قد يخجل المرء وهو يحاول أن يجمع زبدة التاريخ وبعض محطاته المهمة والمهمة جدا وهو يحاور شيخا قارب التسعين عاما يتذكر بدقة عالية كل التفاصيل رغم ما فعله كبر السن والمرض. لكن الصحفي والمفكر والمثقف والمناضل قبل كل هذا "الطاهر بن عيشة" (من مواليد عام 1925) مكتبة مفتوحة للجميع دون استثناء كما هو التاريخ على حد قوله ملك للجميع والكل حرٌ في ولوج دهاليزه. بلغة راقية وسرد حكواتي مميز (واختصاصه كونه صحفيا سابقا بمؤسستي الإذاعة والتلفزيون الجزائريين وأحد الكتاب والمؤلفين المعروفين بالجزائر ) تحدثت الشخصية المثيرة للجدل بمواقفها من المثقفين والسياسيين والمناضلين أيضا ليتكلم بإسقاط عجيب بين أمس التاريخ ، واليوم التاريخ المعاد. وأجاب محدثنا الذي درس بجامع الزيتونة عام 1942 قبل عودته للجزائر سبع سنوات من بعد عن أسئلة "بوابة إفريقيا الإخبارية" والتي خصت أزمة الفكر والسياسة الراهنة وتأثيرها على الواقع الجزائري المعاش بما فيها الاستحقاق الانتخابي الرئاسي المقبل، وهو الذي خاض تجارب نضالية وثقافية وإنسانية على مدى نصف قرن.

أمريكا تحكمنا منذ وقت طويل، ونحن نعيش استقلالا وهميا

بوابة إفريقيا الإخبارية: هل تؤمن بالصراع بين الجيش والرئاسة بالجزائر؟
ج: هناك علاقات كاملة والشيء الذي أعرفه أنا أن أمريكا تحكمنا وما زالت تحكمنا وهي التي تمسك بمقادير أمورنا منذ وقت طويل. ونحن لسنا مستقلين وإنما هذا الواقع الذي نعيشه هو استقلال وهمي ، فالإنسان بالجزائر كما في كثير الدول العربية يحكمه جاسوس المخابرات الأمريكية وهو ما قاله الزعيم الكوبي "فيدال كاستروا" منذ الستينات أن كثيرا من دول العالم الثالث ليست حرة.  

بوابة إفريقيا الإخبارية: أعيد طرح السؤال بإلحاح هل يوجد صراع بين الجيش (المخابرات) والرئاسة بالجزائر؟

ج: لا يوجد صراع، الجيش والرئاسة هم نفس المنتوج وما يحدث هو تغليط للرأي العام لا غير لأنهما سواء لشيء واحد. و نفس الذين خربوا البلاد يظهرون في كل مرة كمرشحين ويتسابقون لذلك كلهم دون استثناء. ولا تنتظر الجديد بعد أبريل، فأنا لا يغنيني لا "علي بن فليس" ولا "لويزة حنون" ولا "أحمد اويحي" ولا غيرهم... كلهم راضون بالهوان الذي يحدث الآن وقبله ، فلا تتوقع منهم الكثير، هم ليسوا وطنيين في نظري. و أنا يائس تماما فأنا لن أذهب لأنتخب على الإطلاق.

بوابة إفريقيا الإخبارية: هل تتوقع ثورة للربيع العربي بالجزائر؟

ج: الثورة ليست سيطرة على السلطة، الثورة أفكار قبل كل شيء، يجب أن تكون هناك أرضية فكرية فلسفية تنطلق منها و نحن في وضع لا نحسد عليه، كل المناضلين والثوريين رحلوا ولم يبق سوى بقايا مجردة من كل شيء، و بالمقابل من الصعب على الشعب أن يثور الآن، اللهم إلا إذا جاءت ثورة من ما تبقى من أحرار بالجيش قد يغيرون نظام الحكم في البلاد بشكل مفاجئ. لا أدري كيف ولكنه محتمل قد يلتف فيهم واحدة من الأحرار الغيورين على البلاد. لأنه لم يعد في نظري بالجيش تلك الإطارات التي كانت تحمل هم الأمة والشعب. لكن الأمل قائم. المطلوب الآن ليس إصلاح بل ثورة.
 
واقع الجزائر الآن يجعلك تقاطع البشرية ولا تكلم أحداً.

في حديثنا مع "الطاهر بن عيشة" عن أزمة الثقافة والمثقفين بالجزائر وعن أسباب تأخر دورها بما فيه السياسي بالبلاد، لم يخف استياءه من هذه الطبقة التي همشت نفسها كما قال ورفضت وجودها قبل أن يرفضها الآخرون.

بوابة إفريقيا الإخبارية: أين هو الفكر وأين هم المفكرون والمثقفون من واقع الجزائر الحالي ككل؟

ج: الموضوع معقد وحساس جدا ، وقول الحقيقة فيه يؤدي بالإنسان إلى الافتراس، كمثال فقط قول الحقيقة في شخصيات حتى وإن حسبت على المثقفين مرفوض في الجزائر ورفضه قد يتعدى آداب اللياقة والجواب فما بالك بالسياسيين والمسؤولين.أظنك اطلعت على حواري مؤخرا مع جريدة الشروق الجزائرية تكلمت فيه عن رأي في "الطاهر وطار".. لا تستطيع تخيل مستوى وحجم الرد الذي تلقيته من زوجته وهي محسوبة على عالم الثقافة في الجزائر ومن ابن أخيه ومنه هو شخصيا.. سب وشتم كان الأحرى فيه تقديم وجهات نظرهم لي وللعامة عبر أي قناة بأسلوب مثقف راقي. ولك أن تقيس بعد هذا المثال على حجم الدور الذي يلعبه المثقف الآن في الجزائر وحتى سياسيوه !.

بوابة إفريقيا الإخبارية: لما لا يلعب إذن المثقفون دورهم في توعية الناس ؟

ج: لو أنك تقول الحقيقة بطمها وطميمها ستُهمش في واقع الجزائر، فاتحاد كتاب الجزائريين أصبح متجرا لا غير و كان من المفروض أن لا يكون كذلك، فهو نادي لطرح الأفكار وإثرائها ولكن بكل أسف كان منوط بمن يمثله حمل هموم الشعب كله وليس همومهم ومطامعهم التي أصبحوا يلهثون لتحقيقها. أصبحوا ينظرون إلى كل شيء من منطلق ماذا أستفيد؟. ولكن أن يفكروا في مشاكل الأمة وكيفية معالجتها للرفع من مستوى التعاطي مع الإنسان فيها أصبح هذا آخر شيء في ينظرون اليه.