تمكنت الصين خلال السنوات الماضية من إحراز تقدم كبير في مشاريع الكهرباء لإنارة معظم أنحاء أفريقيا، بعد انطفاء الوعود الأميركية الكبيرة التي توجها إطلاق الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أكثر من عام في كيب تاون لمشروع “باور أفريكا” بتكلفة 7 مليار دولار.

لم يكن يدور في خلد سكان جنوب أفريقيا، الذين يواجهون أزمة متفاقمة في إمدادات الكهرباء، أن الحل سيأتي من بكين، حيث انتهت زيارة رئيسهم جاكوب زوما بتوقيع اتّفاقية تعاون في مجال الطاقة النووية.

وقد منح المشروع السكان آمالا بزيادة إمدادات الطاقة الكهربائية وضمان حصولهم على التيار الكهربائي دون انقطاع في المستقبل.

ويتمحور التعاون الأفريقي الصيني في مجال الطاقة في مشروع “أمبيرأفريك” وهي شركة رائدة في مجال تصميم منتجات الطاقة المبتكرة في القارة الأفريقية.

وقد وضعت الشركة الصينية العملاقة حلولا واسعة تستجيب لمتطلّبات السوق الأفريقية، حين تعجز البنى التحتية المحلّية على تلبية الطلب على الكهرباء، الذي ينمو بنحو 12 بالمئة سنويا، بحسب جيل سالسارولو، الرئيس التنفيذي للشركة الصينية.

ويؤكد سالسارولو “أن الاقتصاد الصيني الذي ينمو بأكثر من 7 بالمئة يحتاج لتأمين إمداداته من الطاقة، وخصوصا من النفط، لذلك فإن إطار الشراكات مع دول أفريقيا مربح للطرفين، من خلال الاستثمار بكثافة في أفريقيا، مع الاستفادة من الحوافز والظروف الملائمة في مجال الطاقة”.

ويضيف سالسارولو أنّ استثمارات الصين المكثّفة في القارة الأفريقية تأتي لـ “سدّ الفراغ الذي تركته أوروبا”، مضيفا أنّ “صناديق الاستثمار الأوروبية تشتّت تمويلاتها على الكثير من المخطّطات (الاستثمارية)، غير أنّ الاستراتيجية المفترسة التي اعتمدتها الصين، مكّنتها من انتهاز الفرصة، وتحقيق اسثمارات في مجال الكهرباء بقيمة 30 بالمئة من ميزانيتها المخصّصة لأفريقيا”.

وبات انقطاع التيار الكهربائي في كلّ من زيمبابوي والكاميرون وغانا، مرورا ببوروندي وجنوب أفريقيا، وصولا إلى نيجيريا، أمرا مألوفا في هذه الدول وغيرها من البلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في القارة السمراء.

ونجحت الشركات الاستثمارية الصينية في تحويل الظلام الدامس الذي يرزح تحته الأفارقة إلى فرص استثمارية لرفع معضلة انقطاع الكهرباء عن مواطني أفريقيا.

ففي عاصمة زيمبابوي هراري تمكنت المجموعة الصينية ذات التمويل القويّ، بفضل حصولها على قرض من “إكزيم بنك” الصيني أيضا من تحقيق معجزة محلية من خلال وضع حد للانقطاعات الكهربائية المتتالية، وذلك عبر توقعيها عقدا في بقيمة 1.5 مليار دولار لبناء مجمّع كهربائي بالفحم، من شأنه تحسين الإمدادات الكهربائية في هذا البلد الواقع جنوبي القارة الأفريقية.

وتعاني زيمبابوي عجزا في تلبية الطلب على الطاقة الكهربائية، بسبب تآكل شبكة الربط بالتيار الكهربائي. وسيمكن الاستثمار الصيني من زيادة إنتاج البلد من الكهرباء لتتناسب مع احتياجات السكان، بمعنى تحقيق التوازن بين العرض والطلب فيما يتعلّق بالطاقة الكهربائية حيث تقدّر احتياجات البلاد بـ 2200 ميغاوات، في حين لا يتجاوز الإنتاج الـ 1200 ميغاوات.

ويقول خبراء أن بكين نجحت في الانقضاض على الفشل الأميركي في المنطقة وخاصة بعد أن واجه مشروع الرئيسي الأميركي باراك أوباما “باور أفريكا” انتقادات أفريقية حادة.

وكان أوباما قد أعلن منذ سنة في مدينة كيب تاون عن انطلاق مشروع “باور أفريكا” بتكلفة سبعة مليار دولار من أجل مضاعفة طاقة توليد الكهرباء في القارة الأفريقية، ولم ينجح إلى حد الآن في تجاوز 25 بالمئة من أهدافه المعلنة وهو توليد 10 آلاف ميغاواط من الكهرباء وإنارة 20 مليون منزل وشركة بحسب ما جاء في التقرير السنوي للمشروع.

