في سرت ويحتاج إلى مبالغ طائلة لترميمه". في سياق متصل تقول أماني بن نعسان، إحدى المواطنات، من أمام طابور فرع مصرف الجمهورية في شارع الرشيد: "موجودة أمام المصارف منذ الصباح مع مجموعة من النساء، وحراس الأمن رفضوا قيامنا بعمليات السحب بحجة الزحام، ولكن بعد هتاف الناس ضدهم، استطاع الناس الحصول على 500 دينار". ومع إشكالية الطوابير المتزايدة كل يوم تظل الأزمة الكبرى في ضياع كل تلك الأوقات للحصول على كفاف العيش، من خلال طوابير تستهلك أوقات اليوم كله، بلا عمل أو إنتاج، في بلد يحتاج لقوته العاملة للخروج من أزمته، فكيف السبيل إلى تحقيق تلك المعادلة الصعبة.

من يتحمل المسؤولية؟

يقول ميلاد المزوغي الباحث في الاقتصاد لليبيا المستقبل: «البنك المركزي يعلن بين الفينة والأخرى بأنه قام ببيع مئات الملايين من العملة الصعبة للمواطنين، لكن ذلك وللأسف لا يعدو كونه   بهرجة اعلامية ، معظم البنوك التجارية التي تمتلك الدولة جزء من رأسمالها قامت بالحجز على بدل القيمة وفتح حساب بالعملة الصعبة، اما الصرف فلا يزال متوقفا، أي ان البنك المركزي باع المواطن (حوت في البحر). بالتأكيد لم يسبقنا الى هذه الطوابير المتعددة أي من شعوب العالم، الفضل كل الفضل لمن يتولون امورنا".

يضيف المزوغي:"شعب يكاد يمضي جل وقته في الطوابير، بدلا من التوجه الى اماكن العمل ومحاولة خلق فرص شغل شريفة جديدة، بدلا من توجه الشباب الى مراكز صناعة الموت (ميليشيات جهوية او مؤدلجة). انها ولا شك سياسة تدمير الروح المعنوية للبشر بعد ان تم وبجدارة تدمير مقدرات البلد، السياسة التي نال بها ساستنا درجة الامتياز وبمرتبة "الشرف".

مسؤولونا يدفعون بنا نحو الحائط، بالتأكيد ليس حائط المبكى الذي اصبحت له نسخ في بعض الدول، حيث يحج اليها ساستنا للتبرك بها وطلب العون لإحكام السيطرة علينا، لقد فعلوا بنا مالم يكن في حسبانهم ولم يخطر ببال بشر، انهم ولا شك يدفعون بنا نحو الحائط الذي يقف حاجزا دون حصولنا على ابسط مقومات الحياة، لم نعد نفكر بالمستقبل، فذاك حلم انتزعوه منا بمختلف الوسائل بما فيها غير المشروعة، لم يعد هناك بد من الانتفاضة في وجه هؤلاء الذين اوصلونا الى هذا الوضع المتردي".

ليبيين طابورنا واحد

بسرعة لم يتأخر المغردون في تبيان اللحمة الوطنية بين الليبيين وتفاعلوا مع الهاشتاق بأبيات شعر شعبي وكلمات وصور تدل على أن ليبيا واحدة شرقا وغربا ومن شمالها لجنوبها. وضعت صورة ليبيا عنوان الهاشتاق وأيضا كان سرعة التفاعل مع هذه الصورة كبيرة حتى أن اغلب المغردين أستبدلوا صورهم الشخصية بصورة ليبيا. وطن واحد لا يفره الساسة بما ينتهجونه من سياسة ولا تفرقه نعرات قبيلة ولا حزبية. و رسالة هذه المغردة تعطي أملا لوطن يحيا فيه الجميع: ستحيا بعد كربتك ربيعاً .. كأنك لم تذق بالأمس مرا.