كما لم يتضح حجم ما تم إنفاقه فعليا من المليارات السبعة التي تعهد بها أوباما كما أنه ليس معروفا إن كان القطاع الخاص سيفي بتعهده بتقديم استثمارات إضافية تبلغ 20 مليار دولار. وتنتج 48 دولة في أفريقيا جنوبي الصحراء حيث يقطن نحو 800 مليون نسمة تقريبا نفس كمية الكهرباء التي تولدها أسبانيا التي لا يزيد تعداد سكانها عن 46 مليون نسمة. وينجم عن ذلك تضييق الخناق على النمو وانزلاق الملايين في براثن الفقر.

وبالإضافة إلى ما تقدّم، أشار رئيس “أمبيرأفريك” الصينية إلى أنّ هذه الاستراتيجية منحت الصين حافزا آخر يكمن في احتفاظها بمقاليد “السلطة” في يدها، بمعنى أنّه “حين تستحدث الصين أقطابا كهربائية في أفريقيا، فإنّها سرعان ما تبسط نفوذها، واليوم بالإمكان ملاحظة ارتفاع عدد العمّال الصينيين في أفريقيا، والذي بلغ المليون إجمالا”.

ويعود الحماس الذي أبدته بيكين لضخ استثماراتها في قطاع الطاقة بالقارة الأفريقية إلى مطلع الثمانينات حيث تكفلت الصين في العام 1982 بتمويل إنشاء محطّة لتوليد الطاقة الكهرومائية في “موجيري” بمحافظة بوجمبورا (بوروندي) الريفية، بطاقة إنتاجية قدّرت بـ 8 ميغاوات.

وفي سياق متصل، قال المدير العام للطاقة بوزارة الطاقة والمناجم في بوروندي “نولاسكو نداييهاي”، إنّ “محطّة موجيري قد تمّ إعادة تأهيلها بتمويل صيني بقيمة مليوني دولار”.

ومنذ بضع سنوات، قامت الصين بتمويل وإعادة تأهيل إثنين من المحطّات الكهربائية الصغرى بكلّ من “روفييرونزا” و”جيكونج” بمحافظات “غيتيغا” و”مورامفيا” وسط بوروندي. وقد تمّت الأشغال تحت إشراف خبراء صينيين.

وأضاف “نداييهاي” إنّه خلال العام 2012، منحت الصين بوروندي تمويلا بـمليون و300 ألف دولار، لتركيب أجهزة إضاءة عامة باستخدام الألواح الشمسية.

وينكبّ الصينيون، حاليا، على دراسة مواقع جديدة لتركيب الكهرباء على ضفاف أنهار “روزيبازي” و”سيرازا” و”كارونج”، بمحافظة بوجمبورا الريفية. وفي نيجيريا، يهدف مشروع كبير انطلق إنجازه منذ أكثر من عام، إلى تحسين إمدادات الكهرباء، اعتمادا على عقد تمّ توقيعه، في أكتوبر 2013، مع مجموعة “سينوهيدرو” (الشركة ذاتها الناشطة في زيمبابوي)، بقيمة 1.3 مليار دولار، لبناء محطّة لتوليد الطاقة الكهرومانية، طرحت الطاقة الشمسية كبديل، غير أنّ حتى الخيار الأخير لم يفلح في حلّ الإشكال الطاقة الكهرومائية، والتي من المنتظر أن تبلغ طاقتها الإنتاجية الـ 700 ميغاوات إضافية.

كما انتهت مجموعة صينية أخرى تحمل اسم “الصين الدولية للمياه والكهرباء” مؤخرا، من ربط حوالي 400 تجمّع سكني بمنطقة غانا العليا بالشبكة الوطنية لتوزيع الكهرباء، قبل عامين من موعد التسليم المتّفق عليه بالعقد، والمحدّد بأربع سنوات من تاريخ انطلاق الأشغال، وذلك بفضل الدعم الذي قدّمته السلطات الغانية المتطلّعة إلى الترفيع في الطاقة الإنتاجية للكهرباء في البلاد إلى حدود الـ 10 بالمئة سنويا، لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان ولقطاع الصناعة.

ولم يقتصر التدخّل الصيني في أفريقيا بمجال الطاقة على المشاريع بعنوان العقود والشراكات المختلفة، وإنّما اتّخذ أيضا شكل الهبات. ففي الكاميرون، وبسبب العجز الحاصل على مستوى الطاقة الكهرومائية، طرحت الطاقة الشمسية كبديل، غير أنّ الخيار الأخير لم يكن متاحا لجميع السكان بسبب الضرائب المجحفة الموظّفة على استخدامه، وهذا ما فتح المجال واسعا أمام الصين لتقدّم نفسها كمنقذ للوضع في الكاميرون على هذا الصعيد.